كوباني: الجرائد الصادرة في كوباني.. بين الهواة والمتخصّصين

يوسف رمضان – جواني كورد . نت
22 نيسان 2014م
 
قدّم البدرخانيون خدمات جليلة للصحافة واللغة الكوردية، حيث كانت البداية منهم وعلى يد مقداد مدحت بدرخان الذي يُعدُّ بحق رائداً للصحافة الكوردستانية عموماً، وأباً روحياً لكل المثقفين والصحافيين الكورد من بعده، فكما قال الشاعر الروسي الكبير بوشكين عن نيقولاي غوغول بأننا جميعاً خرجنا من "معطف غوغول" وكان يقصد الكتّاب والشعراء الروس،
فيمكن القول بكل جرأة بأن الصحافة الكوردية وجميع الصحافيين الكورد قد خرجوا من صحيفة (كوردستان)، التي أصدرها مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في 22 نيسان 1898م، والتي كانت بمثابة الصرخة الأولى لولادة الصحافة الكوردية في جميع أرجاء كوردستان وحتى في المهجر، فعلى الرغم من الظروف القاسية التي كانت تواجهه ظلّ يواصل إصدار هذه الصحيفة متنقلاً بين العديد من عواصم العالم.
 
ففي السنوات الأخيرة من عمر الثورة السورية لوحظ التطور الكبير للجريدة الالكترونية والورقية في كوباني من خلال الكم والنوع، وتقديم الأخبار المحلية والإقليمية وحتى الدولية, أو نشر الحقائق والمعلومات الدقيقة الصادقة بهدف التنوير الذهني والإقناع الفكري، ونقل النشاطات الثقافية والإنسانية. فالجرائد في كوباني تنشر كل أنواع المعارف والعلوم والآداب والفنون والآراء، وغدت الوسيلة الأقوى والأكثر فاعلية في اقتلاع الحواجز بين الأفراد والمجتمعات وخلق التفاعل بين الأفكار والمعتقدات للنهج البرزاني والفلسفة الأوجلانية، فكما ولدت الثورة السورية من رحم الخوف والجوع والاستبداد، وُلِدَت معها ثورة الانترنت والتكنولوجية وأيضاً ثورة الصحافة.
 
وحسب رأي المحلّلين الإعلاميين المهتمين بالجرائد الكوردية – الورقية أو الإلكترونية – يؤكّدون على أن الجرائد ستتقدم وترتقي إلى مستوى النجاح والاحترافية والعالمية، وذلك إن توفرت فيها المقوّمات التالية:
1 – الاعتماد على الكوادر المختصّة (إعلاميين – محرّرين – فنيي البرامج). 
2 – وجود خريجي اللغات: الكوردية والإنكليزية والعربية، والمؤهّلين ثقافياً وفكرياً.
3 – توحيد الرؤية الإعلامية الكوردية عموماً، والكوردية – السورية خصوصاً.
4 – تأسيس مؤسّسات مطابع عامة ومستقلة.
5 – دعم الجرائد المستقلة والداعمة للشباب بكافة فروعها.
6 – وجود الكوادر المختصّة في مجال الانترنت والتكنولوجية.
ومن أهم الجرائد الالكترونية والورقية التي صَدِرَت في كوباني منذ بدء ثورة الحرية والكرامة آذار 2011م:
(سبا – فرات – زلال – Guhertin– برجاف – السنبلة – هيرو..).
 
وحول التغيير الذي أحدثته هذه الجرائد في عقلية المجتمع الثقافية والسياسية والاجتماعية في كوباني يرى الكاتب الصحفي محمد حسن في لقائه مع جواني كورد . نت: "إن الصحافة بحاجة إلى عدّة مقومات حتى يكون لها تأثير في المجتمع الذي تستهدفه، بعضها يتعلّق بالوسيلة الإعلامية نفسها من جهة قدرتها المهنية والكوادر التي تعمل فيها، وكذلك قدرتها المالية في تمويل نفسها وتغطية نفقاتها ونفقات الكتّاب الذين يعملون فيها، ومن ناحية المجتمع المستهدف فإنه لم يجد بأن هذه الوسيلة تعبّر عنه أو على الأقل يمكن أن تتضمن ما يهمه أو يعانيه، فإنه لن يتابعها سواءً كان مرئية أو مكتوبة أو مسموعة".
أما بالنسبة إلى الجرائد التي تصدر في كوباني فيرى حسن: "بأنها تعاني من مشاكل على المستوى الداخلي من حيث التمويل والكوادر، وكذلك من ناحية المجتمع المستهدف، ولذلك فهي لم تحقق الغاية المرجوة منها".
 
فيما حدّثنا الكاتب الصحفي ومدير مركز برجاف للحريات وبناء القدرات فاروق حجي مصطفى عن دور جريدة برجاف في إحداث التغيير في عقلية المجتمع قائلاً: "برجاف تهتم بوضع الناس بالدرجة الأولى، فهي جريدة الناس قبل أن تكون لسان حال السياسة، وتطمح برجاف أن تكون مرآة الشارع وتسلط الضوء على الشؤون والشجون في مجتمعنا الذي لطالما بقي مهمّشً إعلامياً".
أما عن تأثير برجاف في تغير المشهد من عدمه تابع مصطفى حديثه: "لا أستطيع أن أحكم مدى منتوج برجاف في هذا الصدد، إنما الإعلام أو أي حراك ثقافي يساهم في بناء التراكمات والتأسيس للمستقبل وتمهيد الطريق لمعرفة الناس، وأيضاً النخبة حقوقها والفضاء الذي يود البوح إليه، من هنا فإن برجاف وللأسف لم تحدث معجزة في كوباني إنما أرادت أن تكون مميزة باختيارها للمواد والمواضيع التي لها أهمية في الشأن العام في ظل تدفق التقارير المفبركة أحياناً وغير الموثوقة أحيناً أخرى".
 
وأوضح محمود عبد العزيز قادر أحد أعضاء هيئة التحرير في جريدة Guhertin عن تأسيس الجريدة والدور الذي ستساهم بها في المجتمع: "لقد صُدر العدد الأول منها في 1 أيار 2013م، وهي حصيلة تفكير مجموعة شابة، شاركت في الثورة السورية منذ انطلاقتها آذار 2011م، هذه المجموعة الشابة اجتمعت بعد إيمانها الراسخ والتام بالتغيير الديمقراطي".
أضاف قادر: "الجريدة تصدر شهرياً بثلاث لغات: (الكوردية والإنكليزية والعربية) إيماناً منهم بأهمية هذه اللغات الثلاث ودورها في التغيير الديمقراطي في المنطقة الكوردية وغيرها من المناطق في سورية، واتخذت الشأن العام السياسي منه والثقافي والفكري موضع اهتمامها الأول، وقد أصدرنا منها إلى الآن تسعة أعداد في موقع كوباني كرد وصفحتها الفيسبوكية".
تابع قادر وهو يعبّر عن المعوقات التي تؤثر وتؤخر من إصدار الجريدة في موعدها: "نحن نعاني من عدم وجود الدعم الماديّ الكافي، والقلة في النسخ المطبوعة، ففي كل عدد نقوم بتصوير مئة نسخة من الورق العادي، ناهيك عن أدوات العمل غير كافية كالانترنت وآلة تصوير، بالإضافة إلى أننا هواة للعمل الصحفي المكتوب ولسنا متخصّصين".
 
وأما عن أول جريدة سياسية ورقية أسبوعية في كوباني صرّح زارا مستو رئيس التحرير في جريدة فرات: "جريدة فرات هي أول جريدة سياسية أسبوعية مستقلة ورقية، صدرت منها خمسة عشر عدداً في كوباني، وتوقفت جراء الظروف الصعبة وعدم وجود أي دعم مالي لها، العدد الأول أصدرناه في نيسان 2012م، وتوقفت في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، كانت تنشر على صفحتها على الفيسبوك وموقع كوباني كرد".
أما عن شعار الجريدة وأهدافها فقد تابع مستو: "نحو سوريا ديمقراطية تعددية علمانية لا مركزية".
وأكد مستو لجواني كورد . نت: "كانت تصدر عن مجموعة من المثقفين والكتاب والمهتمين في مدينة كوباني, من أهم كتابها: جان بابير, زارا مستو، إدريس سالم، زرادشت سروجي، ومصطفى عبدي, بافي آري, فضلاً عن وجود زاوية ثابتة لكتّاب آخرين".
 
وعن سبا قال الإعلامي مصطفى عبدي: "تأسّست سبا في آذار 2011م، وتوقفت بعد أن نشرنا منها اثني عشر عدداً في صفحة جمعية سبا الثقافية على الفيسبوك وفي موقع كوباني كرد. كنّا أول وسيلة إعلامية كوردية مطبوعة ومستقلة، استطعنا تبنّي مواهب شعرية ونشر مقالات ثقافية ونقد المجتمع والتراث والفلكلور باللغة العربية والكردية".
تابع عبدي عن سبب توقف الجريدة عن العمل: "المعوّقات كانت مادية بالدرجة الأولى، صعوبات التوزيع وعدم وجود مكان للطباعة أو مطبعة قادرة على طباعة أوراق الجريدة كما هي، فاضطررنا إلى طباعتها من خلال A4".
 
وصرّح لجواني كورد . نت أيضاً رئيس التحرير في جريدة زلال محمد إبراهيم قائلاً: "تأسّست زلال الثقافية الشهرية في 22 نيسان 2012م في مدينة حلب، وهي إلى الآن مستمرّة، ووصلنا إلى العدد 18، وهي لا تنشر إلا على صفحتها الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك".
أضاف عصمت: "الهدف الرئيسي لجريدتنا هو تحريك الأقلام الشابة وفتح المجال أمامها، واستطعنا بالفعل من تحريك مجموعة لا بأس بها من الأقلام الشابة والطاقات الكامنة والثقافية لديهم وذلك من خلال تخصيص زوايا ثابتة فيها مثل: حقوق الإنسان – القانون – الرأي – الحقيقة – الصحة".
وتابع متحدثاً: "أكثر ما يعيق جريدتنا هو النقص في تأمين الطباعة، أي بمعنى هي معوقات مادية لا أكثر، وعلينا أن نسأل القرّاء ما إن كانت جريدتنا مميّزة شكلاً ومضموناً أم لا".
 
وفي لقاء مع الإعلامي خالد برازي والمختصّ بشخصيات العدد في جريدة السنبلة كعضو هيئة التحرير فيها قال: "لعبت جريدة السنبلة الثقافية الاجتماعية الشهرية المنوّعة والتي تصدر عن جمعية السنبلة الثقافية في كوباني دوراً اجتماعياً مدنيّاً صحياً فكرياً بحتاً من خلال تخصيص زاويتين ثابتتين في الجريدة ألا وهما الزاوية القانونية من خلال نشر ثقافة القانون واحترام الحقوق المدنيّة ومحاربة بعض من القوانين العشائرية، والزاوية الصحية التي تعتمّ بثقافة تجنّب الأمراض المُعدية وزيادة المعلومات الصحية للقرّاء، ومن هنا نستطيع أن نقول بأن الجريدة تلعب دورها من خلال نشر أفكار الجمعية في الجريدة والترابط الفكري والفعلي بينهما".
تابع برازي مصرّحاً لموقعنا عن شخصيات العدد ونوعيتها: "التاريخ الكوردي غني بالمفكرين والأدباء والشعراء والكتّاب الذين تركوا بصمة واضحة في حياة الشعب الكوردي وأدبه ونضاله كأحمد خاني وملا جزيري وعبد الله جودت، وأيضاً آل بدرخان وجكرخوين وقاضي محمد والقادة الثوريين... أضاف برازي: "نكتب عن هذه الشخصيات في جريدتنا وذلك لما قدموه من معارف وآداب ونضال سياسي وعسكري ولكي يتخلص مجتمعاتنا من هذا الجهل المثقف الذي يعيشه بعض من مثقفينا".
 
وفي قراءة لواقع حال الصحافة الورقية والإلكترونية في المجتمع الكوباني ومدى تأثيرها حدّثنا الناشط فياض أوسو قائلاً: "الإعلام بشكل عام لعب دوراً مهماً في المجتمعات الشرقية في الآونة الأخيرة بعد أن زادت أهميته، فالإعلام الجديد وما يشكله في تحديد الرأي العام من أهم الوسائل الحديثة في مخاطبة المجتمعات وترجمة توجهاتها الفكرية وتفعيل حراكها الثقافي والسياسي لما يتميز به من قدرة فائقة في التأثير على المجتمع، والمجتمع الكوردي مجتمع متفتح ومندفع مما يجعله أكثر قابلية للتطور الذهني".
 
أما عن دور الصحافة والإعلام في مدينة كوباني في دعم مسيرة الثورة في منطقة كوباني والمناطق الكوردية بشكل عام فلقد أكد أوسو: "كوباني كمثيلاتها من المدن الكوردية في سوريا احتضنت الثورة منذ لحظتها الأولى والتزمت بأهدافها في التغيير والتجديد للواقع والعقليات، وبعد أن أنتجت الثورة هامشاً للعمل في بعض الأنشطة ومنها الإعلامية، اقتضت الحاجة إلى إصدار صحف دورية لمتابعة الأنشطة الميدانية وفعاليات المجتمع عموماً في كافة المجالات، باعتبار أن الجرائد لها تأثير كبير على تشكيل البناء الإدراكي والمعرفي للفرد أو المجتمع ويساهم هذا البناء في تشكيل رؤية الفرد والمجتمع تجاه قضايا مجتمعة والقدرة على تحليلها واستيعابها لاتخاذ السلوك المناسب حول هذه القضايا، فارتأت مجموعات شبابية في كوباني التبنّي لهذه الفكرة لتحقيق الانسجام والتفاعل المنشود بين وسائل الإعلام وأفراد المجتمع ومؤسساتها الرسمية والمدنية في سبيل التعريف بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي".
 
أما عن مدى نجاحها وتأثيرها فلقد نوّه أوسو: "أعتقد بأنهم سجلوا نجاحاً إلى حد ما في هذا المجال مقارنة بالمناطق المجاورة حيث تصدر جرائد عدة بشكل دوري رغم المعاناة بغنى عن التعريف وقلة الأدوات والوسائل سواء بالنسبة للطباعة أو صعوبات شخصية خاصة بكل فرد يعمل في هذا المجال، إلا أنها حققت جزءاً كبيراً من أهدافها وبالأخص في المجالين الثقافي والاجتماعي على الرغم أن المجتمع كان مصاباً بالكثير من الأمراض الاجتماعية المزمنة لما كان يتميّز به من الحالة العشائرية واعتبارها كمرجعية، وممارسة سياسات تميزية وعنصرية من قبل السلطة الحاكمة لعشرات من السنين بغية تهميشها، أما في المجال السياسي أعتقد بأن التحزبية و الاصطفافات أذبلت جانباً من التأثير الإيجابي على الفرد والعاملين في هذا السلك إلى حد اعتبارها في كثير من المواقف عائقاً أمام التبادل للمعلومة، وإعطاء المجال الكافي لوسائل الإعلام كافة وليس فقط المقروءة من الجرائد والمجلات بتفعيل دورها بشكل مهني وموضوعي".
 
يذكر أنه لا يوجد في كوباني إلى الآن جريدة يومية منوّعة بالثقافة والتسلية والدعاية والتشويق، كون الجريدة اليومية ستكشف الفساد المالي والخدمي لبعض من الموظفين البيروقراطيين في السلطة الإدارية الحاكمة في المدينة، عندها سيستخدمون نفوذهم وأجنداتهم ليمنعوا من إصدار هكذا جرائد، رغم أنهم حاولوا كثيراً لتوقيف الجرائد التي تصدر شهرياً، إذ أن القرّاء في مدينة كوباني يعانون كثيراً من المدة الزمنية الطويلة حتى إصدار الجريدة المطبوعة في ظل الحصار والجوع والهجرة المستمرة واستنزاف المجتمع في جميع المجالات.
ولعدم وجود الجسم الصحفي الكوردي السليم والتسلل والهجوم نحو صحافة غير مهنية ومسؤولة وبعيدة عن الضوابط التي تنطبق على هذه المهنة وإغفال أصولها دفع إلى إنتاج الجرائد الأسبوعية والشهرية، مع الانتباه للواقع وظروف الحاضر في ظل غياب الاستقرار السياسي والنفسي للمجتمع.
 
المكتب الإعلامي لحركة الشباب الكورد – كوباني