واشنطن بوست: معركة الأسد حتى النهاية وسينتهي معتقلاً أو هاربا..!

2012-08-05

حتى في ظل اقتراب الثوار من العاصمة وإطباقهم على بعض الأحياء المجاورة، لم يُظهر الرئيس بشار الأسد أية إشارة توحي باستعداده للتخلي عن السلطة. وهو ما يثير مخاوف المسؤولين الأميركيين من دخول البلاد فصلا كارثياً وقاتماً من تاريخها، تطغى فيه المعارك الممتدة والدماء المسفوحة قبل انتهاء الحرب الأهلية.

فبينما كانت تخوض قواته معارك شرسة في مدينة حلب، رفض الأسد دعوات جديدة بقبول اتفاق ما والخروج من البلاد مع عائلته، بل عبّر مراراً عن ثقته في انتصار القوات الموالية لنظامه.

وتدل تصريحات الأسد على أنه يستعد لإتباع أنموذج العقيد القذافي الذي رفض التخلي عن السلطة ولاقى ذلك المصير القاتم المعروف، حيث يبدو أن الأسد يراهن بحياته على استمرار النظام وبقائه، والنتيجة أن الرجل الذي اعتبر لفترة قائداً معتدلا وقادراً على الإصلاح، قد ينتهي به المطاف مقتولا أو معتقلا أو هارباً، وهو ما يذهب إليه "جيفري وايت"، المحلل السابق المتخصص في الشرق الأوسط بوكالة الاستخبارات التابعة للبنتاجون، قائلا: "لا أعتقد أن الأسد سيفاوض لتسليم الحكم، بل سيقاتل حتى النهاية، وعلى الأرجح سيقود معركته الأخيرة في دمشق".

وفيما يتعلق بالتحليلات التي أجراها خبراء أميركيون مؤخراً حول الأسد وظهوره أمام الناس، فإنها تجمع كلها على أنه بات شخصاً منفصلا عن الواقع.

ومع أن تلك التحليلات تؤكد أن الأسد ليس غبياً ولا جباناً، لكنها تؤكد أنه وقع ضحية خطابه حين صدّقه، معتبراً نفسه منقذ شعبه، بالإضافة إلى كونه تجسيداً للدولة السورية. ويضيف الخبراء أن الأسد لا يبدو عليه الاهتزاز من وضعه الحالي المنعزل والمنبوذ دولياً.

وفي هذا السياق يقول مسؤول أميركي مطلع على معلومات استخباراتية حول سوريا، رفض الكشف عن اسمه: "إن الأسد بذهنيته التي تؤمن بالمؤامرة، وشعوره بأن الحق إلى جانبه، لم يعطِ حتى الآن إشارةً واحدةً عن استعداده للخروج من الساحة. وعلى غرار بعض القادة من قبله، يقوده الاعتداد المفرط بالنفس إلى اتخاذ قرارات كارثية بالمعنى الحقيقي للكلمة، مثلما حدث مع القذافي من قبل".

ومع أنه يصعب توقع ردة فعل الأسد إذا ما ووجه بهزيمة محققة، فإن جميع خطواته تدل أنه سيتمسك بموقفه ويرفض الاستسلام.

والحقيقة أن تصلب مواقف الأسد في الأسابيع الأخيرة أخمدت كل أمل في التوصل إلى اتفاق سياسي يعجل بمغادرته السلطة والتخفيف من حدة المعارك التي تهدد بالتحول إلى حرب شوارع داخل المدن السورية الكبرى. فحتى مطلع يوليو المنصرم صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بأن الوقت لم يتأخر بعد لقبول الأسد بالاتفاق، كما تحدث مسؤولو البيت الأبيض عن ترتيبات مشابهة لتلك التي أقنعت الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، بالخروج من السلطة.

وفي الأسبوع الماضي طرحت الجامعة العربية خطة جديدة تقضي بنقل السلطة من الأسد إلى حكومة مؤقتة مقابل حصوله على منفى مريح. وحثّ رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الأسد على اتخاذ قرار "شجاع" بالتنحي من أجل مصلحة البلاد، لكن المقترح الذي جاء عقب مقترحات أخرى تقدم بها عدد من الدول العربية، رفضه الأسد.

ويأتي ذلك بينما تواصل قوات النظام قصف أحياء دمشق لإخراج الثوار من بعض المناطق التي سيطروا عليها خلال الأسبوع الماضي، كما تتزامن الحملة في ريف دمشق وبعض أحيائها مع حملة أخرى للجش الرسمي على مدينة حلب التي يتحصن في أحيائها الثوار وقد سيطروا على كثير من مناطقها.

هذا وتستخدم القوات النظام المدفعية والطائرات المروحية والطائرات المقاتلة لقصف السكان ودك أحياء بكاملها على رؤوس قاطنيها. ويشير الخبراء العسكريون إلى أن الشراسة التي يقود بها الأسد حملته ضد المدن المتمردة توحي بأنه عازم على استكمال المعركة حتى النهاية.

وكما يقول "جوشوا لانديس"، الخبير في الشأن السوري ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، فإن أي تنازل يقدمه النظام سيخالف طريقة تفكير عائلة الأسد لأن ذلك في نظرها "يظهر ضعف سلطة لا تريد أن تبدو كذلك في أعين الناس". وتعيد هذه الحملة التي تُستخدم فيها المدفعية والطائرات لقصف السكان المدنيين، إلى الذهن حملة والده حافظ الأسد على مدينة حماة عام 1982 لإخماد انتفاضة مسلحة.

ويضيف "لانديس" أن الاستخدام المكثف لعنف الدولة هو الخيار البديهي للنظام تماشياً مع تقديراته الخاصة بأن معركة حتى النهاية تبقى أفضل في جميع الأحوال من ضبابية المفاوضات للحصول على عفو غير مؤكد. بل يذهب "لانديس" إلى أنه حتى في حال سقوط دمشق، فقد يلجأ الأسد إلى الجبال العلوية على الساحل السوري لقيادة ميلشيا خاصة به على الطريقة اللبنانية.

هيئة تحرير "واشنطن بوست"