دور الإدارة الرشيدة (الحوكمة: Good Governance) في التنمية الاقتصادية (سوريا عامة وكردستان سوريا بشكلٍ خاص)

  جوانا أحمد
 
     عضوة جمعية الاقتصاديين الكُرد- سوريا
    تعد الإدارة الرشيدة (الحوكمة) من أبرز وأهم الموضوعات في المؤسسات
والمنظمات الإقليمية والدولية وقد تعاظم الاهتمام بهذا الموضوع في الوقت
الذي تمر فيه معظم الدول العربية بحركات إصلاحية هدفها تحقيق الإدارة
الرشيدة ومحاربة الفساد. ذلك لأن هذه الدول أصبحت تُدرك تماماً أن
التراجع الاقتصادي والتنموي إنما ناشئ عن الحكم غير الصالح  والذي كان
السبب الرئيس في طرح قضية الإصلاح وبعنف على كافة الأصعدة الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية.
     لذلك تعددت التعريفات المقدمة للحوكمة بحيث يدل كل تعريف على وجهة
النظر الذي يتبناها مقدم هذا التعريف:
فتعرفها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) من الناحية السياسية:
بأنها "ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة
على كافة المستويات، ويشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها
يعبَر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون
بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافاتهم".
أما تقرير التنمية الإنسانية العربية (Arab Development Report) فتعرفها
من الناحية الإنسانية: بأنها "الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان
ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرَياتهم الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كافة فئات الشعب تمثيلاً كاملاً
وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب".
وتعرفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من الناحية الاقتصادية:
بأنها "استخدام السلطة والرقابة في المجتمع فيما يخص إدارة موارد الدولة
بهدف تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية".
     من خلال التعاريف السابقة نلاحظ أن للحوكمة أبعاد مختلفة:
1-      البعد السياسي: الذي يتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعيتها وقدرتها
على التمثيل الحقيقي وبالسياسة العامة للدولة.
2-      البعد الاجتماعي: الذي يهدف إلى توجيه الأهداف الجماعية وإنجازها
والإصلاح المجتمعي.
3-      البعد الاقتصادي: الذي يتعلق بالتنمية الاقتصادية والقضاء على الفساد.
   فالإدارة الرشيدة هي عنصر أساسي للنمو والتنمية الاقتصادية فكما هو
معلوم أن الشروط الأساسية للتنمية الاقتصادية تتضمن مجموعة من المفاهيم
التي لا يمكن أن تتحقق التنمية والديمقراطية بدونهما ومن أهم هذه
المفاهيم: المشاركة والمسألة، الاستقرار السياسي وغياب العنف، فعالية
الحكومة، جودة التشريع، سلطة القانون، مراقبة الفساد ومحاربته. فتطبيق
هذه المفاهيم سوف يؤدي إلى تحقيق العدالة والمساواة والمشاركة وحماية
حقوق الملكية والحد من استغلال السلطة وزيادة الثقة في الاقتصاد الوطني
بما يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي.
فما هو واقع الحوكمة في سوريا وكردستان سوريا في ظل الأزمة السورية؟
     حيث تناولت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة (الإسكوا) في
تقريرها الصادر 10 إيلول 2014 التوقعات بشأن مستقبل الأهداف الإنمائية
للألفية في سوريا في ظل استمرار النزاع، وذلك على صعيد الحوكمة والأوضاع
الاجتماعية والاقتصادية وفرص التقدم المحتملة وأكد الخبراء بأن
الانهيارات الكبرى في الاقتصاد السوري خلال سنوات النزاع قد تحقق
والخسائر الكبرى قد وقعت وبطبيعة الحال انعكس ذلك على الحياة اليومية
للناس. فاحتياطي المصرف المركزي من العملات الاجنبية انخفض بنسبة 67% منه
خلال ثلاث سنوات فقط. من أجل تثبيت سعر صرف الليرة السورية عند حدود
150-160 ليرة للدولار وبالتالي سيكون مصير الليرة السورية في عام 2015
رهناً بمجريات النزاع ومستوى الدعم الخارجي. وكذلك انخفضت قيمة الناتج
المحلي الإجمالي في عام 2013 بنسبة 16.7 في المئة ومن المتوقع أن يستمر
الانخفاض مع استمرار النزاع. ويتوقع أن تترجم انعكاسات هذا التدهور
الاقتصادي محنة اجتماعية على عدة مستويات منها:
1-      يتوقع أن تتدنى نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي إلى نحو 50% وهي نسبة
متدنية ستترك أثرها المدمَر على مستقبل البلد لعقود طويلة وأثر النزاع
بصورة أكبر على تعليم البنات.
2-      يتوقع أن يصل الفقر في سوريا إلى خطه الأدنى في العام 2015 إلى 59.5 %
وخطه الأعلى إلى 89.4%. وإذا استمر النزاع لعام آخر فسيكون 90% من
السوريين فقراء.
     وتؤكد إحصائيات البنك الدولي حول الحكم الجيد والفساد في الدول
العربية تدني مستوى أداء الدول العربية في هذين المجالين مقارنة بالدول
الأخرى. حيث كان ترتيب سوريا على مؤشر الفساد بالترتيب 129 من بين 182
دولة عام 2011 (المؤشر مرتب من الأحسن إلى الأسوء) وأشارت إلى أن المعدل
العام للحوكمة (-1.104) لنفس العام. وبالنسبة لمؤشر الحرية الاقتصادية
فتسجل سوريا من بين 9 دول عربية ذات حرية اقتصادية ضعيفة.
   وإذا ما أخذنا كردستان سوريا فنلاحظ بأنها في الوقت الراهن تفتقر إلى
المقومات الأساسية للحوكمة للأسباب التالية:
1-      الاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني في هذه المنطقة خلال
فترة حكم النظام السوري.
2-      تعطيل أو ضعف مؤسسات الدولة في هذه المناطق، وتحول الميدان إلى آلية
الحوكمة الوحيدة والواقعية.
3-      تزايد الفجوة بين أبناء المنطقة حيث لم يتم توزيع مكاسب التنمية على الجميع.
4-      ضعف التشريعات الذي أدى إلى انتشار الفساد ممثلاً في انتشار الرشوة
والإكراميات وغيرها من المسميات التي تعني دفع مبالغ مالية مقابل الحصول
على الخدمات هذا أثر على مناخ الاستثمار والأعمال في هذه المناطق
وبالتالي أثر بالسلب على التنمية الاقتصادية.
5-      الفساد الذي أدى إلى هجرة الكفاءات من أبناء المنطقة نظراً لغياب
التقدير وبروز المحسوبية والمحابات في إشغال المناصب.
6-       الفقر المدقع الذي تعاني منه هذه المنطقة.
7-      عدم السماح لأبناء المنطقة من الكرد بالتعبير عن آرائهم وهضم كافة
حقوقهم الإنسانية.
8-      المجلس الوطني الكردي منذ أكثر من ثلاث سنوات لم يقم بتشكيل مكاتب أو
مؤسسات حقيقية وهذا دليل على حالة الفساد والمحسوبية التي يعيشها المجلس،
كما أن حكومة الكانتون غير مرحب بها دولياً، ومؤسساتها تعاني من الضعف
وعدم الشفافية وعدم القدرة على تحمل مسؤولياتها كحكومة.
  ونحن أبناء المنطقة الكُرديَة في سوريا بحاجة إلى زيادة الاهتمام ونشر
ثقافة أفضل حول موضوع الحوكمة، من أجل البدء بعملية بناء مناطق كردية
جديدة قائمة على الحوكمة والمؤسسات الديمقراطية الضامنة لكرامة الكرد
وأبناء المنطقة وحقوقه المستندة إلى أولويات المواطنين وخلق الإطار
المناسب لوضعه في حيز التطبيق لكونه أحد الوسائل المهمة في مواجهة
التحديات التي يواجهها الوضع الاقتصادي الراهن في المنطقة. أي يجب أن
تكون الحوكمة من الأهداف الإستراتيجية حتى نستطيع الانتقال من هذه
المرحلة العاصفة إلى بر الأمان وبأقل الخسائر الممكنة.
البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com
صفحة الفيسبوك: