لقاء مع الفنان خيرو عباس

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 9 سنة 50 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 23/08/2006

الفنان خيرو عباس من الفنانين القديرين في الوسط الكردي.

أصدر العديد من الأعمال الفنية وأطرب جمهوره بصوته العذب من كل حدب وصوب.

فجر بعمله الفني المصور، الذي يغني فيها على أولئك الأطفال الذين أحرقتهم السلطة الناصرية في سينما عامودا عام 1960م. هذا العمل الفني يمتاز في الكثير من الجوانب؛ حيث يعيد إلى أذهاننا ما قام به المقتسم من إبادة لجيل كردي متمثل في أطفال لا تتجاوز أعمارهم عمر الزهور.

مهما يكن خصم المرء مسيئا له لا يسمح له ضميره أن يعاقب أطفاله بأي شيء فما بالكم بالقتل. فالأطفال لا يحملون أي حقد أ وضغينة أو سوء نية تجاه الكبير. كل ما يهم الطفل هو اللعب واللهو والتمتع بجمال الطبيعة لا أكثر من ذلك. عدا هذا فهو ضعيف أمام جبروت البالغ ولا تساعده مداركه الذهنية لإساءة الراشدين. فكيف يجيز الضمير لنا أن ننتقم من الأطفال جزاء على فعلِ آبائهم؟ هذه الفعلة محرمة ضميريا في جميع المجتمعات البشرية البدائية منها والعصرية. إلا أن مقتسمي كردستان على مر الزمن كانوا مستثنين من هذا المتعارف الإنساني تجاه الأطفال. يذكرنا تاريخ الكرد بما قام به مقتسمو كردستان بقتل أطفال الكرد، بل وحتى دوابهم. بالرغم من انضواء هذا المقتسم تحت لواء ديانة يشاركهم فيها الكرد وتتسم هذه الديانة بعدم مس العابد في صومعته والفلاح الحارث لأرضه، وكذلك عدم قطع الشجرة وقتل المواشي وغيرها من هذه المحرمات أثناء الحرب. عندما نلاحظ من هذا المقتسم خرقه الأعراف البشرية وسحقه للأوامر الدينية تحت الأقدام انتقاما لمن يعتبره خصما له، لا يسعنا سوى أن نرى فيه الشراهة والعطش لإراقة الدماء إن كانت الضحايا أبرياء أم لم يكونوا.

هنا يذكرنا الفنان القديرخيرو عباس هذه المأساة التي مضى على حدوثها ما يقارب من نصف قرن من الزمن. مبادرة كهذه يزيد من جذوة النضال الكردي في سبيل الحرية والعدالة. هذه بادرة انفرد بها فنانا القدير بامتياز.

وجدنا أن نكون من الأوائل الذين يجرون معه لقاء بهذه المناسبة. دون الدخول في أسئلة خارج هذا النطاق. فلبى فنانا طلبنا هذا وخصص جزءا من وقته لكي يجيب عن أسئلتنا. نشكره سلفا على إتاحة هذا اللقاء لنا.

الأستاذ خيروعباس، عمركم الفني ليس جديدا على الساحة الكردستانية، وحادثة حرق سينما عامودا قد وقع قبل أن تولدوا. ألم تفكروا بعد أن تربعتم على عرش القمة في الغناء بإصدار عمل فني على تلك الواقعة؟

ج- منذ فترة طويلة وأنا أتحين الفرصة لإصدار عملي الفني الخاص بتلك الإبادة. ولكني وجدت أن العالم منشغل بقضايا غير القضية الكردية، أي أن القضية الكردية لم تكن ساخنة حين فكرت فيه. والآن أرى الكرد وقضيتهم يحظيان بالاهتمام العالمي. فحققت أمنيتي تلك بإصدار هذا العمل. أظن أن الوقت ملائم ليصب هذا أيضا في صالح قضية شعبنا.

هل هذه المبادرة كانت من بنات أفكاركم أم أن شخصا ما قد أشار إليكم بذلك؟

ج- كما قلتم لكم كنت أتحين الفرصة منذ وقت طويل جدا، وهذا يعني بأن الفكرة لم تكن لأحد. ولدي أمثال هذه الفكرة؛ ولكني انتظر اللحظة الملائمة لأقدمها للجمهور الكريم.

لمن كلمات الأغنية، أقصد هل كلماتها من تأليفكم؟

ج- كلمات هذا العمل الفني لـ"ملايي تيريز". حين فكرت فيه لأول مرة كانت لدي الكلمات وقد طلبت تلك من أحد المعارف فألف لي في ذلك عبارات برأي كانت جيدة. غير أني عدلت عنها إلى كلمات "ملايي تيريز" تخليدا له، لما قدمه من قصائد في هذا المجال. كما تعلمون وقد غنى له العديد من الفنانين الكرد، فرأيت من الاعتراف بالجميل أن تكون كلمات عملي هذا من قصائده.

كم من الوقت استغرق حتى أنجزتم عملكم هذا، وأين تم إخراجه؟

ج- أخذ مني هذا ما يزيد عن أربعة أشهر. فالمسألة بالنسبة لي لم تكن مسألة الوقت؛ وإنما مشكلة التنقل من مكان إقامتي إلى الستوديو، والذي لم يكن في أوربا حيث أسكن.

أما بالنسبة أين تم إنتاجه. في البداية قررت إنتاجه في أوربا، ولكن لغلاء التكاليف التي كانت خارجا عن إمكانياتي المادية وجدت من الأفضل أن يكون في اسطنبول؛ حيث أقل تكلفة من أوربا. فاستقر قراري على إنتاجه هناك.

عذرا على هذا السؤال: هل كان الدافع وراء ذلك مقاصد مادية أو المزيد من الشهرة؟

ج- ربما تظنون أن الفنانين الكرد هم كغيرهم من الفنانين في دول العالم. فالفنان الكردي يصرف وقته وجهده وماله دون أن يحصل ما يرفعه ماديا إلى مستوى الفنانين في الدول الأخرى. ما نقوم به نحن الفنانين هو خدمة القضية في حين ما نحصل عليه من الجانب المادي بالكاد يوفي مصاريف الإنتاج والمعيشة. أما بخصوص الشهرة. لقد ذكرتم في البداية بأنني قد تربعت على عرش الشهرة وبعدها قمت بهذا الإنتاج. فعد إلى سؤالك الأول وخذ منه الجواب.

هل أقبلت الفضائيات الكردية على اقتنائه؟

ج- نعم أقبلت الفضائيات الكردية على اقتنائه وبثته عبر قنواتها.

هل لديكم مشروع بإصدار أمثال هذه الأعمال الفنية في المستقبل؟

ج- كما ذكرت لكم لدي الكثير من هذه المشاريع؛ ولكني انتظر اللحظة المؤاتية. برأي يجب أن يصدر العمل الفني متوافقا مع الجو القائم. لأننا نحن الكرد لا زلنا نناضل من أجل كيان لنا، فيجب علينا نحن الفانين قبل غيرنا أن نكون النار التي تحرك مشاعر الكرد من أقصى كردستان إلى أقصاها. لذا فصدور الأعمال من دون الوقت الملائم، لن يؤثر أكثر من وقع اللحن في نفس المرء. فواجبنا ليس فقط استمتاع سمع الجمهور الكريم ونظره؛ وإنما دفعه نحو العمل الفعال من أجل قضيته.

إنتاجكم هذا هو خدمة قومية كبيرة، برأي، ألا ينعكس هذا سلبا عليكم من جهة المقتسمين لكردستان؟

ج- بلا شك له تأثيره عليّ؛ ولكني كما قلت أنا فنان كردي أعاني مع شعبي ووطني المعاناة القائمة، فلست مفضلا على غيري من أبناء شعبنا. وما أعانيه هو شيء طبيعي. ولكن المقتسم لا يمكنه أن يصد آذان الجمهور ولا أعينهم. فكل بيت فيه جهاز لتشغيل الأسطوانات على اختلاف أنواعها. ومن ضمنها أسطوانات أعمالي الفنية. أما بخصوص منعه من إقامة الحفلات في الأجزاء المدارة من قبله لا بد أن يبذل جهوده من أجل عدم إقامتها. غير أن الموسيقى واللحن لا يعرفان الحدود والقيود. فليس الكردي وحده يستسيغ أعمالي الفنية فالكثير من أبناء المقتسمين يحضرون حفلاتي ويقتنون أعمالي الفنية.

لماذا اقتصر عملكم الفني هذا على الرمزية دون غيرها، مثلا أن تكون البداية بمناظر طبيعة خلابة وفيها الأطفال يمرحون ويلعبون؟

ج- هل تستمع إلى الموسيقى الكردية، أقصد تلك الموسيقى التي تنحدر من الستينات من القرن الفائت؟ غالبية كلماتها وتعابيرها رمزية. ولا زالت الرمزية سائدة في الوسط الموسيقي الكردي. أنصحك بالعودة إلى الموسيقى الكردية من الستينات وإلى الآن ثم اطرح عليّ هذا السؤال من جديد.

طالما المسألة هي حرق سينما، ألم يكن جديرا أن يرى المشاهد الأطفال فيها وهم يشاهدون فلما من أفلام الكرتون، مثلا، وبعده مناظر الحرق واشتعال النيران؟

ج- ما تتصوره هو أن يكون هذا العمل عبارة عن فيلم سينمائي ترافقه أغنية! عملي هذا لم يخرج من طور الأعمال الفنية للفنانين الكرد. من جهة أخرى فالعمل بظلاله وسواد الملابس وصمت المتصورين وتعابير وجهوهم وأصوات البكاء وكلمات الأغنية كلها تجهر بالموضوع وبمأساته. إذا أنت ترى أن ذلك كله عبارة عن رمزية مبهمة فلا يسعني سوى أن أقول بأن من هاتفني وراسلني لم ير سوى المعبر فيه وهو خير ما صور تلك المأساة. علاوة على هذا تلقيت الكثير من المكالمات والمراسلات من غير الكرد وذوي درجات علمية رفيعة ومنهم من يشغلون مناصب رفيعة المستوى وعداهم، فقد أعجبوا بهذا العمل كثيرا. هذا يعنى أن ما أنتجته لم يقتصر على ذوق الكردي وحده، بل تجاوز حدود كردستان وشرق الأوسط إلى أوربا والأميركيتين. حاول أن تعيد الاستماع إليه من جديد لكي تجد فيه ما تسألني هنا.

ألستم توافقون معي أن الشعب الكردي يحب البساطة والوضوح في الأمور أي أنه لا يحبذ الرمزية كثيرا، لماذا لم يكن العمل الفني على هذا المنوال علما أنه خاص بالكرد قبل غيره؟

ج- أخي الكريم أوافقكم بأن الكردي يحبذ البساطة؛ ولكن ما تراه في عملي هذا لا يحمل تلك الرمزية التي تصورها لي في سؤالك السابق وسؤالك هذا؛ ربما تقصد أنه كان يجب أن يكون هذا العمل الفني لأولئك الكرد الذين قضوا نحبهم قبل قرن من الزمن. أنا شخصيا أرى الكردي اليوم مختلف كليا عن الكردي في أوائل القرن الفائت. وهذه الموسيقى لهذا الكردي وليس لمن عاش قبل قرنين من الزمن.

برأي الموسيقى والأداء رائعين؛ أرى أن العتمة والظلال في العمل الفني قد طغيا بشكل زائد عن اللزوم، ماذا تقولون في ذلك؟

ج- سيدي هل تريد من عمل فني يبحث موضوعا مأسويا وهو حرق أطفال بعمر الزهور أن يبدأ بالأهازيج والزغاريد كما هو الحال في الأعراس والأفراح؟ فالموضوع هو موضوع مأساة جيل لاقى حتفه حرقا. لقد توشح كل الكرد حينها بالسواد. هل سمعت أحدا من الكرد يلبس أحلى حلته ويتزين بأحلى ما لديه ليوحي أنه لبس للأفراح أو الأعراس وليس لمناسبات كهذه. إن ما عبرت عنه بعملي الفني هذا هو ضمن المتعارف عليه لدى الكرد. لن تخسروا شيئا إذا استشرتم غيري من الكرد عن لباسهم وشعورهم في مناسبات كهذه.

ما رأيكم، لو أن العبارات أفصحت بشكل أوضح عن سبب الحرق؟

ج- اعتقد أن عبارات العمل لا يشوبها أي غموض. فهي تتحدث عن مقبرة المدينة وعن الزيارة لها وغيرها من هذه التعابير والاستعارات والتشابيه البلاغية. ليس فيه أي لبس أو غموض.

في ختام لقائنا هذا، هل لديكم ما تقولونه للقراء الكرام؟

أولا أشكر الجميع وأقدم لهم امتناني على استحسانهم لعلمي هذا

أكرر لكم شكري على إتاحة هذه الفرصة. وأتمنى لكم المزيد من النجاح.

أجرى المقابلة فريدون شلال

Kurdnas.com