جان كورد : الحركة الكوردية السورية بين الاندماجية والتحالفية

2012-09-19

"إن سيادة السلوك الديموقراطي داخل الأحزاب هوالوسيلة الناجعة لضمان استمرارية أي تحالف أو اندماج"(ميلود بلقاطي, قراءة في قانون الأحزاب المغربية رقم 4/36- منشورات فكر – ط 1 – نوفمبر 2006 – ص 121)

لا يخفى على مناضلينا أن أحزابنا الكوردية السورية قد أسست فيما بينها منذ أعوامٍ عديدة تحالفاً وطنياً ضم مجموعةً منها كما أسست جبهة وطنية ضمت مجموعة أخرى, ومع ذلك بقيت أطراف حزبية غير منضمة إلى التحالف أو إلى الجبهة. كما أثبتت الوقائع التاريخية لتلك المرحلة أن الضعف والتردد وقلة الحيلة ظلت صفات سائدة وبقيت الزعامات المترهلة من حيث كثرة أعداد أعضائها ودوام بيروقراطيتها هي القائدة. ولم يتقدم أي من التحالف والجبهة خطوات مهمة صوب تحقيق الأهداف الكبيرة المعلنة, سوى اقامة شيء من العلاقات التضامنية مع فصائل وطنية سورية لاتختلف كثيراً في نظراتها الضيقة إلى الحق القومي الكوردي في إدارة نفسه ديموقراطياً عن حزب البعث العربي الاشتراكي, الذي كان حاكماً أو محكوماً باسمه لعقودٍ طويلةٍ من الزمن.
ولايحتاج المرء إلى البحث كثيراً عن أسباب التشتت والضعف في هذه الحركة, فالسبب الأول هو عدم سيادة السلوك الديموقراطي في التنظيم الحزبي وفي التحالف الذي تهرع إليه الأحزاب كلما شعرت بوجود أخطار تهدد وجودها, كظهور منافسٍ قوي لها من بين صفوف الشعب, أو لطرحٍ سياسي جديد ربما يؤدي إلى مناقشات حادة في قواعدها المنظمة ولاتجد لها حلولاً, أو لأن المساند التي تستند إليها الأحزاب في علاقاتها الوطنية والاقليمية تفرض بحكم مصالحها مثل هذه التحالفات على أحزابنا, لأنه لايمكن بناء تحالف دون أسباب ذاتية أولاً, وبخاصة بين الذين كانوا رفاقاً في تنظيمٍ سياسي واحد, ثم اختلفوا فيما بينهم لأسباب شخصية وخلافات جانبية أو لتمسك بعضهم بمنصبٍ أو مناصب لايقدرون على هجرها وبعتقدون أن الله قد خلقهم لتلك المناصب ومنحهم الحق في امتلاكها مدى الحياة كما هي الملوك التي ترى نفسها وعوائلها فوق حق الشعوب في الاختيار والانتخاب. وفي الواقع إن بعض زعماء الكورد يسعون للبقاء في مناصبهم الحزبية فترة أطول من فترة حكم الملوك والفراعنة مع الأسف. وليس في أيدينا أي تفسيرٍ آخر  لوجود هكذا أحوال سيئة سوى عدم انتهاج الطريق الديموقراطي في تولي شؤون الحزب أو التحالف الكوردي.
كان آخر تلك التحالفات الكوردية ما تم تشييده في مدينة القامشلي وتجميله في عاصمة اقليم جنوب كوردستان, ذلك التحالف المعروف باسم "اتفاقية هه ولير", والذي تم بمساعي حميدة من قبل السيد رئيس الاقليم, مسعود البارزاني, وجهود مكتبه الرئاسي, وضم معظم الأحزاب الكوردية السورية المتآلفة سابقاً في (التحالف والجبهة), وظلت مجموعات أخرى خارج هذه الاتفاقية, ولذلك لم تكلل تلك الجهود القيمة بالنجاح التام في سبيل جمع الكلمة الكوردية السورية. بل على العكس اعتبر بعض العارفين بأمور السياسة الكوردية هذه الاتفاقية مجرد "حبر على ورق", ولم تأخذ طريقها إلى التطبيق الصحيح حتى بعد عدة شهورٍ من توقيعها, في حين يراها البعض الآخر نتبجة من نتائج عدم استقلالية الحركة السياسية الكوردية في غرب كوردستان, إذ أن بعض الأحزاب تجد نفسها ملتزمة بالنهج البارزاني الذي يمثله الحزب الديموقراطي الكوردستاني وبعض الأحزاب الأخرى تعتبر نفسها رفيقة في النضال إلى جانب الاتحاد الوطني الكوردستاني, كما أن هناك حزب آخر, التحق بالمجموعة باتفاق آخر, يقر بأنه على عقيدة الحزب العمال الكوردستاني, وهذه المساند الثلاث لها تأثير عميق في سياسات الأحزاب الكوردية السورية, وقد تلجم حركتها أو تزيدها قوة في الدفع كما تتمكن من وضعها في مواجهة بعضها بعضاً, وهذه حقيقة لايستطيع أحد إنكارها, بمعنى أن "اتفاقية هه ولير" أيضاً لم تنجم عن انتخابات ديموقراطية بين الشعب الكوردي أو في القواعد التابعة لهذه القيادات المتصالحة الآن, وإنما بسبب "توافقات" فوقية بين زعامات الأحزاب الكوردية السورية وسياسات من وراءها من زعامات كوردستانية اقوى وأكبر. ولم يتم انعقاد (مؤتمر هه ولير) للجالية الكوردية السورية خارج الوطن إلا في  حدود المتفق عليه من قبل قيادات الأحزاب من داخل الوطن, وعن طريق ممثليها في اقليم جنوب كوردستان, الذين وافقوا على حضور فلان ورفض حضور فلان, حسب الأذواق الحزبية والشخصية ومواقف المدعويين من أحزابهم أو من شخوصهم, وليس بتحكيم الضمير الوطني أو الإنساني, بمعنى أنه لم يكن هناك أيضاً "سلوك ديموقراطي" في حضور من كان يلزم حضوره ورفض من كان يجب أن لايحضر, وهذه أيضاً حقيقة تاريخية من حقائق حركتنا الوطنية الكوردية, لابد من تثبيتها للأجيال القادمة. ولذا بدا جدول عمل المؤتمر الذي لم تجر فيه "انتخابات ديموقراطية" أو "تصويت حقيقي" على وثائقه ومساره ونتائجه من قبل أعضائه, وإنما مجرد تسجيل "المقترحات والتوصيات" المقدمة خطياً, فظهر المؤتمر مطبوخاً وجاهزاً لنيل التصفيق والقبول, وهذا كان جلياً من خلال الكلمات والمحاضرات التي ألقيت على الحضور الذي بدا كطلاب جامعيين ذوي هامات بيضاء بحاجةٍ ملحة إلى دروس في التاريخ والثقافة والسياسة, ولم يتم استدعاؤهم لأي نقاش سياسي على مصير ومستقبل حركتهم وشعبهم في مرحلة تاريخية خطيرة... وإنما كان لبعضهم الحق في طرح بعض الأسئلة على المحاضرين لنيل المزيد من المعارف منهم, ومنهم الفقراء الذين لم يجد بعض المحاضرين أنفسهم ملزمين بالاجابة عن اسئلتهم, ليضربوا بذلك مثالاً رائعاً في "النهج الديموقراطي" لأحزابهم. والطامة الكبرى في ذلك المؤتمر هو أن أحد القادة الحزبيين المناضلين قد قال صراحة من على منبر المؤتمر بأنه لايدري كيف يصنف هكذا مؤتمر, وقد أصاب بقوله ذاك كبد الحقيقة...  
بعد شهورٍ عديدة من ذلك الجهد التحالفي الكبير, الذي جمع له زعماء الأحزاب أكثر من مائة "شاهد عيان" من شتى أنحاء العالم, يبدو أن دعوة الرئيس البارزاني في افتتاح المؤتمر إلى وضع "الكوردايه تي " فوق "الحزبية" للضرورة التاريخية لم تجد – كما يبدو – قبولاً عملياً, وعقلية "العشيرة الحزبية" لاتزال تنهش كل سياساتنا الكوردية السورية, بل نسمع أصواتاً من هنا وهناك بأن التحالف المشهود له كوردستانياً  لايزال يراوح في مكانه وبأن بعض القياديين العريقين مشمئزين من الأداء السيء للهيئة القيادية المشتركة التي تأسست فيما بعد من قيادات الأحزاب المؤسسة لاتفاقية هه ولير ومن قيادة حزب الاتحاد الديموقراطي الذي لم يحضره وانتقده آنذاك, ثم قبل ب"الوساطة التاريخية" بينه وبين بعض الأحزاب المخاصمة له فيما بعد, في حين أن بعض الرجال شدوا الرحال مؤخراً دون رفاقهم في النضال المشترك صوب مدينة السليمانية, التي تعتبر المعقل الكبير للاتحاد الوطني الكوردستاني, كمجموعة ذات مواصفات فكرية وسياسية معينة, بهدف إظهار نهجها الخاص حيال السياسة التي يجب متابعته حيال نظام بشار الأسد والمعارضة السورية, حيث نلاحظ تبايناً في المواقف بين الحزبين الكبيرين في جنوب كوردستان تجاه كيفية التعامل كوردستانياً مع الملف السوري. كما أن بعض القياديين الكورد في هذه "الهيئة الكوردية العليا" يضعون نقاط استفهام حول مواقف بعض الأحزاب المتحالفة معها ضمن الهيئة ذاتها ويرون أنها لاتلتزم بالقرارات التزاماً يدعم الثقة ويعزز العمل التحالفي في غرب كوردستان.  
لذا ليس غريباً أن نجد بين الكورد البسطاء من أمثالنا والسياسيين من أمثالهم من يفكر جاداً بالدعوة إلى ممارسة جريمة "الاندماج" عوضاً عن التمسك بتحالفات فاترة وقاصرة. والفكرة قد تنجح لأن "الاندماجية" على غرار "التنسيقية" عندما تنفذ محلياً, على مستوى قرية أو مدينة صغيرة, وتقوم على أساس اعتماد الديموقراطية, ستثير اهتمام الشباب الذين سيضعون حداً لحزبية العجائز, وسيقولون لهم: كفاكم...! دعونا ننظم أنفسنا ونندمج فيما بيننا في تنظيم كوردي قوي وكبير, فليس بيننا الآن ثارات حزبية أو معارك آيديولوجية أو خلافات على المناصب مثلكم, فنحن سنبني ديموقراطيتنا الذاتية وفيدراليتنا القومية بأيادينا, وسنستفيد من نصحائكم كما سنقدر جهودكم وتضحياتكم من أجل هذا الشعب الذي سيحترمكم أكثر عندما تحترمون ارادته.
ومن الحزبيين غير الملتزمين بقرارات الهيئة الكوردية العليا والمعارضين لسياسة الشريحة السياسية الكلاسيكية الكوردية,  من شمر عن ساعديه للعمل في اتجاه "الاندماجية" الكوردية, التي عليها وضع القضية القومية الكوردية وحق هذه القومية في إدارة ذاتها ضمن "فيدرالية" في إطار سوريا ديموقراطية حرة وموحدة أساساً لها في برنامجها, وعدم الاكتفاء بتعداد أسماء الأحزاب واحصاء أسماء القياديين الكورد, والنزول إلى ساحة الوغى لاعلان الجهاد السياسي على "التعددية اللامجدية" وبناء التنظيم الموحد لغرب كوردستان.
ومهما يكن, فإنه لانجاح للتحالفات والتنسيقيات والاندماجيات بدون سيادة السلوك الديموقراطي على كافة المستويات التنظيمية. ومثال واحد أقدمه لشبابنا من ألمانيا: فقد ظهر منذ عامين أو أكثر خلاف عميق بين مواطني مدينة شتوتغارت الصناعية الشهيرة في جنوب البلاد, بصدد بناء محطة قطارات حديثة وكبيرة في المدينة, حيث تحرك المدافعون عن البيئة في مظاهرات وأسسوا ندوات انترنية للنقاش واصطدموا مع الشرطة, في حين أن المدافعين عن التحديث أصروا على البناء, وعرض كل طرفٍ رأيه بأشكال عديدة على البرلمانات المحلية والبرلمان الاتحادي أيضاً... وفي النهاية اضطر الجميع إلى اجراء استفتاء شعبي حول البناء أو عدمه, بعد أن فشلت كل سبل الاقناع والتوسط .. ولكن الطرفين كانا متفقين على أن لايفرض أحد من خارج حلبة الصراع رأيه من الأعلى عليهما...
نحن قد لانحتاج للتعلم من أحد فإن تجارب شعبنا وأحزابه عريقة, وبامكان شبابنا أيضاً أن يتحركوا باستمرار إلى الأمام, طالما هدفهم الحياة في الحرية والديموقراطية والعدل والمساواة, ففي كل حي وقرية ومدينة ومنطقة يمكن عقد اجتماعات شعبية وعرض "الاندماجية" على الأحزاب التي ليست بين قواعدها الحزبية خلافات لاتحل في أماكن تواجدها بأبسط أشكال الديموقراطية التي يمكن لنا تسميتها ب"الديموقراطية الكوردية"... وبدون هذه الديموقراطية التي تترفع عن التكتلية الحزبية لاسبيل لنا لانقاذ التنظيم الكوردي, حزباً كان أم تحالفاً أم تنسيقية أم اندماجية.   
 
Carekê li Bloga me jî binêrin:
 
 
 18/ 9/ 2012