جان كورد : مأساة سوريا والرأي العام العالمي

2014-07-29

         الحرب في سوريا مستمرة، وهي حرب النظام الاسدي المدعوم من قبل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، وبعض الدول العربية سراً، أطول عمراً بمئات المرات من حرب إسرائيل على غزة، وأوسعها مجالاً ولا تقل عنها وحشية وضراوة، إلا أن الرأي العام العالمي مهتم للغاية بما يجري في غزّة، ومهمل في الوقت ذاته ما يحدث في سوريا من مجازر جماعية ترتكبها القوات التي لاتزال موالية للنظام
والمجموعات المتطرفة التي ليس في قواميسها "حقوق الإنسان" ولا تقل في انحطاط ممارساتها المتعارضة مع كل قيم البشرية عن ممارسات شبيحة النظام ومرتزقته الطائفية.
 
          في سوريا يسقط الأطفال تحت ركام العمارات التي تقصفها المدفعية الثقيلة وقذائف الهاون لجيش النظام والبراميل المتفجرة التي تلقيها طائراته على المدن والقرى، كما يسقط الأطفال في غزة بسبب الهجمات الصاروخية الواسعة النطاق للجيش الإسرائيلي على المدن والأرياف الفلسطينية. إلا أن المظاهرات التي يشارك فيها المئات والألوف من الأوروبيين والأمريكيين والعرب في شتى أنحاء العالم هي من أجل غزة أو دفاعاً عن إسرائيل، في حين أن الإعلام العالمي لا يقوم بواجبه الإنساني تجاه مأساة السوريين كما يجب، ولهذا أسباب عديدة، أهمها:
 
-تمكن الأسد من إظهار "الثورة الشعبية السورية" أمام الرأي العام على أنها "هجوم إرهابي" على بلاده وشعبه، ولكن البلاد مع شعبها هو "النظام" ولا شيء سواه في ذهن الأسد وبطانته الغارقة في الفساد والممارسة للإرهاب ضد الشعب والمنافقة بصدد "القضية الفلسطينية" والرافضة للحلول السياسية الجادة والكاذبة إعلامياً وسياسياً على مختلف المستويات... لقد نجح الأسد وحلفاؤه في هذا المجال إلى حدٍ كبير.
 
-عدم وجود قيادة مشتركة وشاملة لفصائل الثورة السورية المسلحة، بل على العكس من ذلك ثمة اضطراب وتضارب سياسي – آيدبولوجي بين هذه الفصائل المقاتلة، وتناحر دموي واسع النطاق فيما بينها، وتعدد في تسمياتها ورموزها وأهدافها، في حين أن الوضع مختلف في غزة، حيث أكبر الفصائل الفلسطينية المتطرفة هي حركة "حماس" المعروفة الأهداف، وإلى جانبها عدد قليل من الفصائل الجهادية التي لا تختلف عن حماس في كثير ٍ من برامجها وسياساتها.
 
-وجود معارضة سياسية سورية تدّعي الوطنية والنضال من أجل الحرية والديموقراطية، إلا أنها مخترقة من قبل النظام بشكل فاضح، ويعشعش في قياداتها فسادٌ لا يقل سوءاً عن فساد بطانة الشر المحيطة بالعائلة الأسدية التي هي رأس الفساد منذ أن سيطر حافظ الأسد على الحكم في عام 1970 وإلى الآن. ومن ناحيةٍ أخرى فإن سوء وخطأ تكتيكات جماعة "الإخوان المسلمين" لجعل المجلس الوطني السوري ومن ثم ائتلاف قوى المعارضة والثورة السورية كقفازين من أجل تحقيق مآربها السياسية في صفوف المعارضة قد أدى إلى انتكاسات، مثل انسحاب المجلس من الائتلاف لأسبابٍ غير  وجيهة ولا تتلاءم مع ظروف التقتيل الواسع النطاق للشعب السوري من قبل النظام، ومن ثم محاولة زعزعة الائتلاف كله، دون  وجود القوة الكافية للإخوان لتقديم بديلٍ عن هذه المعارضة، وعدم القدرة على إعادة قولبتها أو صياغتها بالشكل الذي يليق بكفاح الشعب السوري، في هذه المرحلة التاريخية الحاضرة.
 
-تشابك بل تضارب مصالح الدول الداعمة للثورة السورية والمعارضة العاملة خارج البلاد، وضياع الكثير من الأموال المخصصة لدعم الثورة في جيوب الحاصلين عليها، وتوزيع الجزء الضئيل الباقي منها في سبيل تقوية جهاتٍ معينة ضمن المعارضة على حساب الجهات الأخرى ودعم فصائل مقاتلة دون فصائل أخرى، مما نجم عنه نزاع على المصالح والأهداف والوسائل التي يجب الأخذ بها لتطوير الكفاح السياسي – العسكري بشكل عام. كما أدلى هذا إلى خلق شرخٍ واسعٍ بين المقاتلين على الأرض والساعين لاغتنام كل الفرص لسيادة فئةٍ معينةٍ من المعارضة على الجناحين السياسي والعسكري للثورة.
 
- قيام ما يسمى ب"الدولة الإسلامية" بخرق معاهدة سايكس – بيكو الاستعمارية لعام 1916 من خلال إعلان نفسها كدولة خلافة على أجزاء من بلاد الرافدين ضمن الدولتين الجارتين، العراق وسوريا، وامتلاكها أسباب القوة المالية والعسكرية، واستيلاءها على مصادر  بترولية هامة وعتاد وأسلحة كثيرة، مما أفسح لها المجال لمزيدٍ من الاستقطاب السياسي والتطرّف الشائن باسم الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى الوسطية والاعتدال والرحمة والعفو والتسامح، مما أدى إلى نشوب العديد من الصراعات المسلحة بين أنصار الدولة وفصائل الثورة السورية، ولأوّل مرّة دخولها بشكلٍ واسعٍ في صراعٍ مع النظام الأسدي، على الرغم من أن معظم المعارضين السوريين يتهمون حركة (داعش) التي أقامت هذه الدولة بأنها من مبتكرات النظام ذاته لإظهار الثورة السورية وكأنها مجرّد حركة إرهابية. هذا الوضع الجديد المقلق لكلٍ من النظام وكل جيران سوريا، وكذلك بعض الدول الإقليمية والكبرى في العالم، سيزيد من تدخلاتٍ عربية وأجنبية وإيرانية أوسع وأوضح في الحرب السورية.
 
-الصراع الشيعي – السني الذي أصبح صارخاً منذ عودة الخميني إلى إيران واسقاط نظام الشاه في عام 1979-1980، وقد اتخذ هذا الصراع في العالم الإسلامي شكل حربٍ إعلامية تحولت إلى حربٍ دينية حقيقية فيما بعد، وتوسعت دائرة نارها منذ الحرب العراقية – الإيرانية، وصارت اليوم أكبر مشكلةٍ سياسية – دينية لمعظم بلدان المنطقة، وتؤثر بشكلٍ فعالٍ وأساسي في بقاء نظام العائلة الأسدية المستعدة لاستخدام مختلف صنوف السلاح بهدف البقاء، حتى ولو اقتضى الأمر تقسيم سوريا وتحويلها إلى دويلات طائفية وقومية عديدة.
 
          طبعاً، هناك نقاط أخرى منها ما يتعلق بالمصالح البترولية والاقتصادية للدول الإقليمية والقوى العظمى، ومنها ما يتعلق بفشل منظمة الأمم المتحدة حتى الآن في فرض السلام ووقف الحرب في سوريا، وذلك لاستخدام روسيا والصين مراتٍ عدة حق الفيتو ضد أي قرارٍ يتخذه مجلس الأمن ضد نظام الأسد، ومنها ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب وهم بالألوف من مختلف الأنحاء في العالم، دعماً لهذا الطرف في الصراع أو ذاك، ومنها ما يتعلق بالموقف المخزي للإدارة الأمريكية وإدارة كلٍ من موسكو وبكين في الموضوع السوري والجريمة الكبرى التي ترتكب بحق الإنسانية في سوريا...
 
           إلا أن الذين يوجهون عدسات الإعلام العالمي قد أهملوا بشكلٍ واضحٍ هذه المأساة السورية الكبرى، على الرغم من أن عدد الشهداء من المدنيين يزيد عن 200.000 إنسان، القسط الأكبر منهم أطفال ونساء وكبار السن، وأن نصف الشعب السوري صار مشرّداً ولاجئاَ ومهاجراً، ومعظم البنية التحتية لسوريا قد دمّر تدميراً شاملاً، وآلاف الناس ماتوا تحت التعذيب في معتقلات النظام ومعتقلات "المجاهدين!"، وأن الدول المجاورة ما عادت تتحمل هذا الكم الهائل من اللاجئين السوريين على أراضيها، والمشكلة السورية تتوّسع لتشمل بعض هذه البلدان، ومنها العراق ولبنان بشكل خاص، ونظام الأسد مستعد لأن يحوّل سوريا إلى مقبرة واسعة دون التخلي عن الحكم، بل إنه لا يزال يجد نفسه رئيساً شرعياً رغم كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في ظل رئاسته... ومع ذلك فإن الرأي العام العالمي يحدّق بعينين واسعتين إلى ما يجري في غزة والموصل دون النظر إلى هذه المأساة السورية التي يندى لها جبين الإنسانية.
 
          إن تضامناً أفضل بين أطراف المعارضة السياسية وتنسيقاً جيداً بينها وبين الفصائل المقاتلة المؤمنة بأهداف الشعب السوري في الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، والسلام والتعاون والتنسيق بين هذه الفصائل ذاتها، دون معارك جانبية، سيمنح قوى الثورة السورية قدراتٍ وطاقاتٍ يمكن بنيلها التأثير المباشر في الرأي العام العالمي وبالتالي في سياسات القوى العظمى وقرارات المنظمات الدولية ومعاهد الفكر والعمل السياسي المؤثر في مختلف الميادين. فالثورات لا تنطفأ ولكنها تعاني من عقباتٍ كثيرة عندما لا تسلط عليها الأضواء في العالم...