جان كورد : الكورد مابعد الأسد

2012-08-27

كيف سيكون وضع الكورد في "اليوم الآخر" بعد رحيل الأسد وتفكيك نظامه,

سؤال هام يطرح نفسه عالمياً واقليمياً وسورياً وعلى الكورد أنفسهم, ويلقى أجوبة مختلفة, حسب المعطيات الواقعية والتراكمات التاريخية والحسابات السياسية وعلو درجات التحليل والدراسة لدى الشخصيات والمؤسسات التي تساهم في طبخ السياسات الدولية والاقليمية,
وكذلك حسب ما يحلم به البعض منا أو يأمله, وبخاصة نحن الكورد, الذين عانينا طويلاً من القمع والاضطهاد والاقصاء, ولازلنا ننتظر الخلاص عهوداً متتالية, وصارت الحرية قوب قوسين أو أدنى في سوريا اليوم, حيث يترنح النظام الأسدي المعزول دولياً وشرق- اوسطياً تحت ضربات الثورة الشعبية الكبرى, فيعتقد بعضنا أن في آخر هذا الليل الطويل الداجي فسحة مضاءة لنا وسط الغابات الكثيفة والصراعات المستمرة للقوى التي تجهز نفسها للاستيلاء على دفة الحكم وتسيير أمورنا كسواها من أمور السوريين حسبما يريدون ويتمنون.
هناك من يعتقد بأن الكورد السوريين كلهم على فكرة واحدة ويسيرون خلف زعامةٍ واحدة ولهم مطلب سياسي واحد, وعليه فإنهم يتصرفون وفق سياسة واحدة, وهذا يجافي الحقيقة التي تقول بأن علة عدم تحرر الكورد حتى يومنا هذا هو عدم اتفاقهم على ما يمكن أن يؤدي إلى  تحررهم من عبودية غالبية جيرانهم, الذين لايرعون عهداً ولايقبلون الكوردي إلا تابعاً ذليلاً ويسخرون لذلك دينهم المشترك وسائر أشكال الخداع والنفاق والوعود المعسولة في أيام الضيق والشدة, ولكن عندما يقوون فلا رحمة لديهم بالكورد ولا وفاء بالوعود والمواثيق والشرائع.
وفي الحقيقة فإن الكورد, مثل غيرهم من شعوب الأرض, مختلفون على كل شيء, وهذه طبيعة بشرية, فالأذواق تختلف, والطاقات الجسدية والنفسية تتفاوت, والتربية الأسرية والخلفية الاجتماعية والدينية, والبيئة التي يعيش وينشأ فيها الإنسان في تغير, ولذلك لايمكن لشعبٍ بأسره أن يكون على فكرة واحدة, وبسبب ذلك فإن رؤى الكورد السياسية تنشط لدى هذه الجماعة الحزبية أو الكتلة الثقافية بشكل أشد وأعلى من لدن جماعة سياسية أو ثقافية أخرى, ولهذا لدينا من يطالب ب"إدارة ذاتية ديموقراطية" لا "قومية", بمعنى تطوير "الإدارة المحلية" التي كانت موجودة في ظل حزب البعث الاشتراكي ودمقرطتها, دون اعتبارات قومية أو دينية وإنما لجميع السوريين, وليس للكورد فحسب, والذين يتبنون هذه الفكرة هم أنصار الزعيم العمالي المعتقل في تركيا, السيد عبد الله أوجالان, ويطلقون على أنفسهم اسم "حركة المجتمع الديموقراطي" و "منظومة مجتمع غرب كوردستان. وهناك من الكورد السوريين من يطالب اليوم ب"إدارة لامركزية سياسية", وكانوا من قبل يؤكدون على التزامهم بالواقعية السياسية ومطلب "الحقوق القومية للشعب الكوردي", وكانوا يرفضون أي مقترح أو طرح لفيدرالية كوردية, وهم أنصار المجلس الوطني الكوردي الذي يضم عدة أحزاب كوردية موالية للسيد مسعود البارزاني, رئيس اقليم كوردستان العراق, وللسيد جلال الطالباني, رئيس جمهورية العراق, وقد تحالفت هذه الأحزاب بدعمهما منذ فترة وجيزة في عاصمة اقليم جنوب كوردستان مع حركة المجتمع الديموقراطي المنافسة لها, إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ التام حتى الآن, وهناك من يشعر بأنها قبلت به رغماً عنه, لأنه على علمٍ بأن المستفيد الأكبر من الاتفاق هو منافسه الذي يبدو وكأنه الأقوى على أرض الواقع. و من خارج دائرة المتعلقين بهذا "الاتفاق التاريخي" أحزاب وتجمعات كوردية قومية ووطنية أخرى, تجد نفسها غير معنية بهكذا اتفاق تجاهل وجودها أو عمل على اقصائها, كما أن هناك المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا, الذي تأسس في عام 2006 في واشنطن وبلجيكا, ويتبنى فكرة "الفيدرالية" ويسعى جاهداً في مراكز القرار الدولي ومن خلال علاقاته السورية والاقليمية من أجل ترسيخ هذه الفكرة في العمل السوري المعارض عموماً وتثبيته كمطلب موحد وشامل لكل أطراف الحركة الكوردية في سوريا. ومع الأسف فإن بعض الناشطين و"المثقفين" الكورد, عوضاً عن السعي لدعم هذا الاتجاه المقبول من جهة الشباب في البلاد, يشككون به ويقللون من أهميته, مع أن مطلب "الفيدرالية" يقتحم التظاهرات الشعبية والمواقع الانترنتية ومقالات الكتاب الواقعيين ويأخذ مكانه في الساحة الكوردية بقوة. كما أن هناك تيار اسلامي بطيء النمو وقليل الانتشار بين الكورد, إزداد نشاطاً إعلامياً منذ اندلاع أول ثورة للحرية في شمال أفريقيا, وامتد لهيبها غرباً صوب سوريا, وهذا التيار "إخواني" في توجهاته السياسية – الدينية ويبدو من خلال إعلامه أنه يولي القضية السورية أهمية أكبر من القضية القومية للشعب الكوردي, ووضعه بالنسبة إلى "المجلس الوطني السوري" لايختلف في كثير عن وضع أولئك العلمانيين الكورد الذين اتخذوا مقاعدهم ضمن المجلس ورفضوا الانسحاب منه مع ممثلي الحركة السياسية الكوردية, إعتقاداً منهم بأنهم بموقفهم ذاك يفيدون شعبهم بشكل أفضل.
وهنا يجدر بنا أن لاننسى ذلك العدد الذي لايستهان به من عملاء النظام الأسدي وشبيحته والقلقين من الكورد لما آل إليه مصير هذا النظام, الذي كانوا يعتقدونه برسوخه وثباته إلى الأبد, وكانوا يتعاملون معه على أساس ذلك الاعتقاد. وهؤلاء لايضرون بالحركة السياسية الكوردية فحسب وانما بالشعب السوري عامةً وبالشعب الكوردي خاصةً, كونهم لايطالبون بشيء لشعبهم ويقدمون خدمات مجانية لنظامٍ معادٍ للحرية والديموقراطية وينتهك حقوق الإنسان بصفاقة ويعمل على صهر الشعب الكوردي وانهاء وجوده. إن هؤلاء لايتورعون عن دعم النظام حتى آخر رمقه ولكنهم يتزينون بالرايات القومية الكوردية أيضاً في المناسبات والاحتفالات, وبخاصة في يوم نيروز الشهير, فهم "أكراد" ولكنهم أوفياء باستمرار للنظام مهما كان عدائه للكورد شرساً.  
 أمام هذه اللوحة الكوردية الكبيرة والمتنافرة في العديد من أجزائها يصعب القول بأن هذا الاتجاه السياسي أو ذاك سيحدد مسار الشعب الكوردي في غرب كوردستان, فالشعوب تتصرف في المحن بأشكال لاتخطرعلى بال, وهي بنفسها تشق طريقها في الأزمات, دون وصاية, فلا أحد يستطيع برمجة ثورة بالطريقة التي يريدها, ولا أحد يتمكن من وضع خارطة مستقبلية مؤكدة النجاح لكفاح شعب, والانتكاسات واردة مثل النجاح في كل حراك شعبي واسع. ولذلك فإن المحاولات التي جرت في بعض الدول الغربية, ومنها ألمانيا الاتحادية, لوضع إشارات وعلامات طريق للثورة السورية, من قبل خبراء أوروبيين وناشطين سوريين, في الخفاء, لاتجدي لأن الشعب السوري يتصرف في ثورته كشعب وليس كشرائح ملتزمة بأوامر لهذه الأسياد أو تلك الاملاءات.
ومن ناحيةٍ أخرى, فإن الصراع السياسي المستعر في سوريا في أوج نشاطه البركاني, ولايستطيع أحد التحكم به بالشكل الذي يريده, وبسبب هذا الصراع الذي انخرطت فيه قوى دينية وعلمانية, قومية وليبرالية, ذات مواقف متباينة من القضية الكوردية ومن الشعب الكوردي, ولأن بعض هذه المواقف لاتختلف كثيراً في عنصريتها عن موقف حزب البعث العربي السوري الذي فقد بريقه الآن, فإن من الصعب التكهن بما سيؤول إليه وضع الكورد في "اليوم الآخر" لسقوط نظام الأسد.
بعض المتفائلين من تطورات الثورة السورية يرون أن مستقبل شعبنا في سوريا مرهون بمدى عمق العلاقة بين الحركة السياسية الكوردية وفصائل المقاومة السورية والأطراف الديموقراطية والليبرالية في المعارضة السورية, والبعض يجد قوة الكورد في تعميق "اتفاقية هه ولير" وأن سندهم الأكبر هم الإخوة الكوردستانيون خارج سوريا, ففي اتفاق الأحزاب الكوردستانية الكبيرة (الحزب الديموقراطي الكوردستاني – الاتحاد الوطني الكوردستاني – الحزب الديموقراطي الكوردستاني /ايران, وحزب العمال الكوردستاني) دعم أكيد لقضية الشعب الكوردي في غرب كوردستان, وبعضهم يرى مستقبل ونجاح الحركة الكوردية السورية في تعزيز دور العامل الدولي في النضال من أجل تحقيق الحرية وبناء الفيدرالية الكوردية السورية. وهناك من يجد أن إهمال مبدأ الأكثريات والأقليات في خضم هذا الصراع الكبير في سوريا يبعد الحركة السياسية الكوردية عن جادة الصواب وانتهاج الطريق الصحيح لمعالجة الأمور.
برأيي, على الكورد السوريين عقد مؤتمر وطني واسع الآن, مختلف من حيث النوعية والأهداف عن مؤتمر أربيل السابق, وذلك لوضع استراتيجية عمل لمرحلة ما بعد سقوط الأسد, وعدم ترك الأمور تسير وفق أمزجة زعماء أو مناهج قيادات حزبية, فالقضية أكبر من الأحزاب جميعاً, وجلوس الحكماء والخبراء إلى بعضهم بعضاً سيجلب لنا منفعة ويبعد عن شعبنا الكوارث والمآسي, فالأوضاع خطيرة ولايستطيع أحد أن يقودنا لوحده إلى النجاح, دون تواصل أشمل بين هؤلاء الأعداد الكبيرة من العقول المستنيرة في حراكنا السياسي – الثقافي وما حوله. وإلا فإننا كالجالس إلى طاولة البوكر دون أن تكون له معرفة جيدة بخصومه في اللعبة, وكثيراً ما أخطأت الأحزاب في سياساتها لأنها تعتمد على العقول التي بين أياديها فقط, ولاتهتم بآراء منافسيها أو بما يفكر به  أفراد شعبها.
الكورد في مرحلة ما بعد الاسد سيجدون أمامهم معطيات وتحالفات ومعارضات وتحديات وأسئلة من نوع آخر, لم تعترضهم فيما مضى, فهل هم مستعدون لاعتلاء سفينة دون أن يتفهموا أحوال البحر والأنواء, وهل ربانهم ذوي تجربة في العمل في المرحلة القادمة, أم أن قياداتهم التي نشأت وترعرت في عهد النظام الشمولي ستبقى لتقود سفينتهم عهداً آخر؟
لا أدري... ولكني متأكد من أن مؤتمراً للخبراء والعقلاء الكورد سيكون بلا شك مفيداً الآن.  
Carekê li Bloga me jî binêrin: