ناشطون إعلاميون بسوريا يرتدون أحزمة ناسفة

لم تعد الصورة التقليدية للناشط الإعلامي الثوري كما عهدناها من قبل في المدن والقرى السورية المدمرة، ولم تعد كاميرات الفيديو هي سلاح الناشط الوحيد، فالاستهداف المتعمد بات يدفعه لحمل السلاح، حتى وصل الحال ببعضهم إلى ارتداء أحزمة ناسفة للضغط على زناد الموت في حال تعرضهم للخطف والسقوط في قبضة النظام.

وكانت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري قد أعلنت الاثنين عن مكافأة مالية قيمتها خمسمائة ألف ليرة سورية (3500 دولار) ستخصص لكل من يقوم بتسليم أحد "الإرهابيين" من غير السوريين، وعن مكافأة تقدر بمائتي ألف ليرة سورية (1400 دولار) لكل من يقوم بالتبليغ عن أماكن وجودهم أو يساعد على إلقاء القبض عليهم.

وتضمن الإعلان الذي بثه التلفزيون الرسمي أرقاما هاتفية قيل إنها خُصصت لتلقي البلاغات، مع وعد بالحفاظ على سرية هوية المتصل وسلامته، فضلا عن "تسوية وضعه" الأمني في حال كونه مطلوبا للجهات الأمنية. لكن هذا الإعلان لم يكن خاصا بالمقاتلين الأجانب فحسب كما في صيغته الرسمية، بل يشمل ناشطين سوريين عبر إغراء زملائهم بالإبلاغ عنهم، كما يقولون.

العبد الله قرر ارتداء حزام ناسف بكل تنقلاته مفضلا الموت على الوقوع بقبضة النظام (الجزيرة)
حزام ناسف
الناشط الإعلامي هادي العبد الله حقق شهرة واسعة منذ انطلاق الثورة، وكان له حضور لافت خلال معظم المعارك التي دارت في حمص والقصير، وهو يضع على خصره اليوم حزاما ناسفا بعد توالي التهديدات بخطفه في الآونة الأخيرة.

يقول العبد الله (27 عاما) إنه كان يتلقى تهديدات كثيرة منذ بداية الثورة بالقتل والخطف، لكن التقارير التي أعدها عن معارك القصير وتضمنت صورا لجثث القتلى من كتائب النظام وحزب الله اللبناني رفعت اسمه على قائمة أهم المطلوبين.

وفي الشهر الماضي، نشر الناشط الحمصي تسجيلا على موقع يوتيوب أجرى فيه تحقيقا مطولا مع ثلاثة مقاتلين عراقيين تم اعتقالهم على يد الثوار، حيث كشف خلاله معلومات مهمة عن تورط عدد من مشايخ الشيعة العراقيين في "التحريض" على المشاركة في القتال داخل سوريا، الأمر الذي زاد من نبرة التهديدات ضد العبد الله.

وخلال مشاركته في تغطية المعارك الأخيرة على أطراف الغوطة بريف دمشق، يقول العبد الله في اتصال هاتفي للجزيرة نت إن بعض الثوار اتصلوا بالأرقام التي يعرضها التلفزيون الرسمي يوميا، رغبة باكتشاف ما وراءها، فأخبرهم عناصر الأمن بأنهم يبحثون عن العبد الله تحديدا ويعرضون مبلغ خمسة ملايين ليرة (36 ألف دولار) مقابل تسليمه، ويضيف أن رقم المكافأة تم رفعه إلى الضعف بعد التفاوض مع إمكانية رفعه إلى مبالغ أكبر.

ويقول الناشط العبد الله إنه قرر ارتداء حزام ناسف في كل تنقلاته، مشيرا إلى أنه يفضل الموت على الوقوع في قبضة النظام الذي قد يمارس أشد أنواع التعذيب على الناشطين لاستخلاص معلومات قد تودي بحياة كثير من زملائهم.

أبو محمد أجبرته الظروف الأمنية على حمل السلاح قبل أن يُقتل مؤخرا (الجزيرة)
كاميرا وسلاح
في سياق متصل، يؤكد العبد الله أن عددا من مقاتلي المعارضة اضطروا في بعض المعارك إلى الرضوخ لإغراءات النظام وتسليم أسلحتهم استجابة لدعوات النظام للهدنة، كما حدث في تلكلخ بحمص ومعضمية الشام بريف دمشق، وهو يلتمس لبعضهم العذر بعد انقطاع الدعم عنهم وإحكام الحصار والتجويع، مضيفا أن النظام اعتقل بعض هؤلاء بالرغم من وعوده بالعفو.

وقد أجبرت هذه التطورات بعض الناشطين على حمل السلاح لحماية أنفسهم، مثل أبو محمد شام الذي شارك بتغطيات إخبارية في معارك باباعمرو والخالدية وظل مقيما في الأحياء المحاصرة بحمص شهورا عديدة، قبل أن يُقتل في إحدى المعارك مؤخرا.

ومن جهته، يقول مسؤول لجنة الحريات برابطة الصحفيين السوريين حسين جلبي للجزيرة نت إنه تم توثيق مقتل 226 إعلامياً منذ بدء الثورة، مشيرا إلى أنه لا توجد حتى الآن أي جهة قادرة على الضغط على النظام للإفراج عن الصحفيين المعتقلين أو الكشف عن مصيرهم، فضلا عن منع استهدافهم.

ويضيف جلبي أن الشهور الأخيرة شهدت انتهاكات كبيرة ضد الإعلاميين بالمناطق الخاضعة للثوار، حيث أصبح الإعلامي هدفاً لبعض الكتائب المسلحة قتلا وخطفا بغض النظر عن الجهة التي يعمل معها.



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.