آصرة العجز والافتقار
تعددت الأواصر في هذا الوجود فثمّ، آصرة الأبوة وهي التي تربط بين الوالد والولد، وآصرة الأخوة التي تربط بين الأخ وأخيه، وآصرة النسب التي تربط بين ذوي الأرحام، وأبناء العشيرة والقبيلة، وآصرة النوع التي تجمع بين أفراد نوع من أنواع الكائنات.
وثمّ أواصر فكرية واعتقادية تربط بين مجموعات بشرية مختلفة، كآصرة الدين، وأواصر الأيديولوجيات التي تعج بها الكرة الأرضية .
ولكن الآصرة التي تجمع بين جميع الخلائق في الوجود هي آصرة العجز والافتقار، فالإنسان الذي يأتي في أعلى منزلة بين المخلوقات التي نعرفها عاجز لا يملك أي قوة ذاتية، ومفتقر إلى الله تبارك وتعالى الذي يمسكه من الزوال والفناء، ويعتنى به ويربيه، ويعلمه ويقويه، ويؤتيه من الأسباب ما يقوى به على عمارة هذه الأرض التي استعمره فيها، وكذلك بقية المخلوقات كلها مفتقرة إلى الله تبارك وتعالى للاستمرار في الوجود وعدم الاندثار والتلاشي ..
إن الإحساس بآصرة العجز والافتقار نحو بني البشر وغيرهم من المخلوقات في الوجود مبدأ أساس للعبودية لله عز وجل، وبه يشعر العبد بالتساوي مع كل المخلوقات، فهو عاجز مثلهم مفتقر لمدد الله وقوته وقدرته التي لا حدود لها.. فلا مكان عندئذ لطغيان واستعلاء، وكيف يطغى من يدرك كل الإدراك أن ما به من قوة وجاه وسلطان يمكن أن يزول في طرفة عين، وأن حياته نفسها يمكن أن تخمد وهو في أوج غلوائه وتعاليه، فلا يغني عنه الشعور بالاستعلاء شيئا، ولا يدفع عنه ضرا، ولا يجلب له نفعا إلا أن يشاء الله..واقرؤوا معي إن شئتم قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
فأعتى الأعتياء وأمرد المردة وأطغى الطغاة يتساوون في الضعف مع الذبابة التي نحسبها في غاية الضعف
فلنستشعر هذه الآصرة بعمق مع كل الخلائق في الوجود لننعم بلذة العبودية الحقيقية لله تبارك وتعالى.. عندئذ تخشع النفس وتذل في محراب الخضوع لله ، وتدمع العين من خشية الله، ويلهج اللسان بذكر الله:
اللهم لا إله إلا أنت وكل ما في الوجود عبد لك ، ما بنا من قوة فمنك، وما لنا من علم فمنك، وما لنا من جاه فمنك، وما لنا من سلطان فمنك، وما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، أنت الغني ونحن الفقراء، وأنت الحي الباقي ونحن للموت والفناء، فارحمنا يا أرحم الراحمين.
أتيت بأعظم الأمور حقيقة ، و انت أخانا الفاضل قد بينت خافية
قد تكون مبهمة من قبل ذوي الألباب المغلقه إلا عن هوى هو سائر اليه ..
و من هم نحو إعمال العقل راحلون ، لا شك لا يخفى على كل ذي لب أن الإنسان ما هو في المحصله سوى عبد تلقاء حتمية الفناء مأله ..
و نحو عظيم إعجازه صاغر ,,, و هو راضخ الجيد ، ذليل الهامة ، قليل الحيله ، لا يملك من أمر حياته ناهيك عن مماته إلا ان يتغمده الله بواسع رحمته ...
كيف لعبد لم يخلُق من تلقاء ذاته إنما أحدثه الله جلا شأنه ، و قد كرمه ، و كلفه إعمار الأرض أن يسهى عن حقيقة نشوئه ، و يتطاول بقامته شأوَ ان ينطح الجبال ، و مقدار أن يتمادى الى الثُريا ...
و هو من هو :
حكي أن مطرف بن عبد الله بن الشخير نظر الى المهلب بن أبي صُفر’ و عليه حلة يسحبها ، و يمشي الُخيلاء ، فقال : يا أبا عبد الله ما هذه المشيه التي يبغضها الله ؟
فقال المهلب : أما تعرفني ؟ قال : بلى أعرفك : أولك نطفة مذره و آخرك جيفة قذره ، و حشوك فيما بين ذلك نتن و عذره ...؟!
حقاً كيف نغض الطرف عن حقيقة فرعون وهو الذي خنع لله من بعد أن رأى آيات ربه الكبرى : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ...
و هل لنا أن نصرف النظر تلقاء مردة ، و نحو عُتاة غلاظ ، و التاريخ و ما وقتنا المعاصر بمنأى عنهم ، من إناس جبابره ، أتى أمر الله عليهم ، و هم الآن في خبر كان ؟!!
عجباً لأناس عُميت قلوبهم و اللب منهم زهى كبراً و عنجهيه ..
هلَّا وعوا أن مجرد جرثومه قد تنهي حياته ؟!
ألم يدركوا بأن شرقة من أمرها ان تقضي على روحه ..!!
أم انها النخوة التي تضعه في سرمد حياة و نحو سيرورة عمر ..
إعلم أيها الذي غاب عنك مآل المصير : و الله : إن الله حق و الموت حق و القيامه لا محاله آتيه ، و لا شك وجود الدار الآخرة ، فإما فردوس ، و إما سعير أبعدنا الله و إياكم عنها مجرات و كواكب ..
............................................................... لنكن على يقين من ذلك ، و طوبى لمن وضع نصب عينيه قوة الله و هو ضعيف ، و ألف بشرى من فطن فقره حيال غنى ربه ، و يا سعادة قلبه من تذلل أمام كبرياء خالق هذا الكون و ما فيها ...!!
..................... اللهم لك العظمة و نحن عبيدك ، إتكالنا عليك ، و خُطانا و نحن نسير بفضلك ، نتنفس من جراء عنايتك بنا ، لولا لطفك و انت الحافظ ، هل نملك من أمرنا شيئ و أنت الراعي ، حتى النبضه أنت منسقها ...
جل عُلاك ، و لك العتبى حتى ترضى ، و لك المنه حتى تربو حيال عميم رحمتك ....
......................... جُزيت أخي القدير : د بهاء على ما ذكرت من أمر قد يسهى عنه الكثيرين ...
و لك الشكر كله و انت صاحب فضل ................
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة دكتور بهاء
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا على هذه المقالة القيمة والمفيدة وجعلها الله في ميزان حسناتكم .
واسمح لي بهذه الاضافة :
افتقارنا الى الله سبحانه وتعالى هو بعدد نعمه علينا ففي كل نعمة انعم بها علينا نفتقر اليه ليحفظها لنا من الزوال .
نفتقر الى الله سبحانه وتعالى في كل احوالنا ونحتاج الى عونه في كل شؤوننا ... إننا مهما أوتينا في الحياة من مال او علم أو منصب او خبرات فنحن نفتقر اليه , نحتاج إلى كرمه...... وكل ما أوتينا من نعم ما هي إلا ذرة من كرم الكريم ومن عطاء الغني (يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد ) فاطر 15 .
نفتقر الى الله في خلقنا (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) الزمر 6.
نفتقر الى الله في بقائنا واستمرار حياتنا وهو القادر على ان يهلكنا وياتي بغيرنا ( وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) الانعام 33
نفتقر الى الله في هدايتنا وفي إسلامنا وإيماننا (قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين ) الحجرات 17
نفتقر الى الله لديمومة ايماننا وثباتنا على اسلامنا ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا ) ال عمران 3
نفتقر إلى الله في رزقنا فهو الذي يرزقنا وهو المنعم علينا ،و مهما بلغت قوتنا أو علت مكانتنا لا نستطيع ان نرزق أنفسنا ( وكأين من دآبة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) العنكبوت 60
نفتقرإلى الله في طعامنا وشرابنا وكسائنا وصحتنا وعلاجنا وفي كل شؤوننا, وفقرنا إلى الله تعالى دائم معنا ، ملازم لنا ، فكل حركاتنا وسكناتنا بتقدير الله تعالى وتدبيره .
يقول الامام ابن القيم رحمه الله ( ان في القلب وحشة لايلمها الا الاقبال على الله وان في القلب خوف وجزع لايزيله الا تعلق القلب بالله , وان في القلب خوف وهم لايزيله الا حسن الظن بالله ,.وان في القلب لفاقة لايزيلها الا الافتقار الي الله وصدق اللجوء الى الله ولو اعطى الله العبد كل اسباب الدنيا ماسددت هذه الفاقة ابدا"
فادراكنا حقيقة فقرنا لله تعالى ومعرفة ما له سبحانه من الفضل والمنة علينا يقودنا الى تعظيمه وذكره وشكره وحسن عبادته .
تحيتي لكم والسلام عليكم
.
السلام عليكم
حقيقة الافتقار الى الله تتجلى في جوانب كثيرة
فنحن عباد الرحمن نفتقرالى الله في جميع امورنا ومهما بلغنا مكانة وعلوا ومركزا نظل كما ذكرتم اخوتي فقراء الى الله نتضرع له في صلواتنا ونلجأ اليه في ابسط امورنا
حقيقة فطرية تلتجأ اليها انفسنا من تلقاء نفسها لصاحب اللب الذي فهم حقيقة الكون وعرف معنى وجوده فيها .....تنحني رؤوسنا في الصلاة تضرعا وافتقارا الى الله
حجنا الى بيت الله الحرام حيث تزول المراكز والالقاب وينزع عن جسده لباس الدنيا حاسر الرأس متقلب الوجه خاشع القلب ....افتقارا للخالق العظيم
نحن فقراء في الدنيا واغنياء بما اكرمنا الله به من الايمان والتفكر في عظمته جل جلاله
جزاك الله خيرا دكتور بهاء الدين على طرحك المفيد والرائع
د بهاء الدين ... الله يجزيك الخير على هاد الطرح الحلو .. والتذكير النافع .. والفكر اليافع ..
الله عليكم يا أخوة ..
إن أحلى ما في العبودية أن يعلم الإنسان حق العلم أنه يفتقر إلى ربه في غناه وفي فقره .
فيدعو ربه تضرعاً وخفية ...
في غناه وفي فقره ... (المادي) في أفراحه وفي أتراحه ...
وشكراً .. لكم يا أخوة ..
جوان، كل، روني دا، مم وزين، شاه كل..
أشكركم جميعا كلا باسمه الشكر الجم الجزيل، وقد زدتم بإضافاتكم المشرقة مقالي غنى ، وكملتم ما فيه من نقص، وسددتم ما فيه من ثغور، بارك الله في عطائكم، وسدد أقلامكم لتقديم ما فيه الخير لشعبنا وأمتنا.
مع التحية الطيبة والتقدير الكبير
فكرة جميلة حقا احسست بها بكل جوارحي لاني مررت بتجربة بينت لي ان الانسان حقا لا يستطيع الا الاعتماد على الله في بعض الشدائد ...
فصديقي مرض واخذناه الى اكبر المستشفيات المعروفة هنا في المانيا ظننا منا ان بيدهم السحر ويستطيعون ان يفعلوا ما يفعلوه ..
انها آصرة بين كل الكائنات ويستطيع المتأمل أن يراها بدقه ويستشعرها فيزداد ايمانا وحبا لله خالقه ..
دكتور بهاء لك جزيل الشكر