جان كورد : الاستراتيجية الكوردية في المستقبل القريب

2012-10-08

إن ما يجري في سوريا اليوم, منذ اندلاع ثورة الحرية التي راح ضحيتها حتى الآن عدد كبير جداً من السوريين, مدنيين وعسكريين, يؤكد على أن هذا النظام يحفر قبره بيديه, وأنه لابد أن يزول, عاجلاً أو آجلا. وهنا يطرح سؤال هام نفسه على خبراء السياسة والمجتمع قبل أن يشغل بال الحزبيين والناشطين السياسيين من الكورد:

- ما هي استراتيجيتنا للمرحلة المقبلة؟
للإجابة عن هكذا سؤال, يجدر بنا القيام بقراءة موضوعية للواقع الذي أفرز معطيات جديدة على الساحة السورية, وفي مقدمتها التداعي المستمر للدولة السورية وانهيار النظام السياسي السائد بصورة شمولية فظة منذ عقود طويلة من الزمن, وظهور مراكز قوى جديدة في أنحاء متفرقة من البلاد, تتخذ طابع السيطرة عن طريق القوة المسلحة على مؤسسات ودوائر حكومية, بل ثكنات ومقرات أمن, وعلى بعض مراكز الانتاج الاقتصادي أيضا, وبالتالي نشوء مساهمات فعلية ومختلفة لهذه المراكز الناشئة, ومن ثم قيامها بالتأثير في القرارات السياسية وفي أساليب إدارة المناطق التي تحت سيطراتها العسكرية, حيث بالتأكيد قد أدى فشل النظام الأسدي في التعامل الموضوعي والعقلاني مع الأزمة السياسية المستمرة إلى هكذا وضع يشبه أوضاع الدول التي فيها حروب أهلية, ونمو متزايد لسيطرة الميليشيات المسلحة, إذ كما لا يستطيع النظام رغم استخدامه الواسع والمكثف لشتى صنوف القوة العسكرية السيطرة على الموقف, حتى في دمشق العاصمة وفي حلب التي تشكل أحد أعمدة نظامه الاقتصادي – السياسي, فإن "الجيش السوري الحر" لم يتمكن أيضاً من فرض سيطرته التامة على مختلف الوحدات القتالية المسلحة في المناطق الثائرة, مثلما فشل"المجلس الوطني السوري", أكبر التجمعات السياسية المعارضة لنظام الأسد في توحيد الخطاب السياسي السوري المعارض وتحقيق التنسيق الجيد بينه وبين قيادات التنظيمات المقاتلة على الساحة الوطنية.
من ناحية أخرى, فإن فشل المجتمع الدولي في احتواء الأزمة السورية قد فتح الباب أمام تدخلات دولية واقليمية متعاظمة ومتعاكسة في هذه المحنة التي تقضي يوماً بعد يوم على سائر البنى التحتية للمجتمع السوري وتشرد شعبه وتنخر في تعايش مكوناته القومية والدينية القلقة والمتخوفة من انجرارها إلى أتون حرب أهلية مستعرة, ومن المراقبين من يرى بأن هذه التدخلات الخارجية قد ساهمت في ايجاد مخرج دولي للأزمة السورية.
وبخلاف انهيار الأنظمة الفاسدة الأخرى, كما في دول أوروبا الشرقية وفي شمال أفريقيا, حيث تم القضاء على تلك النظم عن طريق الحراك الشعبي السلمي لشعوب تلك البلدان, مع بذل جهود إعلامية وسياسية محدودة, وعسكرية كما في وضع العراق وليبيا, من قبل أصدقاء الحرية والديموقراطية كعنصر مساعد لذلك الحراك, فإن انهيار نظام الأسد الارهابي الفاسد الذي من المحتمل حدوثه بسرعة, سيساهم في تعزيز دور التنظيمات المسلحة على أرض الواقع, مما سيعزز مطالبها التي قد تؤثر ردحاً طويلاً من الزمن على اعادة بناء الدولة السورية واعادة هيكلة نظامها السياسي, وقد تلعب بعض القوى المتواجدة على الساحة بحكم فعالياتها القتالية دوراً سلبيا وهاما في عرقلة التطور الجاد والحثيث لمشروع سوريا المستقبل, التي يأمل شعبها أن تكون دولة الحريات والعدالة الاجتماعية والتعايش القائم على احترام حقوق سائر مكوناته القومية والدينية.
لذا, فإن المرحلة التي نحن سائرون نحوها قد تكون عسيرة وملتهبة ومريرة, بل أشد مرارة من المرحلة الدموية التي نحن فيها الآن. وصحيح أن شمال سوريا (غرب كوردستان) لابزال إلى الآن في منأى عن المعارك الطاحنة والقصف المدمر للمدن والقرى, وذلك لاسباب تتعلق بسياسة النظام الهادفة إلى احداث شرخ سياسي بين الشعب الكوردي ومكونات الشعب السوري الأخرى, وبسبب عدم تواجد وحدات مسلحة للجيش السوري الحر في مناطق الكورد بشكل ظاهر, إلا أن هذا لايعني عدم تعرض هذه المناطق مستقبلاً إلى غضب أحد طرفي الصراع الدموي في البلاد, بل إن أخطاراً كبيرة تحدق بغرب كوردستان في حال استمرار بناء حزب الاتحاد الديموقراطي, المعروف بتبعيته التامة لحزب العمال الكوردستاني, لقواه العسكرية واعتباره تركيا أخطر الأعداء بالنسبة للشعب الكوردي في سوريا, وليس نظام الأسد, وبخاصة فإن أخباراً غير مؤكدة نقلت على لسان زعيم الحزب السيد عبد الله أوجالان تقول بأنه دعا حزب الاتحاد الديموقراطي إلى رفع مستوى قواته المسلحة إلى 15000 عنصرا, مما يزيد في احتمالات قيام الجيش التركي في المستقبل القريب بهجوم يملك له العديد من الذرائع ويتمتع بموافقة برلمانية مسبقة لاحباط مشروع حزب العمال الكوردستاني الهادف إلى جعل غرب كوردستان منطقة قتالية له ضد الحكومة التركية لتوافر عدة عناصر هامة يحتاج إليها في معاركه مع عدوه, وهي:
- وجود قوة بشرية هائلة من شباب الكورد السوريين الذين طالما ساهموا في بناء وتعزيز القدرات القتالية له, ووجود امكانات مالية كبيرة يجنيها الحزب من تبرعات وجبايات من الشعب الكوردي في مختلف المناسبات والمواسم,
- وجود منطقة حدودية تقارب الألف كيلو متر بين سوريا وتركيا, غير محصنة عسكرياً من قبل الجيش التركي مقارنة مع ما قامت وتقوم به في منطقة مثلث الحدود العراقية – الايرانية – التركية, إضافة إلى:
- عدم وجود تنظيمات مدنية مسلحة ومؤيدة للحكومة التركية على غرار مسلحي ( الكوي قوروجي) القروية في شمال كوردستان تعرقل التحركات القتالية لحزب العمال الكوردستاني.
 
 
هذه الأوضاع تجعل من المنطقة الكوردية في شمال سوريا ذات حساسية سياسية مفرطة وقابلة للانغجار كبرميل بارود سريع الاشتعال.
من جهة أخرى, يجب التأكيد على أن سوريا لن تعود كما كانت عليه في العهد الشمولي, مهما كانت مساهمات العنصريين في المعارضة قوية, وكما أن العراق لم يعد كما في عهد البعث البائد, بل صار اشبه بشجرة كبيرة ذات ثلاثة فروع ضخمة (سني وشيعي وكوردي), تؤثر خلافاتها وتحالفاتها في نمو بعضها بعضا, فإن سوريا ما بعد الأسد - كما يبدو- لن تكون في حال أفضل, فالكورد الذين عانوا على الدوام من الاقصاء السياسي والارهاب الحكومي المصحوب بالنهب المنظم لثرواتهم, لن يرضوا بالعيش من جديد كمواطنين من الدرجة الثانية بعد هذه الثورة المجيدة, ثورة الحرية وكرامة الإنسان والتعددية والديموقراطية, والعلويون لن يتراجعوا ليصبحوا في خبر كان, بعد أن حكم بعضهم البلاد عقودا من الزمن كأسياد من الدرجة الأولى, والدروز وكذلك الأقليات المسيحية ستطالب بحقوقها بقوة أكبر مما هو عليه الأمر الآن, كما أن الأغلبية السنية ستستمر في الدفاع عن حقها كأكثرية سكانية تم اقصاؤها وتقزيم دورها في السياسة الوطنية عقوداً طويلة ومظلمة من الزمن. وهنا ستظهر مشاكل جمة لابد من القائها بظلالها على المستقبل القريب للبلاد.
في مثل هذه الحال نفتقد استراتيجية كوردية واضحة المعالم وذات بنود يمكن الوقوف عندها والسير بمقتضاها, ويجدر القول هنا أن الشعب الكوردي لا يستطيع توكيل الزعيم العمالي المعتقل في تركيا أو أي زعيم كوردستاني آخر بوضع استراتيجية تحرير بالنيابة عنه, كما لا يستطيع أي حزب من الأحزاب الكوردية أو الكوردستانية لوحده وضع هكذا استراتيجية له للعمل وفقها في سوريا المستقبل, ولذا...
لابد من وجود ورشات عمل يساهم فيها الخبراء من مختلف العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية والمالية لوضع الأسس العامة لاستراتيجيتنا القومية في المرحلة المقبلة من تاريخ سوريا الحديث... وليس هذا المقال سوى طرح سؤال على هؤلاء القادرين على منح الشعب الكوردي بصيص ضوء يضيئون له الطريق صوب الأمام, فلقد سئمنا أحزاب البيانات ومجالس اللا التزامات. إن الشعب الكوردي بحاجة ماسة اليوم لراسمي الاستراتيجية العملية والواقعية لا إلى مجرد من هو قادر على تدوين البيانات الختامية في مؤتمرات تفتقد أدنى صفات الديموقراطية مع الأسف, أو هو بحاجة إلى من يقلد سواه في وضع صورته على الطاولة بين الزهور والرايات في كل مناسبة خطابية أو ثقافية, وكأنه حرر الشعب الكوردي وكوردستان من الاستعمار. 
 
Carekê li Bloga me jî binêrin: