جان كورد : من أجل حركة تحررية كوردية موحدة في غرب كوردستان

2014-02-21

في قديم الزمان، عندما كان خطر الغزو يهدد قبائل أو عشائر معينة تعيش في مناطق متقاربة جغرافياً أو من سلالة بشرية ما، كان زعماء تلك القبائل يلتقون ببعضهم رغم خلافاتهم الجانبية ونزاعاتهم الدموية، ويسعون لبناء تحالفات، وقتية أو دائمة، لصد ذلك الخطر الذي كان في الوقت ذاته سبباً لإنهاء نزاعاتهم تلك. ومن ذلك اتحاد القبائل الميدية في وجه الغزاة الآشوريين، أو اتحاد الممالك الصينية في وجه الغزاة المغول، ولكن هناك أيضاً تحالفات تاريخية تكونت لأسباب اقتصادية كاتحاد الدويلات الألمانية الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية...

أما في منطقتنا، فإن أهم مشكلة من المشاكل التي لاتزال تعاني منها الحركة السياسية الكردية هي بقاؤها غير موحدة، سواءً في حالات اقتراب الخطر الخارجي، كما شهدنا أثناء حرب الأنفال الهمجية على الشعب الكردي في جنوب كوردستان في ظل نظام صدام حسين، وبقاء الخلافات الكردية رغم ذلك أمداً طويلاً، وكما نشاهده الآن وسط المذابح الكبرى التي تجري في سوريا، فالذي نراه هو عدم الاتحاد واستمرار الصراع الداخلي في صف الحراك الوطني الكردي، رغم قتامة المرحلة التاريخية. والمؤلم هو فشل أو إفشال العديد من المحاولات الصادقة لتوحيد الصف الكردي في مواجهة الخطر على الوجود القومي بشعبنا منذ بدء الثورة المسلحة في سوريا، حيث اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد أحد يستطيع تحقيق الأمن والاستقرارـ لا في سوريا كدولة "فاشلة" ولا في الجزء الكردي منهاـ، بل على العكس لا نجد سوى سيل الاتهامات المتبادلة من قبل التكتلات السياسية وسوى محاولات مشلولة على طريق نفخ الحياة في الأجساد شبه الميتة لتنظيماتنا العجوزة، الباقية من زمن "الحرب الباردة الأولى".
إن المحاولات التي تجري منذ سنواتٍ قلائل في عاصمة إقليم جنوب كوردستان لبناء الاتحاد السياسي لغرب كوردستان بجهودٍ مضنية من قبل أطراف كردية "سورية" وإخوةٍ كوردستانيين، تظهر وكأنها متخلفة عن مرحلة الاستعداد لصد الخطر الخارجي، فالشعب قد تعرض للمأساة الكبرى والأحزاب لم تتفق بعد، والمشاريع التي تستهدف وجود هذا الشعب قيد التنفيذ، إلا أن المشاورات والمناورات المكثفة والتي تفشل حلقاتها في الوصول إلى نتائج بسبب وجود عناصر لا تريد تحقيق أي اتحادٍ أصلاً، تبدو مثل حلقات الذكر الرمضانية الطويلة الرتيبة، وليس كنقاشات حزبية لأناس مارسوا السياسة عقوداً من الزمن. في حين أن اتحاد القوى "المتخلفة" من قوى الثورة السورية في ساحة القتال تبدأ وتتحقق بسرعةٍ قصوى، خلال أيام وليالي، لأن ظروف القتال تفرض عليها ذلك، بينما أقطاب الحراك الكردي السوري في هولير يكادون لا يشعرون بوجود أي أزمة على طريقهم، أو كأن ما يجري في سوريا شيء وما يجري في اجتماعاتهم شيء آخر، فالحديث يجري حول النسب وتفصيلات ومقاسات الهيئات التي ستنجم عن العمل المشترك، وليس عن إمكانات واحتمالات صد غزوات الغازين واقتحامات المقتحمين ومؤامرات المتآمرين على قضية الشعب الكردي. فلا صد لعدوانٍ هنا ولا اتفاق على مصالح اقتصادية لولايات أو مدنٍ أو شركات...
ما يؤسف بالتأكيد هو "سياسة الارضاء!" التي تنتهجها بعض الجهات الكردستانية المؤيدة للحل الاتحادي بين فصائل الحركة الكردية السورية، وليس "سياسة حسم الأمور"، وهذا ما يتيح الفرصة للانتهازيين لكي ينتهزوا ما شاء لهم باستمرار، في حين أن حجم القضية الكردية في غرب كوردستان، ضمن إطار المشهد السوري العام الكئيب، والمخاطر المحدقة بشعبنا ووجوده، والمؤامرة الكبرى التي يتقاسمها النظام وبعض فصائل المعارضة ضد هذا الوجود، يفرض على قوانا السياسية الكف عن تحزبها الأعمى، وعن الشخصنة والتركيز على المواقف الجانبية، كما يفرض على الداعم الكردستاني "حسم المسائل" بوضع "جدول زمني" وممارسة أقسى الضغوط على من يعتقد أنه يحظى بالقسط الأكبر من "كعكة" التأييد الكردستاني.
برأيي، إن كثرة الطباخين تنزع الطبخة كما تقول العرب، وإن عدم الاهتمام الجاد بالوقت وبالإطار الذي تتحرك فيه المشاهد المتلاحقة، يؤديان إلى انتاج اتحادٍ متخلف عن الواقع ومتطلباته...
لذا وأنا واثق من أن هناك غيري من الكورد، من ينظر إلى ساعة يده وتقويمه السياسي بقلوبٍ متلهفة، آمل أن يستفيد زعماء حركتنا النبلاء من الفرصة التاريخية لينجزوا الآن فيها بتأييدٍ أخوي كوردستاني ما تأخروا عن إنجازه حتى بعد ثلاث سنوات من عمر الثورة السورية ورغم تشتت جزءٍ كبير من شعبنا في المخيمات والبلدان القريبة والبعيدة، أو ليفسحوا الطريق للأجيال الشابة لتتابع المسيرة التي لم يتمكنوا من متابعتها لأسباب عديدة...