جان كورد : حبل الكذب قصير

2012-11-10

مثلما كشفت القناع حملة الجيش السوري الحر على بلدة سه رى كانيى (رأس العين) الحدودية في شمال سوريا عن هشاشة تحالف القوى الكوردية وضعفها وعدم قدرتها على القيام بشيء في وجه من يريد السيطرة على غرب كوردستان، هكذا كشف أيضا الاعتداء الأخير على مقر حزب يكيتي الكوردي والهجوم على مظاهرة كوباني السلمية الأخيرة ضد نظام الأسد المترنح عن حقيقة الضبابية السياسية التي فيها بعض الجهات والأطراف المحسوبة على شعبنا الكوردي للثورة السورية الكبرى.

ولكن يبدو أن الأقلام الملتزمة بها، لا تزال تدافع عن كل ما يسيء إلى الشعب الكوردي وترفض الاعتراف بأن المعبودات التي دافعت عنها على الدوام بأقلامها ليست إلا دمى سياسية لنظام عميل ومتآمر على العرب والكورد، وخادم خسيس للنظام الايراني الذي لاتهمه إراقة دماء السوريين ولا تدمير بلادهم، وإنما يهمه فقط عدم سقوط قلعته الأمامية في العالم العربي، وهي القلعة الدمشقية المزودة بترسانة من الأسلحة ومختلف أجهزة القمع والتقتيل وبكل امكانات التشييع المذهبي، وهدفه السيطرة على المشرق العربي، وتحقيق مشروع الهلال الشيعي في المنطقة كخطوة لابد منها للتوغل جنوبا في عمق المناطق السنية العربية حتى الوصول إلى الديار الإسلامية المقدسة، والالتفاف على منابع النفط العربي.
لقد كذبوا علينا بقولهم أنهم ساهرون على حماية الشعب الكوردي، فهاهم منذ بدء الثورة السورية يهجمون للمرة العاشرة بالتأكيد على مظاهرات هذا الشعب لأنها ضد حليفهم القابع في قصره الرئاسي بدمشق، وقالوا بأنهم حرروا غرب كوردستان من قوات النظام، فإذا بقوات النظام لاتزال متواجدة خلف متاريسهم ونقاط تفتيشهم في المدن والأرياف الكوردية "المحررة!. وهاهم يتوجهون حسب ما نسمع من جهات مختلفة مع قوات النظام ذاته لدحر ما سموه ب"الجيش الحر الخائن!". فهل انكشف وجه هؤلاء الذين ظهروا علينا بمظاهر ثورية على الدوام وإذا بهم شبيحة كوردية لنظام الأسد، كما انطلقت به حناجر المتظاهرين في كوباني اليوم، لايختلفون في شيء حسب أقوال بعض المواطنين عن جحوش صدام حسين في جنوب كوردستان والكوي قوروجى للحكومة التركية في شمال كوردستان.
إن تحرير غرب كوردستان بالشكل الغريب الذي حاولوا ايهام الشعب الكوردي به يذكرني بذات التلفيقات التاريخية الكبرى عن "تحرير جنوب كوردستان من آل البارزاني!" والاعلان عما سموه ب"جمهورية الزاب" أو كما سمعنا وتكرارا عن "حكومة بوتان الديموقراطية"، ولكن في الحقيقة لم تر أي جمهورية في الزاب ولا أي حكومة في اقليم بوتان نور الحياة وانما كانت مجرد فبركات إعلامية بهدف التشويش على الحركة التحررية في عموم كوردستان.
لقد آن الأوان لأن تقول الحركة الوطنية في غرب كوردستان الحقيقة للشعب الكوردي عن تحالفها اللاطبيعي مع هؤلاء الذين يهاجمون على مقرات أحزابها ومظاهرات شعبها السلمية ويختطفون كوادرها القيادية ويغتالون بعضها في وضح النهار، ويعادون الجيش السوري الحر الذي سدد لنظام العائلة الأسدية ومن وراءها من "سلفيين شيعة" ايرانيين ومن أنصار حزب اللات وتجار سلاح روس وشيوعيين صينيين وكوريين شماليين أقسى الضربات، في معارك غير متكافئة، في حين جعل هؤلاء "الثوار" الكورد أنفسهم حماة قرى للنظام في المناطق الكوردية ويهددون منتقديهم من أصحاب الضمائر الحية التي تكتب عن أكاذيبهم وأضاليلهم بأنهم سيطردون من غرب كوردستان بالحجارة في حال دخولهم إليها عائدين من غربتهم التي دامت عقودا من الزمن.
نحن نعلم جميعا بأن قادتنا الكورد في جنوب كوردستان، وفي مقدمتهم سيادة الأخ مسعود البارزاني، أرادوا الخير لشعبنا بدعوتهم لأحزابنا الكوردية السورية جميعا إلى تأسيس ما أطلقوا عليه اسم "الهيئة الكوردية العليا"، ولكن كان يجدر بقادتنا في غرب كوردستان أن يقولوا لهم "هذا مستحيل تحقيقه" مع حزب يحاول فرض نفسه على كل القوى الأخرى والاتفاقية ليست إلا إطارأ لتبرير ما يقوم به من ممارسات غير ديموقراطية ولتغطية حقيقة مواقفه الموالية لنظام الأسد المترنح تحت ضربات الثورة، ولأن الكل أو معظمهم كتموا الحقيقة فقد اعتبر الإخوة الكوردستانيون مبادرتهم صحيحة وضرورية ومقبولة، إلآ أن رفض "قوات الحماية الشعبية" التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الالتزام بمقررات الهيئة المنبثقة عن ذلك اللقاء التاريخي في عاصمة اقليم جنوب كوردستان، أثبت مرة أخرى أن لا التزام لحزب الاتحاد الديموقراطي بأي مقررات لأي هيئة سوى الأوامر الصادرة له من قيادة حزب العمال الكوردستاني، الذي نعلم توجهاته وآيديولوجيته وطموحاته في السيطرة التامة على سائر مرافق الحياة العامة وعلى السياسة الكوردية أينما كان، حتى في الدول الغربية، حيث لم يتوقف لعقود طويلة عن سياسة فرض الذات على سائر أطراف الحركة السياسية الكوردية، وبخاصة حركتنا الكوردية السورية.
طبعا سينكر بعض أصحاب الأقلام التابعة وبعض الاعلاميين الدائرين في فلك حزب العمال، طوعا أو كرها، كل هذه الحقائق التاريخية عن حراكهم الشمولي اللاديموقراطي، وسيدافعون عن "قوات الحماية الشعبية" التي تكاد تشبه قوات القبائل التي لاتزال موالية للعقيد الليبي المقبور معمر القذافي، مقابل انكارهم لصرخات شعبنا في شوارع كوباني التي تفضح سياساتهم. كما أنهم سيسبون وسيشتمون وسيتهموننا بالعمالة لأردوغان والإخوان المسلمين وأمريكا واسرائيل، ولكن شعبنا يدرك جيدا أن ما ارتكبوه من جرائم وهجمات ضد الحركة السياسية السلمية لجماهير شعبنا في كوباني وما قاموا به من هجمات على مراكز الأحزاب الكوردية هي الحقيقة التي تقول بأن هؤلاء ليسوا مع الثورة السورية وليسوا جزءا من الحركة الوطنية الكوردية. إذ كيف ترفض هذه القوات الالتزام بمقررات الهيئة الكوردية العليا الجامعة الشاملة وتدعوها الآن لاصدار الأوامر إليها بصدد "تحرير مدينة سرى كاني" من "الجيش الحر الخائن"؟
قد يقول أحدهم بأن ثمة قوى خفية هي التي هاجمت على مقرات الأحزاب وعلى المتظاهرين الكورد، فكيف يتحقق ذلك في وقت يزعم فيه زعماء حزب الاتحاد الديموقراطي بأنهم يسيطرون على المناطق الكوردية أو أنهم حرروها من نظام الأسد؟ فمن هي هذه القوى الخفية؟ شبيحة الأسد؟ أم قوات كوردية غير راضية عن سلوك حزب الاتحاد الديموقراطي متعاونة مع المخابرات التركية؟ ما الدليل على ذلك؟ وماذا لدى حزب الاتحاد الديموقراطي من معلومات بهذا الشأن؟
إن حبل الكذب قصير حقا، وقد آن للحركة الوطنية الكوردية أن تحسم الأمر ببيان ساطع تبين فيه أمرين قبل كل الأمور الأخرى:
- الموقف الحقيقي لها مجتمعة من الثورة السورية بما فيها الجيش السوري الحر
- الموقف الحقيقي مما يقوم به حزب الاتحاد الديموقراطي في غرب كوردستان ومن مواقفه التي تتسم الضبابية حيال تحرير الجيش السوري الحر لمدينة سرى كاني وسائر مناطق البلاد السورية الأخرى
وإن الشعب الكوردي لن يقبل اللعب بمصيره وتعريضه للخطر بسبب سياسات حزب لانعلم بالضبط ماذا يريد، وهل هو مع الثورة أم ضدها حقا.
قد يقول قائل: أليس من الأفضل بقاء المناطق الكوردية تحت قبضة حزب الاتحاد الديموقراطي من وقوعها في أيدي الجيش السوري الحر؟ فهذا يفتح باب مناقشة أخرى يجب الدخول فيها وتبيان حقيقة أن لا فارق لدينا بين من يقمع التظاهرات السلمية، كورديا كان أم عربيا، من النظام أو من المعارضة، فكل شكل من أشكال قمع الحريات السياسية مرفوض، وكل ما يتعارض مع طموح شعبنا في إدارة ذاته بحرية وكل ما يعاكس أجواء الديموقراطية غير مقبول، ومن الطبيعي أن الأقربين أفضل لنا من الأبعدين، ولاشك فيه أن قوة كوردية عسكرية أو سياسية تدير شؤوننا ستكون لشعبنا أقرب من أي قوة غريبة، ولكن ما قيمة ذلك إن كانت النتيجة لصالح الشمولية والاستبداد وفرض الرأي السياسي بالقوة؟
 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.