أسباب الخيانة الزوجية
أمر قبيح تستهجنه الطباع وتنفر منه النفوس، وترفضه جميع الثقافات السماوية منها والأرضية فلا تكاد تخلو من النهي عنه شريعة إلهية، ولاثقافة بشرية.
بل تلتقي في رفضه جميع الآراء المؤمنة بالله وغير المؤمنة والملتزمة بأوامره ونواهيه وغير الملتزمة، لأنه أمر يناهض الفطرة والوجدان ويستبطن الشر والنفاق لما فيه من نقض العهود وإضاعة الحقوق. ‏
معنى الخيانة ‏
الخيانة هي نقض العهود والمواثيق التي اؤتمن عليها الإنسان وعدم أدائها الى أهلها، والخيانة بين الزوجين هي أقسى أنواع الخيانات وأكثرها إيلاماً للقلب وأشدها وقعاً على النفس، لأن فيها إضاعة حق الزوج الحبيب الذي اعتمد ووضع كل إحساسه وشعوره لأجل شريك أو شريكة حياته، ووهبه كل مايملك من عقله وفكره وشوقه، فهو لايفكر إلا براحته وإسعاده ولاينبض قلبه إلا بحبه وتواده، ويزداد في كل لحظة شوقاً إليه، وفجأة يجد أن صاحبه قد تخلى عن كل هذه المشاعر الطيبة الصادقة ونكث كل تلك العهود وانحاز وراء لذة عابرة، تبعاتها ثقيلة وآثارها وخيمة، إذ إن العلاقة الزوجية، عقد رباني مقدس، يتعاهد به الزوجان على حفظ وأداء حقوق كل طرف منهما للآخر، والخيانة الحاصلة فيها، هي نقض تلك العهود المواثيق التي أطرها الشارع العظيم بآيات الود والاحترام ونسائم الحب والرحمة.

‏
فإن أي انحراف في العلاقة الزوجية يعتبر خيانة، وليست مزاولة الفاحشة هي الخيانة العظمى فقط بل إن أي ابتعاد عن المصادقة التي تبايع عليها الزوجان في بدء حياتهما من الحب والاحترام والتقييم الصحيح، يعتبر خيانة؛ فمثلاً غمط الرجل لحقوق المرأة وبخسها أتعابها في المنزل وإدارة الأسرة وعدم احترامه لها، وكذلك عدم احترام المرأة للرجل يعد بابا من أبواب الخيانة وإن آثارها تبدأ من هنا لتجتمع فتكون عاملاً مساعداً لحدوث الشر الأعظم والنازلة الكبرى التي تزلزل الأسرة وتحطم أركانها. ‏
أسباب الخيانة ‏
مهما تكن أسباب الخيانة، فإنها ليست مبررا للقيام بها، وإنما هي مقدمات تهيئ الأرضية المناسبة لحدوثها، ونحن حينما نتطرق لذكرها لانريد بذلك إن نبرر للزوج أو الزوجة الخائنين فعلهما الشنيع، وإنما نريد أن نطلق هذه المحاذير، كي لاتكون أرضية مساعدة لأصحاب الهوى وجنود الشر والشيطان الذين يتربصون بالإنسان الدوائر ليوقعوه في فخ الجريمة والنار. وفيمايلي أهم الدوافع والعوامل المساعدة للخيانة: ‏
أولاً: ضعف الوازع الديني، وعدم الاهتمام بما جاء في شرع الله من جملة الأوامر والنواهي وخاصة تلك التي تخص العلاقة بين المرأة والرجل. ‏
ثانياً: النفور والبرود الحاصل في العلاقة الزوجية، وخاصة بعد مضي السنين الأولى وإنجاب الأطفال، وانشغال المرأة في هذا الجانب وإهمالها حقوق زوجها ورغباته، وكذلك انشغال الزوج بعمله وعدم التفاته الى رغبات زوجته وميولها، وأخيراً تتخذ حياتهما صفة الرتابة والروتينية ونفاد الحيوية ومشاعر الود والحنان. ‏
ثالثاً: انشغال كل من الطرفين بنفسه دون التوجه للآخر ورغباته وابتعاد كل منهما قلبا وقالباً، إذ الزوجة تعيش لنفسها وهمومها والرجل كذلك يعيش لنفسه وحاجاته فقط فينشغل كل منهما عن صاحبه فتكون هي في واد وهو في واد آخر، قلما تلتقي مشاعرهما وقلباهما. ‏
رابعاً: أصدقاء السوء الذين يزينون فعل المعاصي بلباس جميل وكلام أنيق فيشجعون الزوجة على الخروج من طاعة زوجها وإتيانها مايكره، وكذلك بالنسبة للزوج يدفعونه في متاهات الخيانة لزوجته بحجة اللهو والتجدد والتغير. ‏
خامساً: السماح لدخول رجل أجنبي أو امرأة أجنبية في حرم العلاقة الزوجية والبيت الزوجي. ‏
سادساً: الانفتاح المطلق وعدم مراعاة الموازين الشرعية في الاختلاط مع الرجل الأجنبي أو المرأة الأجنبية. ‏
سابعاً: تعدد منافذ الهدم والفساد وخاصة في مجال الفضائيات والانترنت، والعمل للاحتراز منها. ‏
الخيانة الالكترونية ‏
ربما يحسب البعض أن التحدث مع الرجل الأجنبي أو المرأة الأجنبية عبر الانترنت وتبادل الرسائل الالكترونية الغرامية، والصور الفوتوغرافية، وغيرهما مما يعارض الدين، ليس بخيانة. ونسي هؤلاء أن أول مرحلة للخيانة، هي خيانة النفس وظلمها وليس من فرق كبير بين كتمان الجريرة أو إعلانها، بل إن من يستتر بالقبح ويخفي الذنب لهو قادر على إظهاره في وقت آخر والتجاهر به بعد أن يصل حدا لا يستطيع التكتم عليه أو إخفاءه. ‏
وقد غاب عن أسماع هؤلاء قوله تعالى: إن تخفوا مافي أنفسكم أو تبدوه يحاسبكم به الله. ‏
بل تناسوا أن الخطيئة خطيئة وإن بقيت طي الكتمان ،وأن الجريمة والخيانة سيئة وإن تستر وراءها صاحبها بمختلف الأقنعة. ‏
علينا بالصدق والإخلاص ‏
وأخيراً فلندع هذه الكلمة (الخيانة) الصعبة على اللسان والثقيلة في الميزان جانباً ولنترك التحدث عنها وعن آثارها السيئة المدمرة لمشاعر الزوجين ومستقبل الأولاد وتزعزع كيان الأسرة وذهاب الثقة ونسف جسور المحبة، لنوجه حديثنا الى العلاقة الربانية المقدسة التي أراد الله سبحانه بها استمرار الصفاء والود والرحمة وذلك بالعمل الصادق المخلص وبناء أركان الأسرة على أساس الثقة المتبادلة والمشاعر الطيبة ولنتمتع بما رزقنا الله من الحلال الطيب ولنترك كل ماهو حرام نتن.