جان كورد : هل يعلن جنيف 2 نهاية حكم الأسد؟

2014-01-21

جان كورد - ‏19‏ كانون الثاني‏، 2014
 

في الوقت الذي يرحب العالم أجمع بقرار الائتلاف الوطني السورية وفصائل أخرى من المعارضة السورية الحضور إلى جنيف للحوار مع النظام، فإنه مستمر في قصفه ببراميل الديناميت على المدن السورية وأطرافها مثل حلب والميادين وحمص، وذلك بهدف تحقيق انتصارات ميدانية أخرى ولو جزئية على قوى المعارضة المقاتلة، بل على الشعب السوري الذي يعتبر في نظره عدواً يجب اخضاعه أو ابادته،

وكذلك لتأكيد مزاعمه المتتالية بأنه لايزال قوياً وقادراً على إدارة الأزمة السورية، ولكن في الحقيقة فلو كان قادراً على ذلك لجلس مع المعارضة في دمشق وليس في سويسرا، وإن مؤتمر جنيف 2 ينعقد لأن العالم الخارجي على يقين بأن وقت رحيل هذا النظام الفاشل والدموي قد حان لعدم قدرته على إعادة الاستقرار والأمن والسلام إلى البلاد السورية، رغم استخدامه لكل أشكال القوة والقهر والعسف، حتى أن أقرب أصدقائه وحلفائه باتوا يعلمون علم اليقين بأن النظام سينهار ولا حاجة للاستمرار في محاولات إنعاشه والإبقاء عليه، ويجدون في جنيف 2 فرصة سانحة لخروجهم بحفظ ماء الوجه من المستنقع السوري الذي وقعوا فيه.                                                                           

في الربع الأول من القرن الماضي تمكن الطورانيون الترك بقيادة مصطفى كمال المتهم بالعمالة لبريطانيا، الذي أصبح فيما بعد (أبو الأتراك – آتاتورك)، من تغيير ما كان قد تم الاتفاق عليه من قبل الدول الاستعمارية في معاهدة سيفر (1920م) بصدد منح الشعب الكوردي حقه في إدارة نفسه بنفسه ضمن دولة مستقلة، وإلغاء الفقرات المخصصة بذلك من المعاهدة الدولية، في مؤتمر لوزان (1923م)، وذلك لأن قوات الاتحاديين الترك كانت في تلك الفترة قد حققت انتصاراتٍ متتالية على الكورد والأرمن واليونان والقوات الأجنبية وأنصار إعادة الخلافة أيضاً. أما الأسد فإن انتصاراته تتحقق في محافظة مقابل هزائم في محافظةٍ أخرى، والوتر الذي يمكن له العزف عليه في مؤتمر جنيف 2 هو أنه "يحارب الإرهاب الإسلامي!" في سوريا، وهذا ما كان عليه حال آتاتورك قبيل لوزان في مواجهة أنصار الشريعة في تركيا، ولكن هناك الجيش السوري الحر الذي يحارب الأسد ونظامه أيضاً وهو جيش منشق عن جيشه "العقائدي" البعثي، ويحارب "داعش" الإرهابي، كما يطالب بإسقاط نظام الأسد أيضاً، في حين أن نظام الأسد ذاته متهم بدعمه ل"داعش" في العراق، على ألسنة رئيس الحكومة العراقية ووزير خارجية العراق وسواهما قبل بدء الثورة السورية بفترة وجيزة، والأوضاع على الساحة السورية تبين أن "داعش"  يخدم بسياسته النظام أكثر مما يخدم قوى الثورة السورية، بل إنه تنظيم غالبية عناصره وقيادته من خارج سوريا.  فهل المجتمع الدولي غبي للدرجة التي يصدق عندها نظام الأسد، وبخاصة فإن أحد أطراف الحوار من معارضة وطنية ديموقراطية سورية لا علاقة لها بالتطرف العقيدي والفكري، أياً كان لونه ومشربه. لذلك فإن فرص استخدام الأسد لهذا الوتر السياسي في تناقص مستمر.                                                                 

على الرغم من الغموض والشكوك والمخاوف التي يفرزها مجرد الخوض في الحديث عن هذا المؤتمر، لم يبق أمام الأسد سوى الاعتراف بأنه فشل خلال السنوات الثلاث الماضية من القضاء على المعارضة، المسلحة والسلمية، والفاشلون في الحكم يتخلون في كل مكانٍ من العالم عن مناصبهم، كما الناجحون الذين وصلوا إلى السلطة عن طريق الانتخاب الحر الديموقراطي، ويعودون للحياة كمواطنين، إن كانوا ديموقراطيين ومؤمنين بأن الحكم للشعب، والمستبدون منهم لا يتخلون عن كراسيهم إلا مرغمين مقهورين أو مقتولين، كما هو حال معظم زعماء العرب المتشدقين بالتقدمية والوطنية والقرب من المواطنين، فمن أي فئة هو هذا الأسد الذي حول أحد أقدم بلدان الحضارة البشرية إلى مذبحة كبيرة؟ وهل يستطيع الاعتراف أصلاً بأنه ليس بديموقراطي وليس بمؤمن بالحرية وليس بقادرٍ على فهم أن الحكم للشعب وحده، وهو ليس سوى موظف لديه؟  كل الدلائل تشير مع الأسف إلى أن هذا الرئيس الذي وضع قرار بلاده في أيادي الروس والإيرانيين كلياً لا يدري بنفسه من  أي فئةٍ هو، ولا يدري ماذا يفعل وإلى أين يتجه، منذ أن اندلعت ثورة الشعب السوري في وجه نظامه.                          

لقد سئم المجتمع الدولي الوضع في سوريا وما عاد أحد في المنظمات الدولية وغير الحكومية بقادرٍ على تحمل النفقات الباهظة للاجئين السوريين الذين يزداد عددهم باستمرار، وبخاصة في البلدان المجاورة التي يعاني الاقتصاد الوطني في كلٍ منها من إرهاقٍ كبير، نتيجة الأزمة المالية العالمية ومن الفساد والمشاكل الداخلية الخاصة بها. ولذا فإنه بحاجة إلى عقد هذا المؤتمر وسواه من المؤتمرات ليبعد عن نفسه تهمة "عدم الاهتمام" بما يجري على الساحة السورية. ومن الحكومات العاملة على عقد هذا المؤتمر من يرى في انضمام آلاف الشباب من بلدانها إلى المنظمات المتطرفة في سوريا خطراً مستقبلياً على أمنها الداخلي، لذلك تسعى للحد من ذلك من خلال ارغام الطرفين المتحاربين (النظام والمعارضة) على الجلوس معاً لإيجاد مخرج للأزمة المستديمة. وهذا يعني أن نظام الأسد مضطر لقبول املاءات الأصدقاء وعدم التهرب من الحضور رغم أن هذا المؤتمر قد يأتي له بنتائج سلبية للغاية تؤدي إلى زواله، بل قد يتم استبدال الخريطة السورية الحالية بخريطة جديدة، تلعب فيها المكونات القومية والدينية السورية أدواراً أهم من دور النظام المركزي في دمشق، وهذا يعني فعلياً إنهاء حكم العائلة الأسدية، شاءت أم أبت...                                                                                                                                                   

إن المصالح الدولية المتشابكة، والاقتصادية منها خاصة، بين الدول المشاركة في هذا المؤتمر أكبر بكثير من مصالح أي دولة من هذه الدول بسوريا ونظام الأسد، ولذلك إن لم تكن هناك "لعبة قذرة" من وراء الكواليس على حساب الشعب السوري، فإن هذا المؤتمر في حال نجاحه سيدق أهم مسمار في نعش العائلة الحاكمة التي عليها القيام بجهودٍ كبيرة للتخلص من المحاكمة الدولية التي تنتظر أهم أفرادها، وهي قد بدأـت فعلاً من ناحية التهم الموجهة إلى شريك النظام السوري حزب اللات في موضوع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري...  هذه التهم التي تفتح الباب أمام اتهام الأسد ذاته في المرحلة التالية من المحاكمة، كما أن المعارضة السورية ستجر النظام إلى محاكمة على جرائمه ضد الإنسانية، ومنها جريمة استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه.  وبذلك ستطوى مرحلة من مراحل التاريخ السياسي السوري إلى الأبد.                                



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.