جان كورد : هل الكورد استثناء في الديموقراطية !

2012-11-06

من أسس النظام الديموقراطي في شتى أنحاء المعمورة أنه "تداولي"، تنتقل فيه السلطة من فئة إلى أخرى والقيادة من زعيم إلى آخر,  من خلال آلية انتخابية مباشرة أو معقدة, ربما يكون في حشدٍ جماهيري على مستوى مدينة أو ضاحية, حيث يختار أو ينتخب المواطن مندوبه إلى هيئة تشريعية أو تنفيذية بصورة مباشرة, أو يكون معقداً عن طريق انتخاب مجلس انتخابي كما هو الحال في ولاية أوهايو الأمريكية,

حيث ينتخب المواطن مندوبه لذلك المجلس الذي يمنح ثقته لمن يراه أهلاً للقيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه في الهيئة التشريعية الأعلى, أو كما يتم انتخاب رئيس الدولة الألمانية من قبل البرلمان الاتحادي ومجلس الولايات معاً، في حين يتم انتخاب المستشار (رئيس الحكومة الاتحادية) بأغلبية أصوات البرلمان الاتحادي... والثابت في الحالتين المختلفتين, المباشرة وغير المباشرة, هو أن تداول السلطة يتحقق, وليس هناك توريث لها أو انتزاع بأسنة الحراب ومدافع الدبابات أو التزوير الكبير لتعداد الأصوات الناخبة.
أما في الحالة الكوردية السورية، فرئيس الحزب يبقى في منصبه حتى الممات وقد يرث المنصب من بعده نجله أو حفيده أو شقيقه, وأمين عام الحزب باقٍ في حلوق أعضائه كالصبار, ولو استمر عشرين عاماً في تولي شؤون حزبه الذي لم يحقق أي هدفٍ معلن له في يومٍ من الأيام, والذي يعارضه في ذلك متهم بانكار الجميل والتضحيات الجسام, بل هو خارج على "الشرعية" التي يكتسبها "السيد العام" بالتقادم. وليس هناك من سبيل لانتزاع "الكرسي" منه إلا عن طريق "انقلاب تنظيمي" يسمونه بالانشقاق أو "كش ملك" كما في لعبة الشطرنج.
هناك نماذج كوردية سورية صارخة في هذا المجال, يسارية وديموقراطية, بل وثورية أيضاً, منها من سيدخل اسمه في كتاب الجينيسيس لطول اقامته على الشرفة العليا في تنظيمه, حتى صار يشبه البومة التي لاتفارق الديار المهجورة, ومع ذلك يضرب الكورد به المثل في التضحية والفداء, بل في "الديموقراطية" أيضاً. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبمجرد التطرق إلى هذه الحال البائسة لحركتنا الوطنية الكوردية أو الكوردستانية "الديموقراطية جداً" كما أفعل هنا وأنا بالنصف الباقي من قواي العقلية والربع الخالي من قواي النفسية, فإن طبول الحرب الحزبية ستقرع من كل الاتجاهات, وسيقال لك: "عزيزي يا شاطر... ألا ترى السيدين البارزاني والطالباني؟ ألا ترى رئيس الرؤساء السيد عبد الله أوجالان وكذلك الرئيس المستقيل (طوعاً أو كرهاً) السيد كمال بورقاي, الاشتراكي – الديموقراطي, الذي عاش في السويد المتحضرة ردحاً من الزمن وتعلم الديموقراطية أكثر منك ومن أبيك؟ ألم يمر عليهم أيضاً زمن طويل جداً في مراكز القيادة؟ فلماذا تتحدث عن السادة أمنائنا العامين فقط؟ فأقول: إن كان هذا الذي تقولونه صحيح, فأنا أطالبهم جميعاً بالكف عن ذلك أيضاً لأن هذا يضر بسمعتهم كزعماء كبار وقادة معروفين لأحزاب تدعي الديموقراطية, والسلطة الديموقراطية كما أسلفنا "تداولية"...
الغريب المؤلم بين الكورد أن معظم رؤساء وأمناء عام الحزب الديموقراطي الكوردستاني (ايران) منذ تأسيسه في النصف الأول من القرن الماضي وإلى الآن قد استشهدوا على أيدي النظام الايراني بحكوماته المتعاقبة التي لم تختلف في نظرتها العنصرية إلى الشعب الكوردي عن بعضها, رغم التغيرات والتطورات تاريخياً, ومارست الاغتيال بحق قادة الكورد.
لايمكن تبرير الأسلوب الكوردي في إدارة الأحزاب وتسييرها بأن للكورد أوضاع استثنائية، ففي هذه الحال لاداعي للصق تهمة "الديموقراطية" بتسمياتها المختلفة كالشعبية والوطنية واليسارية والليبرالية والاشتراكية بهذه الأحزاب وأسمائها الرائعة, بل يجدر القول بأنها "أحزاب استثنائية!" مثلاً... كما لا أفهم كيف يجد أحدهم نفسه "ثورياً" يحارب من أجل الحرية والديموقراطية والوطن الحر والمواطن الحر، وبرضى بأن يقاد عقوداً من الزمن من قبل أمين عام حزبٍه الذي يرى منصبه "سلطة دائمة وحقاً مشروعاً" له حتى الموت أو الطرد أو انسلال التنظيم من بين أصابع يده, يوماً بعد يوم.
من ناحية أخرى, أتساءل: هل يقبل هؤلاء الزعماء, الديموقراطيين واليساريين والليبراليين والاشتراكيين والوطنيين والثوريين جداً, وجود معارضة كوردية لزعاماتهم الشخصية ولأحزابهم السائرة على درب الالتزام بتلك الزعامات؟ أو هل هناك "معارضة حقيقية للسياسة الكوردية!" في غرب كوردستان؟
قد يقول قائل: كيف لايقبلون وهم يكررون لفظة "الديموقراطية" في برامج أحزابهم مراتٍ ومرات؟ فأقول: أنت ياسيدي تخلط مع الأسف بين الديموقراطية والديكوقراطية الآتية من "الديكور" الذي تراه في واجهات المحلات التجارية والأسواق العامة.
الديموقراطية لاتجيز لكم هذا التعامل مع أحزابكم وأتباعكم أيها الديكوقراطيون وأنتم يا أيها الثوريون ومن حالفهم من اليساريين وسواهم لاتسمح الديموقراطية لكم بركب خيولكم ووجوهكم صوب الوراء، باتجاه حكم السلاطين والأمراء والشموليين, والبقاء في مناصبكم زمناً طويلاً ليس صحياً لكم وليس وطنياً أو ديموقراطياً لشعبنا الذي بالتأكيد لاتريدون له أن ينتفض في وجوهكم ويرمي خيولكم بسهام ثورية وانتفاضية فتسقطون عن ظهورها خاسئين مدحورين, وها أنتم ترون بعيونكم ماذا حدث ويحدث من حولكم...
دعوا شعبكم الكوردي يفتخر بقدرتكم على نقل المسؤولية كما أثبتم جدارتكم في حملها عبر الزمان. والشعوب لاتنسى ولاتهمل قادتها القادرين على فهم إشارات العصر ومجريات التاريخ.
 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.