جان كورد : حزب العمال الكوردستاني في حلبة الصراع التركي – الايراني - 3

2012-09-17

"الأفكار الخطيرة مثل الطاعون المعدي تنتقل بسرعة من شخص إلى شخص" 

(فرعون مصر هاريمهاب لطبيبه المناوىء له سياسياً – من رواية (سينوهي المصري) للروائي الفنلندي ميكا فالتاري- الطبعة 40 – 2003 الصفحة 747 – الترجمة الألمانية)
في البداية, أود القول بأن التربية التي يتلقاها المرء من أمه وأبيه هي التي تصقل حياته وتفتح له أبواب السعادة أو الشقاء... وأن بين الكورد أيضاً من لم يفهم حتى الآن ضرورة توجيه النقد للشريحة السياسية الوطنية أو المنحرفة عن جادة الصواب,
وينرفز  بجنون لمجرد سماع أو قراءة نقد موجه لآلهته ومعبوداته السياسية...ومن المفترض من الناحية الديموقراطية أن لايتحول التعليق على كتابات كاتب (حتى ولو كان قاسياً) إلى درجةٍ متدنية في الكلام... وهنا آتيكم بمثالٍ عن شخصٍ واحد عسى أن تتوجهوا إليه بالنصح الأخوي وتقولوا له أن هذه ليست أخلاقنا نحن الكورد في التعامل مع خصومنا السياسيين: إنه يدعى (باهوز) الذي كتب تعليقاً باللغة الكوردية في موقع (وه لاتى نيت) على مقالي الأول من هذه الثلاثية عن حزب العمال الكوردستاني قال فيه: يجدر بالموقع وضع "حذاء" في فمه عوضاً عن نشر مقاله...!!! ولا أدري هل التعليق لايزال منشوراً أم تم حذفه... ألهذه الدرجة هبطت بهذا الإنسان الأخلاق التي تعلمها في بيت أبيه وأمه؟ وهل يوافقه رفاقه الحزبيون وأصدقاؤه "الديموقراطيون بامتياز!" على هذا الاسلوب المتدني من الإساءة لمعارضيهم؟  
على كل حال أرسل لي مسؤولو الموقع اعتذاراً أخوياً عن طريق الايميل, وأملي هو أن يترفع الناقدون عن هذه البذاءة التي لاتليق بمن يزعم أنه يناضل من أجل الحرية والديموقراطية... وليعلم أمثال هؤلاء بأن كل قذاراتهم وتهديداتهم لم ولن توقف مثقفي الكورد الوطنيين عن أداء واجبهم القومي في نقد المواقف التي يجدونها خاطئة... فهذه مهامهم وواجبهم... وقافلتهم تسير... ولن تتوقف.. 
والآن إلى موضوعنا:
 انخدع السيد عبد الله أوجالان بأتباعه في روسيا واليونان وأوروبا الغربية, على أنهم سيجدون له ملاذاً آمناً لديهم, عندما طلب منه نظام الأسد مغادرة سوريا بسبب الضغوط والتهديديات الأجاويدية الجادة, فصدق تأكيدات رفاقه وانطلق على أساسها من سوريا إلى العالم الغربي الذي كان يكرهه ويحاربه, عوضاً عن الذهاب إلى دولة شيوعية مثل كوبا أو الصين الحمراء, أو إلى ايران... وكانت رحلته الشاقة التي من محطاتها المؤلمة ما جرى له في روسيا واليونان, مصحوبة بكثير من التعليقات والمشاهدات الاعلامية والمسيرات الشعبية التي غطت روما كما في أيام طلوع البابا على الشعب المسيحي فيها, والتي زادته خطأ في تقدير الاهتمام الأوروبي بلجوئه إلى إيطاليا, بل على العكس انتهت سلسلة الأخطاء المتتالية, كما لم تحدث بهذا الشكل المؤسف مع أي رئيس حزبٍ آخر في العالم, بوقوعه في مصيدة مدبرة باحكام في كينيا بأفريقيا التي لايدري أحد لماذا ذهب إليها أصلاً, وهي القارة المعروفة بدسائس زعمائها وشراهة جنرالاتها المتعطشين أبداً إلى المزيد والمزيد من الأموال.
وانخدع الأتراك أيضاً بنشوة انتصارهم على حزب العمال الكوردستاني باختطاف زعيمه من خلال تنسيق تام مع المخابرات الأمريكية والموساد الاسرائيلي, ولم يستغلوا الوضع الجديد للقيام بطرح مبادرة سياسية واقعية للقضية الكوردية التي يدور بسببها صراع دموي بين جيشهم العرمرم وبين مقاتلي الحزب العمالي, فراحوا يعرضون السيد عبد الله أوجالان في حالة تدعو إلى الرثاء في قفص الاعتقال وكأنهم أحرزوا انتصاراً أبدياً على حزبه, وفي الحقيقة فإنهم لم يحرزوا إلا انتصاراً جزئياً, حيث لاتزال القضية الكوردية حتى بعد مضي أكثر من عقد من الزمن من اعتقاله مطروحة في تركيا كإحدى أكبر المشاكل المستعصية على الحل, ولايزال الزعيم العمالي المعتقل يتمتع بذات المكانة العالية في نظر رفاقه وأتباعه, على الرغم من كل تنازلاته السياسية والآيديولوجية وظهوره منذ اعتقاله كمؤمن إيماناً عميقاً بديموقراطية (أب الأتراك) مصطفى كمال وعلى الرغم من دعواته المتتالية لتقزيم حجم المطالب القومية للشعب الكوردي وتأكيده التام على التزامه بالحفاظ على حدود الدولة التركية ودستورها وقبوله بأدنى شكلٍ من أشكال "الإدارة الذاتية الديموقراطية" وليس "الاستقلال الكوردي"... حتى أن جريدة ألمانية "بيلد – الصورة" قد قارنت وقتذاك بين موقف السيد أوجالان لدى اعتقاله وبين العديد من قادة الثورات في العالم الذي منهم من قطع رأسه مثل ويليام وولس الاسكوتلاندي ودانتون الفرنسي أو أعدم مثل الشيخ سعيد بيران الكوردي أو تم تصفيته باطلاق مئات الطلقات عليه مثل تشي غويفارا الشهير, ولكنه لم يتنازل عن مواقفه قيد شعرة... في حين أن السيد أوجالان لم يظهر أبداً أثناء محاكمته بمظهر من تم تعذيبه الواضح جسدياً حسب تقدير الخبراء. ويبدو حزبه العمالي صامتاً حتى الآن بصدد مواقفه تلك. ولاندري فقد يحاكمونه عليها في يومٍ من الأيام مستقبلاً... كان بامكان الأتراك استغلال فرصة اختطافه واعتقاله للجلوس والحوار معه وإخراج تركيا من مشاكلها الحربية والاقتصادية والسياسية بجرة قلم كما يقال, وبالتالي ضم حزبه إلى الحلف التركي في المنطقة لفترة زمنية طويلة, وليس بمحاولتهم إذلال ملايين من الكورد الذين كانوا مستعدين لحرق أنفسهم بالجملة إنقاذاً لزعيمهم أوجالان.
لقد أضاع الأتراك تلك الفرصة الذهبية لأن الشوفينية قد نهشت أكباد أعقل رجالاتهم وأشدهم واقعية سياسية, ومنهم الزعيم اليساري الشهير ورئيس الوزراء بولنت أجاويد, فأصبح اعتقال أوجالان عالة عليهم لايدرون كيف يحررون أنفسهم من عواقبها حتى اليوم. ونسي عقلاء الأتراك بأن الشعب الكوردي هو أقرب شعوب المنطقة إلى الشعب التركي, من حيث التعايش التاريخي الطويل الأمد وتشابك المصالح والعلاقات, وهنا تكمن أكبر أخطاء الحكومات التركية المتتالية التي تعتقد بأنها قادرة على اخضاع شعبٍ كالشعب الكوردي معروف بمقاومته للظلم على مدى العصور. وحقيقةً فإن القضية ليست بين الحزب العمالي وحكومة من الحكومات السائدة في أنقره, وإنما هي قضية شعبٍ يريد الحرية ودولة لاتتراجع قيد أنملة عن سياستها العنصرية تجاهه.
 
 انتقلت السلطة السياسية في تركيا من أيادي الأحزاب الكلاسيكية التركية, العلمانية البورجوازية والأتاتوركية الطورانية, إلى أيادي حزب العدالة والتنمية للسيد رجب طيب أردوغان, ذي الخلفية الإسلامية والمواقف المثيرة بصدد  العلاقة بين الدين والدولة, واستلمت هذه السلطة عن الحكومة السالفة سجيناً معارضاً ذي أهمية قصوى لها, إلا أنها لم تتمكن ثانيةً من فهم حقيقة ما يجري على الساحة الكوردية, وكان بامكانها تفادي الكثير من المشاكل مع الكورد ومقاتليهم, فيما لو أدركت الأبعاد الحقيقية للقضية التي يقاتلون من أجلها. ووجهت حكومة أردوغان وجهها شطر الاتحاد الأوروبي بهدف الانتماء إلى "النادي المسيحي", إلا أن أوروبا طالبتها بمطالب ملحة يجب تنفيذها على أرض الواقع وتثبيتها دستورياً, ومنها جملة من المطالب المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات القومية والدينية وضرورة إجراء إصلاحات سياسية وقانونية شاملة, فحاولت حكومة أردوغان ترميم البيت المهدم قدر استطاعته, إلا أنه اصطدم باستمرار بجنرالات الجيش والدولة السرية وبالأحزاب اليمينية الطورانية, في المعارضة والحكومة على حد سواء, واعتقد أردوغان أنه بمجرد الضرب على أوتار الدين المشترك فإنه سيتمكن من دحر أو عزل حزب العمال الكوردستاني في مواقعه الأساسية واستمالة الشعب الكوردي إلى صفه بطرح بعض فتات الحقوق الثقافية للمواطنين الكورد. ومن ناحية أخرى, فإن إصرار الحزب العمالي على أن يكون زعيمه المعتقل المخاطب الأول والأكبر لها مع الحكومة التركية, قد زاد من تعقيد المباحثات السرية بين الطرفين. إن التطرف في المواقف لم يأت لأحد بمنفعة, وظلت القضية في وضعها السابق دون أمل في الحل, رغم الجهود المتواضعة للسير نحو السلام من الجهتين.
بدأت حكومة أردوغان تفتش عن حلفاء اقليميين لبناء استراتيجية تتصدى أو تتحدى طرفين أساسيين, هما الاتحاد الأوروبي الذي يرفض ضم تركيا حتى الآن لمنظومته الاقتصادية – السياسية, وايران المنافسة لتركيا في المنطقة, فتوجهت تركيا إلى تدعيم علاقاتها مع اسرائيل عسكرياً ومع الدول العربية اقتصادياً, وعززت من اتصالاتها مع سوريا التي تعتبر أحد أعمدة المحور الايراني, إلا أن اسرائيل ما كانت لتقبل لتركيا أن تضع قدماً لديها والقدم الآخر لدى "محور الشر" الايراني, وجاء التأييد الحار من قبل الحكومة التركية لحركة حماس كضربة قاصمة للكثير مما بنته حكومة أردوغان من علاقاتها مع اسرائيل. وهنا كان لابد من التفكير ملياً لتعويض ما خسرته تركيا على صعيد علاقاتها مع اسرائيل بتنفيذ سياسة وزير خارجية تركيا الحالي أحمد داوود أوغلو القائمة على فكرة "صفر في المشاكل مع الجيران", والمشاكل كثيرة مع كل الجيران الكورد واليونان والأرمن والعرب والقبارصة والبلغار, ومنها مشاكل عويصة ولايمكن حلها بسهولة. فتم الاعلان عن استعداد تركيا لدعم وحدة قبرص, والتوصل مع سوريا التي ورث فيها الحكم الجمهوري بشار الأسد إلى علاقات شبيهة بتلك التي بين دولتين من دول الاتحاد الأوروبي, وتم اقامة علاقات مع حكومة الاقليم الكوردي في العراق بعد رفض طويل الأمد, وتوالت لقاءات المسؤولين الأتراك مع المسؤولين الأرمن والايرانيين, كما جرت لقاءات سرية مع حزب العمال الكوردستاني, وكأن تركيا قد تخلت عن سياسة اعتبار نفسها جزءاً من أوروبا وقررت العودة إلى حضن آسيا ومعانقة الشرق الأوسط الذي كانت تجده متخلفاً عنها, وفي الحقيقة فإن السياسة الاردوغانية تقوم على "الانفتاح شرقاً وجنوباً لتحقيق الانضمام غرباً وشمالاً", وهذه الديناميكية في الحركة جلبت لتركيا منافع سياسية واقتصادية كبيرة, إلا أن عناد الأتراك في موضوع الاعتراف التام بخطأ سياساتها حيال الشعب الكوردي وانخراطها في التوازنات قد أدى إلى عدم تصديق الجيران وشعورهم بأن تركيا تسعى لقيادتهم من موقع الدولة القوية اقتصادياً ومالياً وعسكرياً...
في هذه الأثناء, ساد الفتور في علاقة حزب العمال الكوردستاني مع ايران وسوريا, فشرع نظام الاسد الابن في ممارسة سياسة الاعتقال والتعذيب ضد أنصار الحزب, كما قامت الحكومة الايرانية بسلسلة من الاعدامات ضد الثوريين الكورد, مما شجع أنصار الحزب العمالي في شرق كوردستان على دعم مشروع حزب الحرية والحياة المعروف باسم (بزاك) وجلبوا له رئيساً من "البرجوازيين الكورد" في ألمانيا هو السيد حاجي أحمدى الذي كان مفصولاً أو مطروداً من الحزب الديموقراطي الكوردستاني – ايران بسبب عملياتٍ عسكرية فاشلة أثناء الثورة على الخميني في كوردستان, والبدء بثورة مسلحة جديدة ضد طهران, في حين تحسنت العلاقات بين الحزب العمالي وأحزاب جنوب كوردستان, ومن ضمنها الحزب الديموقراطي الكوردستاني (العراق), الذي كان متوقعاً أن لايسمح للحزب العمالي بممارسة أي نشاط في اقليم جنوب كوردستان, ولكن على العكس بدا وكأن الإخوة المتحاربين قد دفنوا أسلحتهم واقتربوا لدرجة التنسيق ورفض الاقتتال الأخوي بعد اليوم والاستعداد للمساهمة معاً في مؤتمر وطني كوردستاني, كما سعى السيد رئيس الاقليم إلى للمساهمة في جهود السلام بين الحزب العمالي وحكومة أردوغان التركية. 
يرى بعض المهتمين بالكورد وكوردستان أن السيد البارزاني أراد أن يجعل من الحزب العمالي ورقة ضغط على تركيا, ولذلك لم يقم بتنفيذ مطالب الأتراك بمساعدتهم على الدوام بتصفية تواجد حزب العمال في بعض الأنحاء في المناطق الحدودية, ويرى البعض الآخر بأن الاتحاد الوطني الكوردستاني, الشريك الكبير للحزب الديموقراطي الكوردستاني في حكومة الاقليم وفي التحالف الكوردستاني البرلماني في بغداد لايرضى أصلاً أن تتم تصفية حزب العمال الكوردستاني لأسباب تكتيكية تتعلق بالتوازنات المستقبلية في جنوب كوردستان. ومهما يكن, فإن الحزب العمالي وجد نفسه في موقعٍ لايحسد عليه, فمن ناحية يتم الضغط عليه بقوة من رئيسه للتخلي عن السلاح والقتال وقبول الأدنى من المطالب الكوردية في تركيا, ومن ناحية يلح عليه الكورد في جنوب كوردستان وبعض الأوساط بالتحرك صوب السلام مع تركيا, إلا أن آيديولوجيا الحزب وواقعه السياسي يقولان بأن الموقع الحقيقي له ليس في هذا الطرف وإنما في "الطرف المعادي للناتو وأمريكا واسرائيل والبورجوازية الكوردية!", وهذا يعني الاقتراب مجدداً من ايران وسوريا, طالما لايزال اسم الحزب في قائمة التنظيمات الإرهابية في أوروبا    وأمريكا وطالما لاتتحرك تركيا خطوة واحدة باتجاه إنهاء "المشكلة". 
في الحقيقة, إن إلقاء الحزب العمالي للسلاح وتحوله إلى حزب سياسي, كما هي حال الأحزاب التي قام بتأسيسها في تركيا من قبل, سيزيل عن كاهله عبء القتال ومصاريفه الكبيرة وحاجته المستمرة لعمق جغرافي ولمزيد من الشباب, كما أن السلاح قد حقق مهمته الكبرى في توعية الشعب ولفت أنظار العالم لما يحدث في كوردستان, والحزب العمالي لم يعد بحاجة إلى قتال في الجبال والوديان لأنه موجود في كل ساحات الصراع السياسي في كوردستان وتركيا والعالم, ولكن اتخاذ قرار بذلك يتطلب جرأة على التغيير والانتقال من وضعٍ إلى وضعٍ جديد, والقادة الكلاسيكيون (ومنهم الجماعة المؤسسة للحزب في أنقره) الذين يعيشون منذ سنواتٍ عديدة في الجبال يجدون صعوبة فائقة في التأقلم مع الجديد السياسي المختلف تماماً عما نشؤوا عليه أثناء دراستهم وعن حياتهم كمقاتلين, ومن ثم فإن من يعتبرون أنفسهم ثواراً تقدميين وأمميين لايمكن أن ينجرفوا إلى أحضان دولة من دول الناتو ويصبحوا "أصدقاء أمريكا" بعد كل العداء التاريخي الطويل الأمد.... وأهم من ذلك كله فإن الأساس الآيديولوجي – الثوري برمته سيتعرض للانهيار بمجرد الهبوط من الجبال وترك المتاريس... وهنا نرى وجود تيارين داخل حزب العمال الكوردستاني, رغم انكار كوادره وأنصاره ذلك: تيار يدعو إلى التغيير والمساهمة فيه وتيار محافظ من وجهة نظر آيديولوجية ويشكك في أي تمادي في السير باتجاه أنقره والغرب, ويصر على أن يظل العمل السياسي هناك محصوراً في الأتباع والأنصار من أمثال ليلى زانا وأحمد تورك وغيرهما, ولكن القيادة الاساسية للحزب يجب أن تظل في مواقعها وتمارس أشد الضغوط القتالية على حكومة أردوغان بهدف تحرير قائد الحزب من معتقله أولاً, ثم الدخول عن طريقه في حوارات حول المسائل العالقة. ومن أجل استمرارية القتال لايمكن تجاهل دور المحور الايراني – السوري في الصراع, إلا أن هناك اشكالية حزب بزاك الذي بدأ بتنفيذ عمليات عديدة ضد الجيش الايراني, واشكالية وجود أعداد هائلة من المعتقلين من أنصار حزب الاتحاد الديموقراطي في السجون السورية. 
هنا كان لابد من إيجاد مخرج...
مع اندلاع ثورات "ربيع الشعوب" في شمال أفريقيا, كان لابد لسائر القوى الثورية والديموقراطية في المنطقة أن تجهز نفسها للمرحلة الجديدة القادمة في ايران وسوريا اللتين لاتزالان تئنان تحت قبضة نظامٍ شمولي إرهابي متخلف عن ركب الحضارة الإنسانية, إلا أن الحزب العمالي اتخذ منحى آخر, حيث تتوجه أصابع الاتهام إليه بأنه وراء مواقف حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا وحزب بزاك, فالأول انخرط في هيئة التنسيق الوطني السورية المتهمة بأنها أداة من أدوات النظام ومن القوى التي لم تتخل عن فلسفة "الحوار بأي ثمن" مع النظام الدموي في دمشق, والثاني يبدو وكأنه مع اندلاع الثورة السورية قد توقف كلياً عن عملياته العسكرية ضد الحكومة الايرانية. وانتشر خبر مفاده أن هناك صفقة بين الحزب العمالي وايران وسوريا, تتلخص في دعم الحزب وفتح الأبواب له مقابل عدم افساح المجال للقوى المعادية للنظامين (مثل مجاهدي خلق ايران والقاعدة والقوى المعادية للأسد) باتخاذ شرق وغرب كوردستان مواقعاً لها. وهناك تقارير غير مؤكدة عن قدوم أعدادٍ كبيرة من مقاتلي الحزب العمالي المتواجدين في مناطق الحدود العراقية – الايرانية – التركية إلى غرب كوردستان. وقد كشفت الأحداث التالية عن جانبٍ من هذه "الحقائق", حيث ظهر أن أحد قادة العمليات لحزب الاتحاد الديموقراطي في حادث اعتداء دموي جرت بين أفراد من الحزب وعائلة كوردية سورية كان من مدينة آمد (ديار بكر) في شمال كوردستان, كما بين المشرفين على حواجز حزب الاتحاد الديموقراطي - حسب التسريبات الاعلامية - مقاتلون من شرق كوردستان. ولقد سمعت بنفسي في  جلسة بالتوكية محادثة تلفونية بين مدير الغرفة وأحد مقاتلي تلك الحواجز في حي من أحياء حلب, حيث قال المقاتل بأنهم يحمون المواطنين الكورد ممن سماهم ب"العصابات المسلحة", والنظام يتهم ثوار سوريا جميعاً ب"العصابات المسلحة".
وقد وجه الجيش السوري الحر رسائل مفتوحة إلى حزب الاتحاد الديموقراطي بصدد مواقفه غير الايجابية من تحركات الجيش الحر, وقد اتهم السيد محمد رياض شقفة, الزعيم الإخواني السوري, نظام بشار الأسد, مؤخراً بفتحه معسكراً لحزب العمال الكوردستاني في سوريا, في حين نفى السيد صالح مسلم, المسؤول البارز لحزب الاتحاد الديموقراطي ذلك تماماً, بل إنه أكد في مقابلة له بأن الثورة بدأت من عند حزبه وأن انتفاضة عام 2004 الكوردية كانت بقيادة حزبه وأن حزبه جزء من الثورة السورية... والغريب أنه لايشرح لشعبه الكوردي لماذا لايقصف النظام السوري المتوحش حواجزه المقامة في أكثر من قرية ومدينة, في حين أنه يرمي ببراميل البارود على الأحياء السكنية للثوار العرب... 
إن رفض حزب الاتحاد الديموقراطي للفيدرالية "التقليدية!" دون شرح ماهية هذه التقليدية التي لم نسمع بها في أي كتابٍ عن الفيدرالية, كما ورد على لسان السيد صالح مسلم نفسه (أنظر: http://www.xeber24.net/nuce/2140-021.html, وعدم سماح حزبه للمقاتللين الكورد السوريين  من العودة من جنوب كوردستان إلى غربها, بعد أن تلقوا تدريباتهم هناك على أيدي إخوتهم البيشمركه, وانتقاله بين سوريا وموسكو والقاهرة دون عراقيل, بعد أن كان ملاحقاً من قبل النظام, إضافة إلى عدم تعرض حزبه للملاحقات, بعد سنوات الاعتقالات الرهيبة, وقيام أفراده بإيذاء المتظاهرين الكورد في أكثر من مدينة, كل هذا يشير إلى أن حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يعلم الكورد وغير الكورد بأنه فرع سوري لحزب العمال الكوردستاني, مهما حاول التمويه والاختفاء, داخل في الحلف الايراني – السوري – الحزب اللهي, ولاندري إلى أي درجة يوافقه رئيس الحزب, السيد أوجالان,  الذي من المعلوم عدم خروج القيادة على أوامره حتى الآن, على سياسة الموالاة من جديد للبيت الأسدي الذي كان وراء وقوعه في أيدي الأتراك.  
والأيام ستكشف الحقيقة كاملة, عندما تزداد أعداد عصابات حزب الله الدموية والحرس الثوري الايراني (فيلق القدس) في سوريا, وبالتأكيد فإن ذلك سيثير ردود فعل قوية من داعمي الثورة السورية من عرب وترك وأوروبيين وأمريكان, فسيضطر السيد صالح مسلم ومن وراءه إلى مزيدٍ من توضيح الموقف تجاه الغزو الايراني...
إن هذه التقلبات المحيرة لحزب العمال الكوردستاني بين محورين متنازعين منذ قرونٍ عديدة, والتي مررنا عليها بسرعة في مقالاتٍ ثلاثة, لن تخدم القضية الكوردستانية, بل ستكون وبالاً علينا وعلى أولئك الذين يعتقدون أنهم قادرون على الاستمرار في اللعب بين هاتين الدولتين العريقتين في السياسة. فماذا سيحدث للحزب العمالي ولشعبنا المنكوب بهذه السياسة المتأرجحة إن توصلت ايران وتركيا إلى اتفاق ضده, مثلما اتفق الشاه مع عدوه اللدود صدام حسين في عام 1975؟
 
    
kurdistanicom@yahoo.de