جان كورد :حزب العمال الكوردستاني في حلبة الصراع التركي – الايراني "2"

2012-09-15

"الأفكار الخطيرة مثل الطاعون المعدي تنتقل بسرعة من شخص إلى شخص" 

(فرعون مصر هاريمهاب لطبيبه المناوىء له سياسياً – من رواية (سينوهي المصري) للروائي الفنلندي ميكا فالتاري- الطبعة 40 – 2003 الصفحة 747 – الترجمة الألمانية)
 منذ نجاح الثورة الخمينية في عام 1980 ونظام الملالي في طهران عامل على توظيف أموالٍ طائلة بهدف تشييع المسلمين وغير المسلمين في المنطقة, ودفع الأمور صوب "تثوير" الأوضاع ضد نفوذ واستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية "الشيطان الاكبر", ودعم سائرالقوى المعادية للغرب ومن يسميهم الإعلام الايراني الرسمي ب"عملاء الغرب", ومن تلك القوى المدعومة من قبل ملالي ايران الساعين لجعل بلادهم منطلقاً ل"ثورة إسلامية عالمية" دولة حافظ الأسد وبطانته من جنرالات الجيش السوري, الذين تحولوا بسرعة فائقة إلى "اقطاعية عسكرية" والجماعات المالية والتجارية المقربة من العائلة, التي حولت ثروات البلاد السورية برمتها إلى "شركة خاصة", وساهمت ايران بقوة في تحويل سوريا إلى قلعة أمامية لها في الجغرافيا العربية السنية, واستفادت بشكل واضح وأساسي من تواجد القوات السورية في لبنان من أجل دعم رأس جسرها المدجج بالسلاح والمال والاعلام القوي في جنوب لبنان, حزب الله, حيث الغالبية السكانية من الشيعة. كما دعمت ايران الحركات والأحزاب الشيعية في العراق عامةً, وسعت لتأسيس حركة في تركيا باسم (حزب الله) أيضاً, وحركت مشاعر العلويين الذين ظلوا أمداً طويلاً من المستضعفين فيها, ولذلك فإن سوريا التي كان يحكمها نظام يطمح إلى توحيد الطائفة العلوية هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت مع ايران ضد عراق صدام حسين, أثناء حرب الخليج الأولى التي دامت ثماني سنوات وأضرت بالبلدين الجارين أضراراً بشرية ومالية لامثيل لها في تاريخ المنطقة, وباعتبار أن العدو المشترك لكل من نظام الملالي وحزب العمال الكوردستاني هو تركيا وحلفاؤها الغربيون, وأن حافظ الاسد لايرى مانعاً من تقوية الحزب العمالي, طالما لايحرض أحداً من الكورد وسواهم على نظامه في سوريا لدعم الجهود الايرانية المشتركة من أجل تقوية الجبهة العلوية في تركيا وللمساومة مع تركيا في وقتٍ لاحق بهدف الحصول على كميات مائية تحتاج إليها سوريا من مياه نهر الفرات, الذي بنت عليه الحكومة التركية سدوداً مائية حسرت كثيراً من الماء المتدفق إلى سوريا والعراق. 
وجد حزب العمال الكوردستاني نفسه مضطراً لاتخاذ موقعه ضمن "الحلف الايراني" بحكم احتياجاته للبدء بالثورة ولجوء زعيمه السيد عبد الله أوجالان إلى سوريا عوضاً عن جبال كوردستان الشامخة, وانقلب الحزب إلى معارض كبير للحزب الديموقراطي الكوردستاني – ايران الذي كان يقوده الاشتراكي – الديموقراطي الدكتور عبد الرحمن قاسملو, ويحاول انتزاع ال"خود مختاري" من الحكومة الايرانية, التي لم ترفض ذلك فحسب, بل أرسلت قواتها العسكرية إلى كوردستان ومعها توصية من الخميني بالبحث عن "مفتاح الجنة" في كوردستان, وقد قام آية الله الخلخالي بقتل عشرات الألوف من أبناء وبنات الكورد المسلمين السنة, وكانت فرق الإعدام التي تنفذ أوامره من حركة (أمل) اللبنانية ومن تلك الكوادر التي على أكتافها تشكل حزب الله اللبناني. في تلك الأثناء كان حزب العمال الكوردستاني يتهم الدكتور عبد الرحمن قاسملو بأنه ربيب الامبريالية وممثل البورجوازية المتحالفة مع الاقطاعية في كوردستان. ولايمكن دون فهم حقيقة التحالف السوري – الايراني الذي استظل رئيس حزب العمال الكوردستاني به, معرفة أسباب موقف العداء هذا لحزب كوردستاني يعتبر نفسه عصرياً ويسارياً من زعيم كوردستاني, اشتراكي – ديموقراطي, وتم اغتياله في لقاء من أجل السلام بين حزبه وبين النظام الايراني على أيدي  مسؤولين ايرانيين ومجرمين لبنانيين في العاصمة النمساوية (فيينا) في 13 تموز 1989, وهناك نقطة هامة أخرى هي أن حزب العمال الكوردستاني كان يعتبر (أو لايزال يعتبر) كل الحركة السياسية الكوردستانية التي تواجدت قبل ظهوره هباءً منثوراً ولا قيمة لها في نظره. وهذه حقيقة نقرأها بوضوح في كتابات رئيس الحزب المنشورة من قبل حزبه, وليس من قبل أعداء الحزب. 
استمر شهر العسل بين الحلف الايراني في المنطقة (ايران – سوريا – حزب الله اللبناني – حركة آجيجيلر العلوية في تركيا) وبين الحزب العمالي ردحاً طويلاً من الزمن, وأعتقد بأن هذا الترابط العميق بين الطرفين كان وراء انخراط الحزب العمالي في مشاكل اقليم جنوب كوردستان (كوردستان العراق), حيث كان الصراع بين الاتحاد الوطني الكوردستاني, بقيادة المام جلال الطالباني, والذي أعلن عن تأسيسه لأول مرة في جرائد النظام السوري (الثورة والبعث) على أثر انهيار الثورة البارزانية (1961-1975) والمعروف بأنه التزم على الدوام بسياسة "عدم انكار الجميل" حيال نظام حافظ الأسد, وبين الحزب الديموقراطي الكوردستاني, الذي تشكلت قيادته المؤقتة في ايران بعد انهيار الثورة بقيادة الأخوين إدريس ومسعود البارزاني, ولكنه لم ينس مطلقاً أن لتركيا أهمية استراتيجية وحياتية بالنسبة له ولأي محاولة أو مغامرة ثورية جديدة في جنوب كوردستان. وهذه القناعة تولدت لدى قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني أيضاً, وسرعان ما بدأ المام جلال الطالباني بالثناء على "ديموقراطية تركيا" وزعيمها الشهير مصطفى كمال, كما سعى لأن يجعل من نفسه عنصر "وساطة" بين الحزب العمالي والحكومة التركية, ولكن تم تفسير ذلك من قبل بعض النقاد السياسيين له بأنه جهد غير مثمر لاثارة المشاكل بين الديموقراطي الكوردستاني والحكومة التركية أو اتخاذ موقعه لديها على الأقل.  وايران التي كانت مع الاتحاد الوطني الكوردستاني والديموقراطي الكوردستاني ضد نظام صدام حسين, كانت ممتعضة من أي محاولة للديموقراطي الكوردستاني لاقامة علاقات ما مع تركيا التي هي عضو في حلف الناتو وتحكمها آنذاك حكومة علمانية معادية للطموحات الايرانية التوسعية مذهبياً وسياسياً في المنطقة. وهذا له دور هام في زج الحزب العمالي نفسه في دوامة الصراعات الناشبة بين بين الاتحاد الوطني الكوردستاني وبين الديموقراطي الكوردستاني في مرحلة لاحقة من تاريخه. ونتذكر كيف أن الرئيس السوري حافظ الأسد قد قال مرةً بأن يديه طويلتان في العراق. وذلك قبل قرار السيد عبد الله أوجالان بالهجوم المشترك مع الاتحاد الوطني الكوردستاني على مقرات الديموقراطي الكوردستاني. قد يقول البعض بأن هذا تاريخ مرير تركناه خلفنا (والحمد لله) ولكن لايمكن فهم الحاضر والتصرف فيه سياسياً بحكمة ودراية دون الاستفادة من دروس التاريخ السياسي.  
بعد فشل الحليفين (الاتحاد الوطني والحزب العمالي) في تصفية الحزب الديموقراطي الكوردستاني, الذي استعان في لحظة من لحظات اليأس بعدوه اللدود صدام حسين, واضطرار المام جلال إلى الهروب إلى ايران, ومن ثم عودته مدججاً براجمات الصواريخ, ومن ثم تدخل وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في النزاع الكوردي – الكوردي, وحدوث تغيرات جمة في السياسة الدولية واضطرابات في موازين القوى العالمية التي كانت ولايزال لها تأثير مباشر في منطقة الشرق الأوسط, وقدرة الدبلوماسية الأمريكية على تحقيق صلح طويل الأمد بين المام جلال الطالباني والكاك مسعود البارزاني, وجد حزب العمال الكوردستاني نفسه مضطراً إلى التراجع عن كثير من مواقعه التي احتلها أثناء الحرب واحتفاظه برأس المثلث الحدودي مابين تركيا وايران والعراق, وبالتحديد في منطقة "قنديل" بحيث لم يعد يؤثر فعلياً في موازين القوى الكوردستانية في اقليم جنوب كوردستان, وكان من الصعب عليه قبول العرض الأمريكي له بالانضمام إلى الحلف الجديد بين الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي, وذلك لأسباب آيديولوجية عميقة الجذور, وبسبب تواجد قائد الحزب على الأرض السورية وليس في كوردستان, ولأن التخلي عن السلاح كما طلب الأمريكان منه يعني التحول إلى حزب سياسي غير ثوري, وبالتالي التخلي عن كثير من الفوائد التي يجنيها من تعلقه بالحلف الشيعي, ثم إن حافظ الأسد لن يرحم وقد يسلم رئيسه للأتراك في حال عدم استمراره معه ضمن المحور الايراني – السوري حتى النهاية. لذلك فقد آثر الحزب العمالي الانتظار إلى وقتٍ آخر, عساه يجد سبيلاً للتخلص من ربقة النظام السوري, الذي حول تنظيمه العمالي في سوريا إلى أداة مناهضة للحركة الوطنية الكوردية في سوريا وإلى شريك فعلي وعملي لسلطاته المحلية في غرب كوردستان. ولايستطيع أحد انكار التنسيق التام بين "الرفاق" البعثيين و"الرفاق" الآبوجيين في مختلف المناسبات الوطنية والسياسية. بل إن الحزب العمالي قد ضم العديد من أعضاء حزب البعث السوري إلى تنظيمه واعتبر ذلك كسباً سياسياً له, على الرغم من أن بعضهم كان ولا يزال له دور مزدوج بين الحزب العمالي وتنظيمه السابق... ومن الخطأ القول بأن هذا التنسيق قد بدأ أولاً في عهد بشار الأسد بعد انطلاقة الثورة السورية الكبرى, كما كتبت الكاتبة المصرية غادة حمدي يوم 4/9/2012 في صحيفة / موقع (المصري اليوم) بصدد المناطق التي يسكنها الكورد في سوريا مايلي:"وبينما ذكرت التقارير الأولية أن مقاتلى المعارضة أخرجوا القوات النظامية السورية من تلك المناطق, أفادت تقارير لاحقة بأن قوات «الأسد» انسحبت عمداً من تلك المناطق وسلمتها إلى حزب «الاتحاد الديمقراطى الكردى» السورى المقرب من «حزب العمال الكردستانى», الذى يقود صراعاً مسلحاً مع تركيا,  ما دفع الأكراد السوريين إلى تكثيف وجودهم فى تلك المناطق ورفع الأعلام الكردية عليها". والكاتبة تقصد هنا علم جمهورية ليتوانيا الذي اتخذه حزب الاتحاد الديموقراطي رايةً له عوضاً عن الراية http://www.almasryalyoum.com/node/1092461 القومية الكوردية. أنظر:   
شعر السيد عبد الله أوجالان قبل غيره بأن حيز الحركة من حوله ضيق للغاية, فحزبه معزول كوردستانياً من قبل سائر الأحزاب الديموقراطية والوطنية واليسارية الكوردية, وهو مسؤول تجاه ما يرتكبه رفاقه وأنصاره في أوروبا من أفعال يعتبرها الأوروبيون مسيئة ومضرة بأنظمتهم الديموقراطية, وأن الأمريكان بعد انتصارهم أولاً على جحافل الجيش العراقي في الكويت عام 1990-1991 ومن ثم في عقد الصلح بين أكبر حزبين كوردستانيين في جنوب كوردستان فيما بعد, لن يدخروا جهداً في ممارسة اشد الضغوط على نظام حافظ الأسد للتخلص منه, فشرع في التحدث في مقابلاته العديدة والطويلة مع الصحف الأوروبية عن ضرورة "محاسبة الرفاق غير المنضبطين والمسؤولين عن الجرائم في أوروبا" وعن ضرورة "البحث عن حلٍ ديموقراطي عادل للقضية الكوردية" وعن أهداف الحزب التي "لاتتعارض مع وحدة تراب الدولة التركية" وعن ضرورة تشكيل "مجلس وطني كوردستاني" يضم سائر القوى الكوردية التي لاترفض ترأسه كقائد أعلى للمجلس, وكذلك عن "اهتمامه الشديد بالتراث الأتاتوركي الكبير في مجال الديموقراطية", إضافة إلى بدء مغازلته الرقيقة لجترالات الجيش التركي, مما أثار تساؤلات عديدة لدى رفاقه ولدى الرأي العام أيضاً, وكان ذلك التحول في الخطاب الأوجلاني المتعدد الوجوه والأقنعة بداية التمرد على الحلف الايراني – السوري, في حين أن بعض المراقبين فسروا ذلك بوجود مواقف مختلفة ومتعارضة في قيادة الحزب بصدد العلاقة مع ايران والخروج من حلفها. وأدرك رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد اليساري (من أصل كوردي) خطورة هذا التحول في سياسة حزب العمال الكوردستاني, الذي يمتلك شعبية جماهيرية واسعة في كوردستان, بعد تمكنه من تحقيق انتصارات عسكرية على الجيش التركي, فقد يمهد الطريق بمغازلته اليمين التركي والمؤسسات العسكرية لاقامة تحالف كوردي – تركي يطيح بحكومته في الانتخابات القادمة, لذلك تحرك – وهو السياسي العريق الذي يجيد التقلبات البهلوانية والذي غزا شمال قبرص من قبل – صوب تهديد سوريا بغزو شمالها أيضاً في حال عدم قيامها بطرد السيد أوجالان من أراضيها ومن سهل البقاع اللبناني. فوقع السيد أوجالان في المصيدة التي أعدت له بعلم المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الاسرائيلية والميت التركي, وكان حافظ الأسد العجوز المريض والضعيف داخلياً ودولياً والمعزول عربياً يرى ماذا يحدث للعالم الشيوعي, كما كان يراقب الانتصارات القتالية المتتالية للحزب العمالي الكوردستاني التي ستصب في النهاية في مصلحة الكورد, وكانت تصله تقارير مخابراته عن عمق التوغل الأوجلاني في غرب كوردستان, وعن محاولات تملص حزبه من مطالب الحلف الايراني, ومنها القيام بمزيد من الأعمال غير الديموقراطية في غرب أوروبا, كاحتلال الأوتوسترادات والسفارات وحرق الحوانيت واختطاف المناوئين, فوجد العلاقة مع تركيا الصاعدة اقتصادياً والقوية عسكرياً والتي تشكل لبلاده بوابة التوجه إلى الغرب أفضل له من احتضان زعيم لم يضع كل أوراقه على طاولة اللعب بعد, والذي قد يشكل خطرأ داخلياً على نظامه مستقبلاً, وبخاصة فإن تركيا أبدت رغبتها في التوصل إلى اتفاقية مع سوريا حول مياه الفرات واتفاقية تجارية تحقق لسوريا انفتاحاً وازدهاراً اقتصادياً. فقرر مطالبته السيد أوجالان بمغادرة سوريا... ولكن إلى أين؟
وهنا يمكن السؤال: لماذا لم يذهب إلى ايران؟
الجواب هنا هو أن الحزب العمالي, وبالتحديد رئيسه السيد أوجالان كان عازماً على هجر الحلف الايراني. وباعتقادي أنه كان يستطيع الحفاظ على نفسه وعلى مساره السياسي وقراره بالتخلي عن الولاء لذلك الحلف في حال ذهابه إلى رفاقه في جبال كوردستان, الذين كانوا بالآلاف عدداً وسيدافعون عن حياته بدمائهم بالتأكيد, إلا أنه اختار المجيء إلى أوروبا لأسباب عديدة, وبذلك بدا وكأن العلاقة بين الحلف الايراني والحزب العمالي قد انهارت بخروج قائده من سوريا في أواخر القرن الماضي.      يتبع....
 
12  أيلول/ سبتمبر 2012      
kurdistanicom@yahoo.de