جان كورد : سياسة هولير ستقرر مصير العراق

2014-06-27

  الشرق الأوسط على صفيحةٍ ملتهبة، وثمة من يضع مزيداً من الحطب في النار المتقدة تحت الصفيحة، والعقلاء هم الذين ينجون بجلودهم من الحريق، هكذا باختصار يمكن وصف ما يجري على ساحات بلدان المشرق العربي، ثورات وانقلابات ونزاعات مسلحة، لا يعرف أحد كيف تندلع فجأة وإلى أين ينتهي بها المطاف في النهاية.
 
          الشعب الكوردي من شعوب المنطقة العريقة في تاريخها، ومرت على أرض وطنه كوردستان مختلف الغزوات الكبرى، من الشرق صوب الغرب، من الجنوب صوب الشمال، وبالعكس، إذ شهدت كوردستان غزوات المغول والتتار، المكدونيين والاغريق والرومان، الفراعنة المصريين وعرب الحجاز، الصليبيين ومن بعدهم الفرنسيين والانجليز والأمريكان، ولكن شعب كوردستان ظل صامداً لا يقهر رغم كل النكبات والحملات والتي قامت على التقتيل والإبادة والاستعباد والاستبداد، إلا أنه أثخن بالجراح وتمزقت أوصال وطنه نتيجة المعاهدات الإقليمية بين الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية، ومن بعد ذلك بين المستعمرين الغربيين الذين تكالبوا على خيرات شعوبنا وثروات أرضنا، وتم تعريض كوردستان إلى مزيدٍ من التقسيم والتجزئة...
 
          تعرّف الشعب الكوردي على مختلف الأديان التي اعتنقتها شعوب المنطقة، منها ما نشأ وترعرع في كوردستان كالأزداهية والزردشتية، ومنها ما جاء من فلسطين كاليهودية والنصرانية، ومنها ما جاء من الحجاز كالإسلام، ومن خلال ذلك انتشرت سائر الفرق والمذاهب والنحل بين الكورد  أيضاً، ومنها مذاهب أهل السنة وأهل الشيعة ومختلف طوائف المسيحية واليهودية، والطرق الصوفية كالقادرية والنقشبندية والرفاعية، إضافة إلى اليزيدية والعلوية والبكداشية والكاكائية والعلي إلهية وسواها، إلا أن كوردستان فتحت صدرها رحباً لجميع معتنقي هذه الأديان والمذاهب والطوائف والطرق، فتميّزت عن سواها بنسيجها الذي يضم الجميع ولا يقصي أحداً بسبب عقيدته أو آرائه الفلسفية والفكرية، فعاش فيها الشيوعيون والإسلاميون والديموقراطيون والليبراليون جنباً إلى جنب، لأن كوردستان ظلت الأم لهم جميعاً، سوى بعض الأوغاد القلائل الذين لم يعترفوا يوماً بكوردستان كوطنٍ لهم، فيئسوا من هذا التمايز الحضاري الذي يربط الكورد وأقلياتهم الدينية والقومية ببعضهم، فراحوا ينفثون السم الزعاف للتفريق بين مواطني كوردستان، ولكن سعيهم قد خاب ليقظة أبنائها وبناتها عبر العصور.
 
          المشكلة الكبرى التي اعترضت وحدة شعب كوردستان ولا تزال تعترضها تكمن في أن هذه البلاد ثرية للغاية بثرواتها الطبيعية، وعلى الأخص بالماء والنفط والثروة الغذائية المتعددة الصنوف، وهذا الثراء هو الذي زاد من تكالب المستعمرين على أرض كوردستان ودفعهم للإيقاع بمواطني كوردستان ومحاول ضربهم بعضهم ببعض بأساليب قذرة منها الدس بين الطوائف والأديان والقوميات والأفكار السياسية، ومن قبل بين العشائر والقبائل والطرائق الصوفية والآغاوات، وهذه حال المستعمرين في كل أرضٍ وزمان، دأبهم ممارسة سياسة "فرق تسد"...
 
           ولأن القائد الكبير مصطفى البارزاني، طيب الله ثراه وأدخله فسيح جنانه، أدرك منذ بداية انخراطه في العمل الثوري أهمية هذه المشكلة ولجوء أعداء الكورد وكوردستان إلى سياسة "فرّق تسد" لتحطيم وحدة شعبه، فقد بنى نهجه السياسي على سياسة مغايرة لسياسة الأعداء كلياً، ألا وهي سياسة جمع كل المكونات المتواجدة ضمن إطار الحزب الديموقراطي الكوردستاني ودفعها للتعاون والتنسيق والتضامن في وجه العدوان والاستبداد دون اقصاء أي نكون ودون التهاون بدوره في تعميق الثورة الوطنية التحررية الكوردستانية.
 
          لذا لا يمكن الاستخفاف أبداً في قدرات وطاقات وخبرات حزب البارزاني مصطفى في تربية الجيل الذي يدير الآن جنوب كوردستان، وصقله في مدرسته الوطنية الواقعية والثورية، ومن هذا الجيل الذي رضع حليب النهج المعروف ب "نهج البارزاني" السيد رئيس الإقليم مسعود البارزاني وخيرة رفاقه الأقربين، فهنا لا يوجد مجال للطائفية البغيضة ولا للمذهبية الضيقة ولا للتحزّب سوى لعدالة القضية القومية ولطموحات هذا الشعب الذي عانى طوال تاريخه من الاستبداد والظلم والاقصاء. وهنا بالذات تلعب سياسة هولير(أربيل) اليوم دوراً هاماً جداً في تقرير مصير العراق الذي أوصلته سياسة السيد نوري المالكي الفاشلة والجاهلة إلى حافة الهاوية والتقسيم والتحارب الطائفي البغيض الذي سيكون ضاراً لسائر مكونات الشعب العراقي الكبير.
 
          إن ما سيقرره القادة الكورد الذين يرفضون الانجرار وراء دعوة المالكي والولايات المتحدة الأمريكية لزجهم في أتون حربٍ طائفية لا ناقة لهم فيها ولا جمل هو الذي سيحدد معالم طريق المستقبل للعراق كله، وستنعكس آثاره على مجمل الحراك الديموقراطي الوطني في منطقة الشرق الأوسط إيجاباً، لأن الديموقراطيين والوطنيين عليهم يقع واجب النأي بمكوناتهم المختلفة عن الدخول في متاهات الحروب الإقليمية والطائفية والمذهبية. وهذا واضح تماماً في سياسة البارزاني الحكيمة ونظرته العميقة المستندة إلى تجربة كوردستانية عريقة للأوضاع في المنطقة.
 
          إلا أنه مع الأسف، تعلو شقشقات ألسنة الإعلام العراقي والعربي في العديد من العواصم، متهمةً قيادة الإقليم بالتعاون والتنسيق مع القوى الإرهابية التي تضع هذه القيادة بين أهدافها الإجرامية، وقد قامت بعمليات إرهابية كبيرة من قبل في كوردستان، ومن هذه الأبواق ما هو سني وما هو شيعي، لأنها مأجورة ولا تقبل أن يظل الكورد في منأى عن الصراعات الطائفية المتخلفة أوأن يقفوا خارج دائرة النار وبقع الانفجار اليومية في العراق. ولذا يجب على الإعلام الكوردستاني ليس مؤازرة القيادة الكوردستانية في توضيح سياستها الرافضة للطائفية فحسب، وإنما القيام بحملةٍ واسعة ضد هذه الأقلام المنحرفة والمغرضة التي تسعى لأن ينجر الكورد إلى هذا الطرف أو ذاك.
 
فالكورد سنة وشيعة وعلويون ويزيديون وكاكائيون ومسيحيون ويهود ومن كل النحل الدينية التي تعيش في كوردستان حرّةٍ متضامنة ومتعاونة على دحر العدوان ورد الظالمين وافشال مخططات "فرّق تسد" من أي جهةٍ كانت.
 
          إن الأهداف العليا للشعب الكوردي معروفة وواضحة للعيان، وبخاصة في جنوب كوردستان، وللكورد وحدهم الحق في تقرير مصيرهم على أرضهم وفي اختيار حلفائهم العراقيين لبناء ما هو مشترك ومفيد للجميع. وثقتنا كبيرة في أن القيادة الكوردستانية التي تضم بين صفوفها أفراداً وكوادرَ من مختلف المكونات الدينية والسياسية ستتخذ القرار الصائب الذي سيغّير أسس اللعبة السياسية في العراق بعد اليوم، فهم يملكون القوة والحق ووحدة الصف وقبل كل شيء إنهم يملكون ثقة الشعب الكوردي، وعلى ذلك يبنون قرارهم السياسي، الذي هو القرار الكوردي، ليس قرار البارزاني أوالطالباني أو أي أحدٍ آخر، وعلى هذا القرار سيتحدد مستقبل العراق كله بعد الآن.