جان كورد : آن الأوان لانصاف الأمة الكردية

2014-02-12

الكرد أمة عريقة في التاريخ ولها أمجاد معلومة لمن له إلمام بتاريخ الشرق الأوسط وما يسميه الغربيون ب"ميسوبوتاميا"، وكلمة "الكرد" التي تعني "القوم الشجاع" تطلق على شعوب جبال زاغروس وما حولها من هضاب وسهول، وهم الكردوخوالميديونوالميتاني ولولووالهوريون وسواهم، تلك الأقوام القديمة التي امتزج بهم الآريون، فصاروا يعرفون بالشعوب "الهندو-أوربية"،

وما يثبت ذلك هو التقارب اللغوي بين لغات هذه المنطقة الواسعة مع لغات الشعوب الآريةالأخرى التي يمتد انتشارها من شمال الهند إلى جنوب إنجلترا. كما أن ملامح الوجه لهذه الأقوام "الآرية" متقاربة إلى حدٍ ماـ إلاأن الكرد من الناحية الثقافية يرفضون بشدة ذلك التصور المقيت عن تفوق هذا العنصر أو ذاك على العناصر الأخرى المكونة للبشريةـ  ولم يشهد تاريخ الحركات القومية الكردية نشوء حزبٍ عنصري أو يحمل صبغة عنصرية، رغم كل ما عانوه من مآسٍ كبيرة عبر التاريخ على أيادي العنصريين العرب والفرس والترك، جيرانهم الذين لم يعطوهم أي فرصة للحياة الحرة الكريمة في وطنهم "كوردستان".

لقد بنى الميديونالكرد امبراطورية امتدت إلى داخل أفغانستان الحالية وشملت أجزاء واسعة من بلاد فارس، وبتحالفهم مع البابليين قضوا على امبراطورية آشور التي كانت قد سبت اليهود ونقلت آلافاً منهم إلى العراق الحالي واستعبدتهم، وأفسح الميديون المجال لليهود لكي يعودوا إلى وطنهم أو يبقوا حيث هم... ووصف المؤرخ الإغريقي الشهير  كزينوفون قوم الكردوخ (الكرد) في تقريره الشهير  "عودة العشرة آلاف مرتزق إغريقي" بأنهم كانوا متمرسين على القتال بالنبال والمقاليع، وبأنهم قضوا على كثيرين من جنود اليونان الأشداءـ  دون أن يخسروا سوى قلةٍ من المحاربين.
كان الكرد على دين الزرادشتية الذي له ثلاث دعامات كبيرة "الفكر الحسن، القول الحسن، العمل الحسن" وهذه هي دعامات سائر الأديان التي تؤمن بها البشرية، كما أن الزرادشتية تقدس: الماء والهواء والتراب والنار... وكان الزرادشتيون يؤمنون بوجود قوتين في الكون هما قوة الخير (أهورامزد) وقوة الشر (أهريمان)، ومهما اشتد ساعد الظلم والشر فإن الخير ينتصر في النهاية ويندحر الشر ويرمى به إلى أسفل السافلين، وكان لهم كتاب "الآفستا" الذي ظل لفترةٍ طويلة من الزمن بمثابة دستور وتشريع لمنطقة واسعة في كوردستان وخارجها.
عاشت ونمت وانتشرت أديان أخرى حسب نشوئها تاريخياً كاليهودية والمسيحية والصابئة في كوردستان الممتدة من خليج الإسكندرون الحالي غرباً إلى جبال قفقاسيا شمالاً، ومن هناك إلى جنوب إيران حيث إقليم لورستان وعيلام وأطراف بغداد في (مندلي) باتجاه الموصل والحسكة في سوريا، وهي منطقة أوسع من خمس دول أوربية مجتمعة، بل أكثر من هذا العدد بكثير. ولربما هي الوطن الوحيد من أوطان الشعوب، لا علم له أمام مبنى الأمم المتحدة.
بدخول الكرد في دين الإسلام تحولوا بقواهم العشائرية المحاربة إلى قوة كبيرة في أيادي الأمويين ومن بعدهم مختلف الزعامات الإسلامية كالعباسيين والزنكيين، والشخص الذي قضى على الدولة الأموية ونقل مركز العالم الإسلامي من دمشق إلى بغداد، هو الكردي أبو مسلم الخراساني، نسبة إلى خراسان التي فيها عدد كبير من الكرد، حيث يقول أحد شعراء العباسيين عنه:

أفي دولة العباس أردت غدره          ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
وفي الحقيقة إن العباسيين هم الذين غدروا بالكردي الذي وضع في أياديهم الخلافة والسلطان.
عندما غزا الصليبيون الشرق الأوسط واحتلوا الساحل السوري – اللبناني – الفلسطيني وأجروا المذابح الكبرى في التاريخ في مدنٍ مثل أنطاكية والقدس، نهض الكردي يوسف بن أيوب المعروف في التاريخ ب"السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي" وأسس دولةً قوية في مصر وبلاد الشام وفتح القدس بعد أن قضى على القوات الصليبية الكبيرة في معركة حطين الشهيرة التي يقارنها الكاتب الألماني هانز  هاوزر بانتصار الروس في ستالينغراد على الجيوش النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، فكلا المعركتين (حطين وستالينغراد) قد غيرا وجه التاريخ الإنساني. ولكن العرب والأتراك يصران على تشويه حقيقة هذا السلطان المعروف في التاريخ بأنه كان نبيلاً للغاية، ويرفضون الاعتراف بكرديته، على الرغم من أنه ولد لأبوين كورديين ينتميان إلى عشيرة كوردية. وهذه صورة من صوى إنكار الشعب الكردي ودوره في تاريخ المنطقة.

خدم الكرد مختلف السلاطين المسلمين، ومنهم الزنكيون، إلا أن عماد الدين الزنكي قام بتنفيذ مجازر رهيبة ضد الكرد في المناطق المجاورة للموصل التي تم تعريبها مع الأيام وصارت خارج كوردستان، مع أن رحالة إيطالي ومسيحي يقول في القرن الثامن عشر بأن الموصل إحدى مدن الكرد الشهيرة  في كتابٍ له عن رحلته إلى الهند عبر العراق، كما قضى العنصريون على كوردية مدينة كركوك الغنية بالنفط، رغم أن الكردساعدوا العرب في كفاحهم ضد الاستعمار البريطاني، مثلما ساعدوا العرب السوريين في كفاحهم ضد الاستعمار الفرنسي، فطبق العرب البعثيون شتى سياسات التعريب ضد الكرد من تهجيروتقتيل واحتلال أراضيهم وشطب أسمائهم من سجلات الأحوال المدنية وجعلهم لاجئين أجانب في وطنهم ومنع لغتهم ومنع انتمائهم لكليات الضباط والمناصب الدبلوماسية العليا، وضربهم بعضهم ببعض وسلبهم كل ثرواتهم وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية باسم التقدمية والاشتراكية والعروبة.
لم يكن الكرد مقاتلين جيدين فحسب، بل كانوا بناة دول وأنظمة عتيدة ومرموقة في المنطقة أيضاً، فإن سلطان مصر المعروف باسم محمد علي باشا لم يكن ألبانياً أو تركياً كما هو منتشر، وإنما كان كردياً من مدينة ديار بكر التابعة لتركيا الآن، كما كان عدة رؤساء ورؤساء وزارات في سوريا والعراق وتركيا من الكرد، على الرغم من كل الاضطهاد القومي الذي لحقهم فقد خدموا الدول التي عاشوا فيها وعملوا على تطوير أنظمة تلك البلدان صوب الأفضل.
ربما لم يفهم زعماء الكرد التحول الكبير الذي أحدثه اكتشاف البترول في المنطقة، ففي الوقت الذي تعاون زعماء العرب في الحجاز والخليج مع الانجليز في التخلص من ربقة الاستعمار العثماني وفي إقامة دولٍ منتجة للنفط، ومن ثم تحالفوا مع الأمريكان على تطوير بلدانهم، فإن زعماء الكرد كانوا منشقين على أنفسهم، بين الميول الداعية لاستقلال كوردستانوبين التي تريد الحصول على حقوق ثقافية للكرد ضمن إطار البلدان (تركيا، العراق، إيران وسوريا) التي تم تقسيم كوردستان عليها بموجب معاهدة سايكس – بيكو   لعام 1916، وسواءً في ما عرضه زعماء الكورد في المحافل الدولية بعد اتفاقية سيفر، وما حملوه كشعارات لثوراتهم المتتالية التي انتهت كلها بالهزائم والمآسي المريرة، لا نجد للبترول أي ذكر، على الرغم من وجوده بغزارة في كوردستان، وكذلك في الرسالة الموجهة من الشيخ محمود الحفيد البرزنجي إلى عصبة الأمم، وظل البترول مهملاً في أدبيات الحركة الكوردية عقوداً من الزمن، في حين أن زعماء العرب جعلوا من البترول أهم أسلحتهم في عقد التحالفات مع الانجليز  ومن ثم مع الأمريكان.

 فسمت الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917أيضاً صف الكورد إلى فئتين، ونشأت بالتالي أحزاب شيوعية في الدول التي تتقاسم كوردستان، انضمت إليها أعداد كبيرة من المواطنين الكورد المنخدعين بشعارات الثورة الشيوعية، الذين كانوا يتوقعون وصول الشيوعيين بسرعة إلى حكم تلك البلدان وإنصاف القوميات المطالبة بحقوقها، وهذا ما لم يتم حتى انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، ولكن لاتزال هناك أحزاب شيوعية ضعيفة في هذه البلدان تجتذب أبناء القوميات والطبقات الفقيرة، ولكن سندها الكبير في العالم، النظام السوفييتي قد انفرط، وانهار المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو... وأثناء ثورة خويبون (1927-1930)  التي اتخذت جبل آكري (آرارات) مركزاً أساسياً للمقاومة المسلحة ضد الجمهورية التركية، وقف الشيوعيون ضد هذه الثورة إلى جانب البورجوازية التركية، مثلما وقف الاشتراكيون – الديموقراطيون في أوروبا موقف اللامبالاة حيالها، واكتفوا باستنكار المذابح الجماعية التي قامت بها القوات التركية، ولكن رغم ذلك تمكن الشيوعيون العرب والترك والفرس من الاحتفاظ بقواعدهم الشعبية في كوردستان لقدرتهم الفائقة على استخدام الإعلام الكاذب بين شعبٍ نسبة الأمية بينه كانت عالية للغاية، واضطهاد زعمائه الاقطاعيين والبورجوازيين وشيوخ الصوفية لم يخف في يومٍ من الأيام.

يعتقد كثيرون من الكرد أن العالم المسيحي انتقم منهم بمنعهم حتى الآن من إقامة دولةٍ لهم، حتى في عصر حرية وحقوق الشعوب، لأن السلطان الكردي صلاح الدين الأيوبي قد طرد الصليبيين من بلاد المقدس، وفسخ "العقد العمري" (نسبة إلى الخليفة الثاني للمسلمين: عمر بن الخطاب – رضي الله عنه) الذي كان يتضمن منع المسيحيين واليهود من السكنى في القدس، فسمح لليهود وللنصارى بأن يسكنوها بعد أن فتحها عنوةً وأجلى عنها الصليبيين القادمين قبل ذلك من مختلف أنحاء أوروبا. وعوضاً عن أن يفرح المسيحيون لفسخه العقد العمري فقد غضبوا لأن السماح شمل اليهود أيضاً، واليهود متطلعون باستمرار إلى إعادة بناء هيكل سليمان الذي يحاولون على الدوام إثبات وجود أطلاله تحت المسجد الأقصى، وتحويل المدينة المقدسة لدى المسيحيين والمسلمين إلى مدينة خاصة باليهود.

كما يعتقد الكرد بأن الانجليز كانوا من أشد الاستعماريين عدواناً عليهم لأن صلاح الدين قد منع ملكهم القوي ريتشارد قلب الأسد حتى من زيارة بيت المقدس وأجبره على مغادرة فلسطين ذليلاً ومحبطاً، مما اعتبره الانجليز إهانة تاريخية لهم عبر العصور.
الشيء الذي لا يفهمه الكرد هو السبب الذي جعل اليهود الأقوياء في عالمنا لا يساعدونهم في إقامة دولتهم الكردية، على الرغم من أن اليهود تم اضطهادهم أينما حلوا في شتى أنحاء العالم إلا في كوردستان، ولم يذوقوا الهوان على أيادي الكرد أبداً، بل تمتعوا بذات الحقوق التي كانت للطبقات الغنية من الكرد. الذين أنقذوهم من السبي في التاريخ القديم وحموهم من المذابح المروعة التي أقامها الصليبيون في العهد الأيوبي كما حموا الأرمن المسيحيين آنذاك، وكان البارزانيونالكورد أثناء ثورة أيلول الكبرى (1961-1975) يأوون اليهود الهاربين من المناطق العربية في العراق في قراهم، ويحسنون إليهم، حيث كانوا يتعرضون في بغداد وسواها إلى اضطهادٍ من قبل البعث الحاكم تحت سلطة صدام حسين آنذاك.

في الحقيقة، إن الانجليز اهتموا لدى استعمارهم للمنطقة بالسيطرة على الطريق المائية (قناة السويس) قبل اكتشاف البترول، ولم تكن تهمهم جبال كوردستان أو وجود القوى العشائرية المقاتلة للكورد من الناحية الاستراتيجية، فكانت لهم جيوش جرارة من الأفارقة والهنود، ولكنهم كانوا يريدون إقامة علاقاتٍ مع زعماء الكرد ليجعلوا منهم سداً منيعاً أمام المحاولات الروسية والشيوعية للتوغل جنوباً صوب المياه الدافئةعبر إيران والعراق. كما أرادوا للكرد أن ينتفضوا في وجه الدولة العثمانية مثلما فعلت العشائر العربية في نجد والحجاز وجنوب العراق والأردن وسوريا. إلا أن المشاعر الدينية التي كان يستغلها الترك لدى الكرد حالت باستمرار دون تحقيق رغبات الإنجليز، الذين آثروا التعامل والتحالف مع العرب وتسخير زعاماتهم لسياساتهم في المنطقة، بل إنهم أرغموا شيوخ العرب على قبول إقامة دولة إسرائيل في فلسطين والترحاب بها بشكل شفهي وخطي كما تثبت الوثائق التاريخية. وإن زعماء العرب الذين سكتوا آنذاك عن قيام الدولة العبرية هم أو أبناؤهم وأحفادهم الذين انقلبوا على الخطط الإنجليزية ودعموا المقاتلين الفلسطينيين على الدوام
إن عدم اكتراث اليهود بقيام دولة كردية أو عدم قيامها سببه هو أنهم اهتموا ببناء علاقاتٍ مع العرب الذين كانوا ولازالوا يشكلون خطراً محدقاً بإسرائيل، وعملوا على اقتحام الأسواق العربية، وخاصة أسواق الذهب والمال، بطرقٍ غير مباشرة عن طريق البنوك الأوربية والأمريكية وعن طريق الإعلام والسياسة، ولذلك لم تلعب القضايا الكردية أي أهميةٍ لديهم، ويجدر بنا أن لا ننسى هنا أن يهود الدونمة الهاربين من جور ومذابح الاسبان قد سيطروا على مقاليد الحكم في الجمهورية التركية التي أسسها مصطفى كمال (اليهودي من سالونيك)، وصاروا القوة المالية والإعلامية والسياسية العظمى في تلك الدولة، فكيف بهم أن يدعموا طموح الشعب الكردي للتحرر من سلطان دولتهم؟

إن تخلي السيد هنري كيسنجر عن دعم الكرد العراقيين، بل خيانته الصارخة للقائد الكردي الخالد مصطفى البارزاني في عام 1974-1975 كان لأسباب تتعلق بعلاقة أمريكا بالشاه الإيراني الذي كان يعتبر أكبر صديقٍ لإسرائيل في المنطقة، وأمريكا كانت بالنسبة لليهود "البقرة الحلوب" ولازالت حتى يومنا هذا، فلا يعقل أن يقف يهودي كبير مثل هنري كيسنجر ضد مصالح قومه ودينه من أجل مصلحة الشعب الكردي التي تعتبر في نظره غير ذي أهمية بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط الأخرى، وإن انتزاع العراق آنذاك من أيادي السوفييت كان مهماً جداً لتحقيق نجاح أكبر  لبلاده في المنطقة.
ظلت السياسة الكردية تتأرجح على الدوام، إلى وقتنا هذا، بين النضال من أجل الطموح القومي الذي في نهاية مطافه "استقلال الكرد وتوحيد كوردستان"، وبين التآلف مع القوميات التي يعيش معها الكرد منذ قرونٍ من الزمن، مرغمين تتحكم بهم ظروف وأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن، ومن ثم فإن هذه الشعوب تعتنق في غالبيتها كالكرد ذات الديانة الإسلامية، ولو باختلافات مذهبية هنا وهناك. ولقد فشل زعماء الكرد القوميين مراراً في تجنيد كل طاقات شعبهم لأن معظم شيوخ الصوفية بينه كانوا على الدوام مع الحكومات المستبدة بالشعب الكردي وليس إلى جانب قضيتهم القومية التي منهم من كان يرى في الدعوة إليها خروجاً عن الدين. ولقد استخدم مصطفى كمال ومن بعده سائر حكام العراق وسوريا وإيران الدين كأهم سلاحٍ لخنق الكفاح التحرري الكردي، الذي كان يقوده في بعض الأحيان علماء دين مثل الشيخ سعيد بيران في شمال كوردستان، والشيخ محمود الحفيد البرزنجي في جنوبها والقاضي محمد في شرقها... كما أن آيات الله الذين على مذهب الشيعة قد تمكنوا من كسب ملايين الكرد السنة بذريعة أن دينهم المشترك يفرض عليهم الكفاح معاً ضد "الشيطان الأكبر" و "إسرائيل"، على الرغم من أن مصلحة الشعب الكردي لم تكن في الوقوف مع هؤلاء الملالي المعادين لأي طموحٍ أو حقٍ قومي كردي وإنما مع أعداء هؤلاء الظالمين.

الكرد الذين لا يعرفون التطرف الديني ويتقاسمون لقمة عيشهم مع أبناء مختلف الأقليات الدينية بينهم، لازالوا يعطون أكثرية أصواتهم الانتخابية لحزب السيد أردوغان وشريكه عبد الله غول، وذلك لأسباب وبدوافع دينية صارخة، في حين أن الأحزاب القومية الكردية واليسارية تفشل في نيل 20% من أصوات شعبهم. ورغم ذلك فإن انتشار الوعي القومي في كوردستان الذي يزداد قوةً في عصر  التواصل المكثف عبر  وسائل الإعلام الحديثة، والتغيرات العالمية الكبرى في السياسة والاقتصاد والعلاقات القائمة على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وهيئات العدل الدولية، إضافة إلى الإنجازات المتلاحقة والضخمة التي تتحقق في إقليم جنوب كوردستان منذ إسقاط نظام صدام حسين من قبل الأمريكان في عام 2003 قد ساهم  في تعزيز  القدرات السياسية لحركة الكفاح القومي في كوردستان، والأهم في ذلك كله هو  قدرتها على تعريف العالم عن كثب بالقضية الكردية كقضية شعبٍ يريد الحرية وقادرٍ على التعايش مع سواه في ظل مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتسهر حركته الوطنية على ابعاد خطر التطرف العقيدي عن شباب شعبه، لابد من تفكير القوى الدولية الفاعلة في "إنصاف الأمة الكردية" التي لم تعتدي على حقوق غيرها وتعتبر الآن أكبر أمة بلا حقوق وبلا دولة في عالمنا المعاصر، وهذا يعني أن الشعب الكردي في حال خروجه من المحن والمصاعب سيلعب دوراً إيجابياً في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وفي تثبيت مبادئ الحرية فيها وتخفيف وطأة التطرف الديني وتعزيز العلاقات الاقتصادية القائمة على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة بين شعوبها.

لقد آن الأوان لإنصاف الكرد بعد طول نكران لوجودهم القومي ولحقوقهم، وذلك أضمن للسلام في المنطقة كلها، وأقل خسارة من استمرار الحروب التي تضر بالجميع ولا تؤدي إلى نيل الخير. إن على العالم سماع صوت العقل والالتفات إلى نداءات الاستغاثة لهذه الأمة التي عانت طويلاً من الاستبداد والاستعمار والهوان والحروب والاضطهاد و إفساح المجال أمامه لنيل حقه القومي كاملاً.