جان كورد : سوريا اليوم الحالي والتالي

2012-08-31

هناك في أوروبا وأمريكا، وفي ألمانيا بالذات، ومن خلف ظهر سائر فصائل المعارضة السورية، الفاعلة المنتجة، ، من يخطط سراً لحكم سوريا في "اليوم التالي" لسقوط الاسد، دون أن تكون له أي جهودٍ  عملية في "اليوم الحالي" لانجاز هذا السقوط أو الاسقاط،

ومن هؤلاء "جماعة ألمانيا" الذين يتواصل أعضاؤها ويجتمعون سراً تحت رعاية من يخطط لامتلاك قدر الشعب السوري، وترتيب البيت السوري كما يشاء، مستخدماً ريموت كونترول سياسي من معارضين سوريين، يعتقدون أنهم سيتمكنون من اقناع الشعب السوري بأنهم أفضل في قيادته من الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الثورة وقاتلوا من بيت إلى بيت ومن حارة إلى حارة وهم ممسكون بقلوبهم من هول المعارك وضراوة النظام، ولايدرون كيف ستغيب عليهم شمس اليوم الحالي، وهمهم الأكبر هو القيام بواجباتهم الآن، في حين أن "جماعة برلين" تفكر في "اليوم التالي" لسقوط الأسد ولايهمها من يستشهد ومن يتعرض لتشويه أو بتر أو حرق في اليوم الحالي، فثورة الحرية تتطلب التضحيات، والقيادة يجب أن تكون في أمان، بل يجب أن تظل مثلهم سراً من أسرار الدولة الألمانية أو سواها في عمق البلدان الأوربية الغربية. ولكن هل سيقبل الشعب السوري بأن يحكمهم هؤلاء وأمثالهم من الذين لم تنزف من أجسادهم قطرة دمٍ واحدة طوال عمر الثورة السورية التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 30.000 شهيداً؟ 

الثورات يقوم بها الشجعان ويرث الحكم من بعدها الانتهازيون! هكذا تعلمنا من تجارب التاريخ البشري، ولكن ليس كل الشجعان يستشهدون أو يصابون بعاهات مستديمة، أثناء مرحلة الثورة، فمنهم من يقضي نحبه ومنهم من يستمر في الحياة إلى وقتٍ طويل بعد نجاح الثورة، وهؤلاء برأيي هم أجدر الناس بقيادة شعبهم من الذين تم تدريبهم من قبل دوائر أجنبية للقيام بمهام موكولة لهم، ربما لاتتوافق ومصالح الشعب السوري أبداً. بل على العكس، فإننا نلاحظ وجود مساعٍ دولية حثيثة من جهات عديدة تهدف إلى خنق المعارضة السورية، الوطنية والديموقراطية، خارج البلاد، وكأن هذه الأطراف الدولية التي تركت مجلس الأمن بلا فعالية بصدد ما يجري في سوريا من مجازر يومية، متفقة مع نظام الأسد وحلفائه الدوليين، للتخلص من المعارضة السورية خارج البلاد، حتى يبدو الأمر وكأن آخر لقاء تلفزيوني للأسد السوري هو تتويج لعملية الاقصاء هذه، ذلك اللقاء الذي قال فيه الأسد بأن من خرج من البلاد قد انتهى! 
ولكن هذا كله لايعني عدم الاستفادة من خبرات سائر الدول والمؤسسات الديموقراطية في العالم، وبخاصة في العالم الحر الديموقراطي، المعروف عن بعض مؤسساته القوية بأنها تدعم المساعي الوطنية لكل الشعوب من أجل السير صوب الحرية والديموقراطية، "علانية" وليس سراً. أما الدول فإنها تدرب عملاءها وجواسيسها في سرية وخفاء. 
لماذا هذا الاستخفاف بعقول السوريين، من قبل من يعتبر نفسه ديموقراطياً وداعماً لثورة الشعب السوري، إن لم يكن هناك شيء غامض وغريب في موضوع "تدريب أفراد من المعارضة السورية" حسب جدول انتقائي معين؟ ولماذا هذا القبول من جانب "المعارضين السوريين" بالتدرب والتعلم سراً على أيدي "دبلوماسيين!"، أم أن وراء الأكمة مالايريد أصحاب المشروع إظهاره للسوريين وللرأي العام العالمي؟ 
منذ شهورٍ عديدة، ومجموعة من السوريين بحدود ال50 متدرب تم اختيارهم وفق جدولة ما تلقت محاضرات عديدة، وتلاقت في الخفاء للتدرب على ما يمكن اعتباره "محاولة لادارة سورية بمخطط أوروبي في مرحلة اليوم التالي" لسقوط الأسد، وقد نشرت المجموعة كتيباً بذلك مؤخراً، لأن الرأي العام الألماني علم بذلك منذ الأيام الأولى لتلك المحاولة السرية، ويبقى سؤال كبير معلقاً فوق الرؤوس، ألا وهو :"هل هناك دول أخرى، دربت أو تدرب عناصر سورية معينة للقيام بمهام إدارية وحكومية ما في المرحلة التي تلي اسقاط الأسد في سوريا؟" 
وهذا السؤال يفتح لنا الباب لطرح أسئلة عديدة أخرى، منها:"ما هي هذه المهام؟ ومن المبعدون عن هكذا برنامج تدريبي؟ وكيف سيتصرف المتدربون حيال المجموعات السورية المختلفة من خارج دوائر التدريب هذه؟ ما هي غايات وأهداف الداعمين لهذا المشروع؟... وماذا تقول المعارضة السورية بصدد هذا كله؟. ومن هذه المعارضة أحزابنا الكوردية المؤتلفة وغير المؤتلفة...
أعود لأقول في ختام هذه التساؤلات التي تخطر على بالي الآن بأن لابأس من الاستفادة من خبرات الآخرين دون الوقوع في حبائل المغرضين والمتربصين بثورة الشعب السوري، ولكن الكشف عن تلك المساعي وممارستها علانية وأمام أعين الرأي العام والمعارضين السوريين والمقاتلين الذين يضحون بأنفسهم من أجل ثورة شعبهم يطمئن القلوب ولايدع مجالاً للشبهات حسب ظني... وسيحكم سوريا "اليوم التالي" أبناؤها المضحون في خنادق الثورة في "اليوم الحالي" قبل أن تسقط كتفاحة في أيادي من لم يساهم فعلياً في تحقيق الانتصار الكبير ويحاول أن يبقى في الظل حتى تحين له فرصة القفز لاختطاف الكرسي من أصحابه الشرعيين والمضحين في الشارع السوري.
في هذه المرحلة التي تتسم بوجود العديد من المخططات لتجزئة المعارضة وتحطيمها خارج البلاد، يجدر بالذين يهمهم إنجاح الثورة السورية أن يدركوا جيداً أهمية التلاقي والتضامن بين مختلف فصائلها الفاعلة المنتجة، وعدم افساح المجال لاستمرار النظام وحلفائه في إيجاد بديل "داخلي" مدجن لها، أو الوقوع في المخططات والمساعي الدولية لإنقاذ عنق الأسد من مقصلة الشعب السوري.   
 
kurdistanicom@yahoo.de