عماد يوسف : أضواء على التقارب الكردي – الكردي بعد كركوك

2017-12-25

وجد الشعب الكردي في زيارة وفد من برلمان إقليم كردستان لمراقبة سير انتخابات فيدرالية شمال سوريا بادرة طيبة لترطيب الأجواء بين الإقليم وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر جزءاً من منظومة حزب العمال الكردستاني، وكانت مشاركة ممثل عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في لجنة المراقبة أمراً مساهماً في زيادة التفاؤل بحصول تقارب بين الأطراف المتنافسة على الساحة الكردية،

وذلك رغم امتعاض المجلس الوطني الكردي من هذه الخطوة بسبب الممارسات التي تقوم بها سلطة الاتحاد الديمقراطي ضده، من إجراءات تعسفية، واعتقال قياداته وأنصاره، وإغلاق مكاتبه، وخنق الحريات العامة، وعدم التزامه بمبادرات الحل والشراكة بينهما.

ويمكن لهذا التقارب أن يمنح الشعب الكردي بعض الأريحية في إمكانية تجاوز خلافاتهم، ويتيح لهم فرصاً متعددة في الحفاظ على كياناتهم ضمن الجغرافيا الكردستانية التي يديرونها، فضلاً عن تقوية جبهتهم الداخلية ضد كل متربص لتقويض شوكتهم، من خلال تقدم العلاقات الاقتصادية واستثمار رؤوس الأموال في إنعاش الأسواق المحلية في المدن الكردية، وسهولة تنقل الأفراد والتجار، وبالتالي زيادة حجم التبادل التجاري بينهم، ناهيك عما يمكن أن يشكله الكرد من قوة عسكرية يمكنها التأثير في الوضع الإقليمي إذا بلغ التنسيق والدعم اللوجستي بينهم مراحل متقدمة.

إلا أن هذا التقارب ليس فقط مجرد مصدر للتفاؤل الشعبي، بل قد يشكل مصدراً للقلق لدى الدول الغاصبة لكردستان، إذ تنطوي خطوة إرسال وفد المراقبين من برلمان كردستان العراق لمراقبة انتخابات غربي كردستان على رسائل سياسية وجهها الكرد إلى تلك الدول مفادها أن أي خطوة تصعيدية تجاه جنوب كردستان أو غربه ستوحد التنظيمات الكردية ضدهم، وبأنه من الممكن تناسي كل الخلافات القائمة إذا بلغت الأخطار المحدقة بالكرد حدود تهديد وجودهم، أو التهديد باجتياح كردستان وتجويع شعبها. هذا ما حصل في شنكال وكوباني، وقد يحصل من أجل أي منطقة أخرى في كردستان.

وعلى غرار شنكال وكوباني، كان لنكسة كركوك دور في إقناع الأحزاب الكردستانية بتحقيق هذا التقارب، إذ كان إقليم كردستان مضطراً إلى ترتيب البيت الداخلي الكردي بعد النكسة، من خلال التوافق ضمن البرلمان بين الأحزاب الكردية الثلاث المؤثرة في صنع القرار، ممثلةً بالديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني والتغيير، وقُبلَت زيارة الوفد المراقب تفادياً لحدوث شرخ جديد بينها فيما لو حضر حزب وغاب حزب آخر. وفي ظل العلاقة الحميمة بين قنديل والسليمانية، وجد الديمقراطي الكردستاني نفسه مضطراً لقبول دعوة مراقبة الانتخابات، من أجل الخروج من العزلة الإقليمية، من خلال عنق الزجاجة الكردي.

وإن كان التفاؤل مشروعاً باستمرارية هذه الرسائل وتحقيقها تقارباً وتنسيقاً كردياً في ظل التهديدات، إلا أن هذا الأمر لا شك يصطدم بعراقيل كثيرة قد تكون أهمها التحالفات الإقليمية والدولية المتناقضة التي ينتمي إليها كل حزب، وارتباطها الوثيق بالوضع الاقتصادي على الجغرافيا الكردية، وخاصة فيما يتعلق بالمعابر الحدودية والمطارات، فضلاً عن الصراع الأيديولوجي بين الأحزاب الكردية في تمثيل القضية الكردية عالمياً وإمكانية التأثير بها داخلياً، إذ لطالما استغلت الدول الغاصبة لكردستان الخلافات بين الأحزاب والتنظيمات الكردية، سواء في تكوينها المحلي الوطني أو الكردستاني، لتعميق الفجوة بينهم وتفتيت مطالبهم وأهدافهم لمنعهم من تحقيق مكاسب قومية تحفظ هويتهم على أرضهم التاريخية.

ما أظهرته النكبات الكردية هو أنه ليس للكرد من بدٍ، والحالة هذه، إلا إعادة النظر في خلافاتهم وإعادة ترتيب علاقاتهم البينية بما يتناسب وحجم الحصار المفروض عليهم، والحديث هنا عن قطبي السياسة الكردية المتمثلين بالحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، لأن باقي التنظيمات الكردية، سواء في الأجزاء المحلية لكل بلد أو الكردستانية، إما تابعة لهذين الحزبين أو قريبة منهما، وكل تقارب أو خلاف بينهما يضفي بظلاله على الوضع الكردي بشكل عام، لما لهما من حضور داخلي وتأثير إقليمي ودولي.