أبناء الجن / مارغريت كان

9 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 13 سنة 5 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 10/04/2007

أبناء الجن / مارغريت كان

مارغريت كان : منحت شهادة دكتورة عام 1976 بعد أن كتبت أطروحتها عن اللغة الكردية
وهي مؤلفة /مدخل عن الأكراد / في موسوعة هفرد للمجموعات العرقية
وأبناء الجن يقصد بهم الأكراد وقد يكون سبب التسمية لاختفاء الجن عن الأنظار وعزلة الأكراد الطويلة
في جبالهم واختفائهم في بطونها عن أنظار مهاجميهم ولعل هذا القاسم المشترك بين الجن والأكراد هو الذي
شد الأكراد إلى الجن شدهم إلى حد الألتصاق بل إلى حد الإنتساب 0
وفي كتاب أبناء الجن تتحدث مارغريت كان عن زيارتها لأجزاء من كردستان فدخلت حياتهم وفهمتها فذكرت
أكلهم و لبسهم وعاداتهم وتقاليدهم و ناقشت في ظاهرة تعدد الزوجات في تلك الفترة 0
شعرت وأنا أقرأ الكتاب بأني أدخل تلك البيوت وأحدث أهلها وعبرت مع مارغريت كان جبال كردستان
وسهولها وشربت من مياه كردستان العذبة 0

كتاب رائع 000 انصحكم بلإطلاع عليه 0

User offline. Last seen 13 سنة 30 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 01/07/2007

انا كمان قريت كتاب ابناء الجن لمارغريت كان بس احب نوه لنقطة هي انو مارغريت كان ما زارت اجزاء من كردستان ...................

مارغريت كان زارت المناطق الكردية بايران وكانت تعمل مع زوجها في مدرسة ابتدائية لتعليم اللغة الاجنبية من جهة ومن جهة اخرى كانت تكتب عن قصة حياتها وهي مغتربة بملئ ارادتها لتتعرف على الشعب الكردي في ايران والخلاصة كان كتاب ابناء الجن

سبااااااااااااااااااااااااااااااااس اختي هبة على طرحك لهذا الموضوع او بالاصح حديثك عن هذا الكتاب الرائع

.................hemaaaaaaaaaaaaaaaa.....................

User offline. Last seen 15 سنة 10 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 24/06/2007

الكتاب رائع جداً وقد قرائته عدة مرات هي قصة مليئة بالإثارة والحقائق التي يجب معرفها أنصح الجميع بقرائته
شكراً لك هبة على هذا الموضوع

User offline. Last seen 15 سنة 40 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 13/08/2006

تذكر مارغريت في مقدمة كتابها ...
أن النبي سليمان عليه السلام قام بنفي 500 من الأرواح السحرية خارج ملكه العظيم إلى جبال زاغروس و منها أنتقلوا إلى أوربا و اختاروا 500 عذراء جميلة ليتزوجوا بهن و ذهبوا إلى كورستان حيث استقروا فيها ..

ثم تستعرض بعضاً من تاريخهم ..

فتقول ( إن أغلبية القادة الأكراد كانوا يقبعون في جبالهم و مثل الأسياد الاسكتلنديين يقاتلون أعداءهم من الأكراد ناسين كلياً قضية وحدة الأكراد

مع شكري لاختيارك هبة

User offline. Last seen 13 سنة 11 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/04/2007

كل الشكر والتقديرلكي هبة لاطلاعنا على هذا الكتاب الرائع :)

واتنمى ان تطلعوا على هذا النص المأخوذ من كتاب "أبناء الجن: مذكرات عن الأكراد ووطنهم

أحب أن أصغيَ إلى لفظِ أصوات النساء الكرديات. لم أملَّ الاصغاء إلى الأسطوانات المسجلة لهذه الأصوات، حتى بعد أيام وأسابيعَ وشهورٍ من تكرارها. بل كنتُ أحنُّ إلى العودة إلى تلكم النسوة مالكات هذه الأصوات. كلما أصغيتُ إلى الأشرطة التي سجلتها في "ريزاي"، وفي القرى، كنتُ أدرك خاصية صوت المرأة الكردية المتسمة في صوت خفيض، يخرج من الحنجرة، وغنيّ، لايشبه مطلقاً ماتصفه عدة لغات بطبقة الصوت، والخاصية المثالية للصوت الأنثوي. ليس فيه مايُسمى بالصوت الخافت أو المرتفع؛ فالصوت ينبثق بكامل قوامه من الحنجرة. إنه ليس مثل الصوت الحادّ، ذي النّغم الرتيب للغة الفارسية، أو الشبيه بهمس الفتيات، لبعض النسوة الأمريكيات. إنها أصوات نساء، عرفن القساوة، فهذه الأصوات، تنطق عن الخبرة والسيطرة على الذات. إنهن يتحدثن عن حالات ولادة، حالات موت، عن الخرافات الممعنة في القِدَمِ، عن مجريات أحداثٍ حاليةٍ، وعن الزواج.

كنتُ قد أصغيتُ إلى الأسطوانة التي سجّلتها خديجة، وهي تصف يوم زفافها لـ "طه"، أحياناً كثيرة. ومع ذلك، كلما أصغيت إليها تمنيتُ لو أني هناك حالياً، أو لو أني كنتُ هناك في كلٍ من الماضي القريب، لمشهد التسجيل الذي حضرته، أو البعيد، لمشهد الزفاف، الذي لم أشهده أبداً. تُسمع من خلال التسجيل أصواتُ كاسات الشاي، وهمسات أولاد زينب الصغار في منزل "الحاج"، وهو المكان الذي جرى فيه التسجيل. ولكن خديجة هي التي تملأ الشريط بصوتها الصادح، الرائع، بضحكتها وارتباكها، عندما سُئلتْ عن يوم زفافها، وسعادتها لدى تذكر عظمته. فتبدأ خادمةُ خديجة بتصحيح خطأ سيدتها التي ذكرتْ بأنّ خمسين وساطة نقل، وصلت إلى القرية، عند بداية الأفراح، فتقول:

ـ مئة سيارة، وثلاثمئة ضيف.

تستمر الحفلة لمدة عشرة أيام بلياليها. وحسب أقوال خديجة وخادمتها وصِبيان صغار، لم يقمْ أحدٌ بأي عمل. بل كانوا يرقصون ويرقصون فحسب. سألتُ:

ـ هل الرجال والنساء يرقصون معاً؟ أم منفصلين؟

فأجابوا:

ـ بل يرقص الرجال والنساء معاً.

تنبثق في خيالي صورةٌ لصخبٍ رائعٍ. حيث يحلق هؤلاء الأكراد الذين لم أرهم، يغنون، أو يرقصون أبداً في لهوٍ معربدٍ عاصفٍ. تحضر العروس من قريتها، ويصعد العريس الشاب إلى سطح منزله، ويطلق النارَ من بندقيته، ليعلنَ عن وصولها. تقول الخادمة:

ـ تاك، تاك، تاك.

ولكن، انتظر، هناك ماسنضيفه إلى القصة، وهو ذو أهمية خاصة لخديجة. فقد اتضح أنها ليست جزءاً من الحفلة، بل إنها مسببتها فحسب. لقد أحضرت مغطاةً بخمار أحمرَ من مسافة عدة كيلومترات من منزل والديها، في الجبال الواقعة قرب الحدود العراقية، إلى قرية الحاج إسماعيل. وكالعادة، بكى والداها بمرارة، لأن ابنتهما أخذت منهما، ولم يحضرا زفافها. وكانت خديجة نفسها تبكي. لم تكن قد رأت طه أبداً، إلا في صورة له فحسب، ومع هذا، فقد خطبت للولد الأكبر للحاج العظيم، لأن أحد أقاربها، كان قد تزوج من فتاة من عائلة الحاج من قبل.

تفتخر خديجة أنها لم ترَ طه أبداً قبل أن تحضرَ إلى القرية، وهي فخورة بالآلاف المؤلفة من الدولارات التي منحتها إياها مريم، وذلك وفق التقليد الديني المؤدى أمام الملا، وهذه النقود لابدّ من إعادتها، إذا حُلَّتْ رابطةُ الزواج، والمعتبرة أيضا كمَهْرٍ لها. وقد دفع لوالدها، حيث يمثل ثمن إطعام الفتاة، إلى أن تبلغَ السن المناسب للزواج. كان الخوف والألم اللذان تجشمت خديجة عناءهما لدى أخذها معصوبة العينين، وتسليمها لرجل غريب، لتمنح نفسها له في قرية لم ترها من قبل أبداً، قد تناسبا مع الفخامة التي رافقت ذلك. كان مهر العروس ضخماً، والضيف كان يعدّ من المرموقين، والعائلة التي كانت سيتزوج أحد أفرادها، هي عائلة عريقة وقوية، وقد اكتشفتُ في وقت لاحق فقط، أنها كانت عائلة معادية، وأن خديجة، وعلى نحو مغاير عن فتيات كرديات عديدات، لم تتزوج من ابن عمها. وبدلاً من ذلك، فقد تزوجتْ من وريث عشيرة كبيرة، كانت في حرب طاحنة مع عشيرتها، وذلك، عندما كانت، لاتزال صغيرة، قبل مايقارب من عشر سنوات. لِمَ كانت خديجة سعيدة لهذه الدرجة، وهي محاطة بأناس لم تعرفهم من قبل أبداً؟ كانت قد أقحمت رسمياً، ولكن على نحو مفاجىء، في وسط محيط غريب، لتقوم بخدمة حماة، ولتسعد زوجاً لم تختره أبداً.

تعجبتُ كثيراً لامتلاء خديجة بالحيوية، وتحررها من الارتباك، وسط جميع هؤلاء الناس الذين كان من الممكن أن يفزعوها. مما لاريب فيه، أن خديجة كانت دمثة، حسنة العشرة، وهادئة في بدء تعاملها معهم. إضافة إلى ذلك، كانت قد أنشئت وفق تربية، لاتتوقع فيها غير الزواج بهذه الطريقة. ولكن ثمت سبب ثالث لموافقة خديجة، وهو الأكثر أهمية، فهي الآن تقيم في "ريزاي"، محاطة بكل وسائل الراحة ولهو حياة المدينة التي كانت تحلم بها وهي في القرية. لم يكن يعني لها الكثير أن الثلاّجة في منزل الحاج إسماعيل معطوبة دائماً، فهناك مخازن ممتلئة بالأغذية، تقع على بعد خطوات فقط من بابها الأمامي. من يهتم إذا كانت المصابيح العارية المعلقة في سقف كل حجرة، مجرد مصابيح رديئة، ذات أضواء خافتة، وبقوة أربعين واطاً فقط؟ إن الفرق بين المصابيح الزيتية والكهربائية، جعل أية قوة كهربائية معجزة. فبالنسبة لخديجة، لم تعد هناك مطابخُ معتمة ومكسوة بالسخام، وقدور فوق النار تجثم عندها. لم يعد هناك مزيد من الغبار والحشرات، والأهم من كل ذلك، أنها تخلصت من معاناة العزلة.

ربما كان التشابه الذي بيني وبين خديجة، نتيجةً لحقيقة أن تلك السنة كانت خاصة لكلينا. فقد كانت بالنسبة لي تحقيق حلم استغرق سنوات من الاعداد له. وبالنسبة لخديجة، كانت فرصة للعيش في المدينة. ولم تكن خاصية السنة حقيقة زواجنا الحديث، بل بالأحرى، الحياة التي ترتبت عليه. فقد منحني زواجي، جوازَ سفر إلى زاوية نائية من أرض بعيدة، كنتُ سأغامر بالمجيء إليها وحدي.

أما زواج خديجة، فقد شكّل لها إنقاذاً مؤقتاً من القرية التي لم تعرف غيرها. لقد كانت هذه سنة الحرية والاستكشاف وممارسة السلطة في منزل محتشد بالأطفال وبالزوّار القرويين؛ وبالنسبة لخديجة، كانت هذه هي السنة التي ذهبت فيها إلى السينما المحلية، لمشاهدة أفلام هندية، وتحدثت فيها من خلال النوافذ مع جاراتها، وذهبتْ إلى الحمامات العامة، وتنقلت في الريف مع الأمريكان. لم أعرف، كيف وبأية سرعة، سيمضي هذا الوقت بالنسبة لها؟ وماالذي هربتْ منه في الماضي؟ وماذا ستواجه في المستقبل؟ وهي أيضاً فترة كانت فيها قراراتها نافذة المفعول. لقد كانت بالنسبة لكلتينا مغامرةً وتحدياً.

كنتُ أقضي معظمَ وقتي مع خديجة في حجرة الجلوس، أو حجرة النوم التي كانت هي وطه يتقاسمانها في الطابق الثاني من منزل الحاج إسماعيل. كانت حجرة النوم، تلك الحجرة البهية المكتظة بألوان قوس قزح، التي جلستُ فيها لأول مرة مع نساء الحاج إسماعيل، تخص خديجة. كانت قد زينتها بِرقة، ونسجتِ المناديل الملونة التي تغطي كل واجهة، وقد أهديت إليها صوراً نسيجية مزدانة بالرسوم، حيث علّقتها على الحائط.

ومن حسن حظ الكثير من سكان هذا المنزل، ومنازل كردية أخرى، أن سكان المدينة كانوا يتدفقون باتجاه القرية، كلما أصبح الجو أكثر دفئاً. وقد شعرتُ بالسعادة، لأن خديجة كانت تقضي فترة الصيف في المدينة. كان لايزال زوجها ذو الأربع والعشرين سنة طالباً. وكان قد وفّر لنفسه عملاً صيفياً في ريزاي، وعندما غادرتْ زينب مع الأطفال، وانشغل الحاج إسماعيل أكثر بمحاصيله الزراعية، بقيتْ خديجة في منزل شارع بهلوي، وتقوم أسماء بخدمتها. كنا ثلاثتنا، نجلس ونتحدث ونشرب الشاي. كانت خديجة تتحدث معي بعفوية وتلقائية، كما لو أنها تعرفني منذ سنوات عديدة. وكان واضحاً أنه لايمكن لأي موضوع أن يزعجها. تحدثتْ عن تحديد النسل، وعن حقيقة أنها وطه قررا ألاّ ينجبا طفلاً مباشرة، لأنه لم ينهِ بعد دراسته. بالرغم من أن العديد من أفراد العائلة كانوا يضغطون عليهما لإنجاب طفل حسب التقاليد. سألتني بخبث، وهي تتحدث عن الجنس:

ـ مارغريت، كم مرة في الأسبوع تستحمين؟

فأجبتُ على نحو لم أشكَّ فيه بشيء:

ـ لاأعرف، مرة أو مرتين.

فقالت، وقد بدا عليها المكر والعبث:

ـ أمّا أنا، فأستحم يومياً.

انتابتني حيرة لذلك، لأنني نسيتُ ما أخبرني به رفاقي في فرقة السلام في مهاباد. فقد كانوا يذهبون إلى الحمام العام في المدينة، بسبب عدم وجود حمام في منزلهم. وبعد فترة قصيرة، عرفوا أن العامة المحليين، كانوا يهتمون على نحو غير عادي بعدد المرات التي يذهب فيها الأمريكان إلى الحمامات.

أخبرتني خديجة عمّا كانوا قد تعلّموه، فقالت:

ـ علينا أن نأخذ حماماً في كل مرة نقترب فيها من أزواجنا.

كانت ابتسامتها عريضة، لدرجة أنها تراءت كما لو أنها تكذّب تعبيراتها عن المواقف التي عرفتُ أنه من المفروض أن تتخذها.

اقترحتْ خديجة أن نذهب جميعاً إلى البازار في أحد الأيام التي زارتنا فيها امرأة من القرية. ولشعوري بالابتهاج للخروج من المنزل، وافقتُ على مرافقتهما في حملة تسويق، كي تشتري المرأةُ الريفية بعض الأحذية. عدّلت المرأتان الكرديتان سترتيهما أمام المرآة، بينما كنتُ أنتظر مستعدة مسبقاً للخروج إلى الشارع ببنطالي القطني الأصفر المضلّع المتناسب مع سترة صفراء ذات ياقة عالية. لم نصادفْ في الخارج سياراتِ أجرة، لذلك شرعنا بالمشي، لكن خديجة بدأت تقلقني، قائلة بأني سأتعب كثيراً. أكّدتُ لها أني لن أتعبَ، ولكنها استمرّتْ في القلق. واكتشفتُ حالاً حقيقة المسألة، إنها نفس مسألة اليوم الثالث حين تخلتْ فيه "نازي" عني. كان جميع الرجال الذين نمرّ بهم، يرمقونني بنظرات غرامية، ويضاقونني بأسئلة مزعجة، وشعرتِ المرأتان الكرديتان بالانزعاج، بسبب اعتيادهما على لامبالاة الآخرين بسبب أغطيتهن. ولكنهما لم تتخليا عني. أسرعنا في خطانا أكثر فأكثر، لذلك، وصلنا البازار في زمن قصير جداً. كانت خديجة طوال الطريق، تنقّل نظرها من جانبٍ إلى آخر، وهي مستاءة، وتصدر التعليقات عن كيفية تحديق الرجال فيَّ.

ازداد الانتباه الموجّه نحو المرأتين الكرديتين المغطاتين والمرأة الأجنبية المكسوة بالأصفر وشعرها السافر، داخل البازار ذي السقف المقنطر. احتشد الناس حولنا، ليحدّقوا فينا، ويحاول البائعون زجرهم عن ذلك. قدّرتْ خديجةُ حجمَ الموقف بلمحة ذكية. ألقينا نظرات عابرة، وأصرت خديجة أن تشتري لي قفاز حمّام، كذكرى عن هذه المناسبة. ومن ثم، قادتنا خديجة إلى سيارة أجرة منتظرة؛ وبعد ذلك بأيامٍ علقتْ على حقيقة أن: "كل الرجال في الطريق كانوا يحدقون في مارغريت". لكن هذا التعليق كان مثار تساؤل، أكثر منه استهجاناً.

كانت حرية خديجة نسبية ومحدودة جداً مقارنة مع الحرية التي تتمتع بها النساء الغربيات. فقد كانت تتصرف بموجب ضغوط وقيود قاسية. فهي لم تكن تخرج دون مرافقة خاصة معها، ودون حجة مقنعة. لم أربط أبداً بين ذهاب وإياب الحاج، وقيام خديجة بالزيارات، ولكن مما لاشك فيه، أن زياراتها لمنزلي، كانت تتوافق مع غيابه. وعلى أية حال، فقد سرني كثيراً أنها أخذتْ تدعو نفسها لمنزلي. كانت أحياناً تهتف لي مسبقاً، وعادة حوالي السادسة صباحاً، حيث كانت ساعتها المفضلة، لتهتف لي فيها. وأحياناً تحضر مع أي من الحاضرين في منزل الحاج في اليوم الذي تزورني فيه. كانت خديجة تأخذ راحتها تماماً لدى حضور زوجي، أو أي مخلوق لايؤمن جانبه في منزل المرأة الأجنبية، بينما خادمتها أسماء، كانت تبدو عصبية، فقد كانت تلف سترتها، وتشدها حول نفسها أكثر مما تفعله، عندما تكون في الشارع، بينما كانت خديجة تدع خمارها ينزلق. ولكن أسماء لم تكن متزوجة بعد، بينما كان عفاف خديجة قد بيع مرة، وللأبد.

رافقت أخت خديجة "كلنام" الفاتنة، ذات الخمس سنوات أختها إلى حفلات الشاي هذه في منزلي، فترة من الزمن. وقد أخبرتني خديجة أن عائلتها قد أرسلت كلنام من القرية، لتبقى برفقتها في المدينة. كانوا قلقين بسبب أختهم الكبرى المعتادة على أن تكون محاطة بالعائلة، أو بأناسٍ آخرين من القرية، وكانوا يخشون أن تهزل صحتها بسبب الفراغ الصيفي الذي يمكن أن تعانيه في منزل الحاج إسماعيل في المدينة. سألتُ خديجة عمّا إذا كان والداها، قد زاراها، فأجابت بالنفي، فلكونها عروساً جديدة، لم يكن يسمح لها بالعودة إلى قريتها ورؤية والديها، إلا بعد سنة على الأقل، وبعد أن ينعمَ عليها زوجها بالموافقة على قيامها بزيارة العودة. وبدون هذه الموافقة، يمكن أن تقضيَ بقية حياتها، دون الذهاب إلى منزل والديها ثانية.

لأنني أصبحتُ أقضي الكثير من الوقت مع خديجة، فقد التقيتُ مصادفة مع زوجها طه، الذي كان يبدو في مزاج رائق معظم الوقت، مثل خديجة تماماً. بعد مجادلتي مع الحاج إسماعيل، ورفضه السماح لي بأخذ نسائه في رحلة، طلبتُ ذلك من طه رسمياً أن يأذن لي بأخذ زوجته إلى أماكن شتى. وافق مباشرة، وهو يقلد طريقتي الرسمية، وبريق يلمع في عينيه. كان طه مثل والده ساحراً، ولكن تنقصه قوة أعصاب والده وتزمته المحافظ. وأظنّ أن حياة طه سهلة، مقارنة مع حياة الحاج إسماعيل، بالرغم من أن الراحة لم تكن تعني كل شيء مع والد متقلب المزاج مثل الحاج إسماعيل، حيث اكتشفتُ فيه هذه الصفة مؤخراً. كان طه لايزال يتمتع بامتيازات عديدة كونه الابن الأكبر. فقد أُنفِقَتْ ثروةٌ للحصول على عروس له. كانت له ولخديجة غرفة نوم خاصة، حيث لا يحق لأحد سوى طه والحاج الكبير، أن يتباهيا بسريرين قابلين للنقل في هذا المنزل. إن مشكلة طه الوحيدة هي في كيفية بروزه، وكيفية أن يصبح قوياً. فهو لايزال طالباً في الكلية بسبب الخدمة العسكرية، والتأخر في الذهاب إلى المدرسة. ولكن حتى لو لم يكن طالباً، فقد بدا أنه قد انعدمت لديه الوسيلة في المجتمع الكردي، ليحرر نفسه من والديه.

عندما توقفنا أنا وجيرد عن العمل أخيراً، اشترينا سيارة جديدة خاصة بنا، إيرانية الصنع، ذهبنا إلى منزل الحاج إسماعيل لنحتفي بها. كنا نعرف أن من رغبات طه الملحة هي اقتناء سيارة خاصة به. وقد نزل مباشرة ليتفحصها، ويبدي إعجابه بها. بينما كانت خديجة تبتسم، وهي واقفة أمام مدخل الباب. منذ ذلك الحين، شرعت خديجة بالتخطيط للأمكنة التي سنذهب إليها في نهاية كل أسبوع.

كانت رحلتنا الأولى إلى وادٍ يقع جنوب ريزاي، حيث يقوم الناس الذين لايميلون إلى الاحتشاد، أو التجمع برحلاتهم، إليه. اقترحنا أنا وجيرد القيام بالرحلة، وجهزنا السيارة، بينما عرضت خديجة وطه مرافقتهما لنا. كان هذا أول اختبار لنا في تسلية أصدقائنا الأكراد، وبأسف أقول أننا فشلنا.

فالخطأ الأول الذي ارتكبناه هو أننا تصورنا أن خديجة وطه وحدهما سيأتيان، لأننا دعوناهما وحدهما. كنا قد تبادلنا الآراء حول الرحلة على أنها مؤلفة من أربعة أشخاص، ولكن عندما أتى صباح يوم الجمعة، صعد أخو خديجة إلى سيارتنا، وكان طالباً في الثانوية، ولم أكن أستسيغه أبداً، جاعلاً المقعد الخلفي المريح يعجّ بالازدحام، مما تسبب في جعل المحرك يشدّ إلى أقصى مدى، وبقوة في المنحدرات الجبلية التي كنا نجتازها.

خطأي الثاني كان مرتبطاً بالأول، فقد اشترينا سندويتشات كافية ومشروبات غير مسكرة لأربعة أشخاص فقط، ليس أكثر. لم نقدّر الدرس الذي تعلمناه من كل تلك الطاولات التي تئنّ تحت ثقل الأطعمة التي شاهدناها في حفلات الغداء الإيرانية، فلا أحد من الذين يستحقون لقب المضيف، يقدم مقدار الطعام الكافي واللازم لعدد الضيوف المدعوين. فليس من المناسب أن تقدم ضعفي أو ثلاثة أضعاف مقدار الطعام الذي يمكن أن يتناوله الشخص فحسب، بل أيضاً أنت ملزم به.

خطؤنا الأخير الذي لم يكن ممكناً لنا تجنبه، كان بقلة معرفتنا بقواعد التشريفات وآداب المعاشرة بين الضيف والمضيف في كردستان. فقد وجدنا أنفسنا تقريباً، منذ بداية ركوبنا السيارة إلى حين عودتنا إلى المدينة، داخل هذه المحادثة الدورية، وكنا نسأل:

ـ هل لنا أن نقف هنا؟ نأكل هنا؟ نذهب إلى هناك؟.. الخ.

فيجيب ضيوفنا:

ـ كيفا ته.

وقد تعلمنا حالاً قول "كيفا ته"، التي تعني "كما تحبون"، كان نتيجة هذا السلوك، أن القرارات تُؤجل إلى أطول وقت ممكن، إلى أن نضطر جميعاً، وكالعادة إلى خيار، يكاد لايرضي الجميع.

تجولنا في الريف، وقمنا بزيارة نبع، من المفترض أن شيخاً جليلاً كان مدفوناً عنده، ومن ثم ذهبنا إلى مدينة كردية صغيرة تُدعى "شنو"، واشترتْ خديجة من بازارها زوجاً من الصنادل البلاستيكية، بلون أرجواني باهت، وبعدئذ ظهرت المشكلة، فقد بدأنا نشعر بالجوع، لذلك اقترحنا على ضيوفنا أن يختاروا مكاناً لنأكلَ فيه. وبينما كنا نمرّ عبر عدد من البقاع الخالية الرائعة، شعرت أنه ليس لدى هؤلاء الناس معايير خفية توجّه سلوكهم هذا.

كان الحماس ينقص "كيفا ته"، لكل مكان أقترحه. وأخيراً، عندما وصلنا إلى المكان الأول المحتشد بالناس مع دزينات من السيارات الواقفة اتخذتْ "كيفا ته" خاصية مشوّقة. أوقف جيرد السيارة، ونزلنا منها، وشرعنا بالسير، كان المكان يعجّ بالحشود، وتنتشر فيه ركام النفايات، إلى درجة أننا مضينا بعيدين جداً، قبل أن نجدَ بقعة نظيفة، نجلس عليها. ولكن لدى جلوسنا، هاجمتنا الروائح الكريهة التي لم تكن في الحسبان، ومرة ثانية مضينا ضمن حلقة "كيفا ته"، قبل أن نقدرَ على اتخاذ قرار جماعي بالمغادرة.

عندما قدّم لنا الغذاء أخيراً، كان كل شخص منا قد شعر بالجوع إلى درجة أن قلة السندويتشات بدت ملحوظة أكبر مما لو كانت غير ذلك. كان الجميع عطشى ومغبّرين، وقد نفدت قناني الكوكا وعصير البرتقال، ولم تروِعطشنا.

مضيتُ مع خديجة للبحث عن النبع، وانضم إلينا أخوها، وعندما شاهدنا قطيع أغنام على سفح الجبل الذي كنّا نتسلّقه، أصرّ على أن ألتقط صورة للحيوانات، وهو يحمل واحدة منها. وذكّرني قائلاً:

ـ سيكون هذا ممتعاً حقاً في أمريكا.

ـ لقد رأوا الأغنام في أمريكا من قبل.

أجبته بحدة، متمنية على نحو بغيض أن يتحول إلى واحدة منها، لئلا يقدر على العودة معنا.

قررتُ أن أنتظر، عندما بدأت خديجة بإثارة مخاوفي حول إمكانية وجود الأفاعي، بينما واصل جيرد وطه وحدهما المضي إلى النبع عند قمة التل. وعندما عادا، وصفت خديجة مارأته من وجبة الطعام المؤلفة من الكباب والبيرة التي تتناولها مجموعة من العجم. فحتى العجم تناولوا غداءً أفضل منا.

على الرغم من النقص الواضح في ضيافتنا، أراد طه وخديجة وأخوها أن تستمرَّ رحلتنا أكثر. ولكن كل ماكنا نفكر فيه أنا وجيرد، كان في كيفية عزل الأخ غير المرحَب به، وتركه في المدينة، والانسحاب لبقية فترة العصر إلى منزلنا، إلى حيث الوفرة في الماء المتدفق النظيف، حيث لم نجلب منه المقدار الكافي للشرب. وفي طريق عودتنا إلى المدينة، توقفنا في إحدى محطات الاستراحة ذات الطراز القديم، والواقعة على جانب الطريق، حيث يشكل علامة أننا في الريف، واشترينا عصير البرتقال لكل واحد منا، لكنها كانت حلوة جداً. وأخيراً وصلنا ريزاي، وأنزلنا ضيوفنا من السيارة ومضينا.

لم تتضاءل رغبة طه وخديجة في القيام بنزهات في سيارتنا، حتى بعد فشلنا ذاك؟ لذلك توجهنا في الجمعة التالية نحو البحيرة. كان النسيم عليلاً ودافئاً. وبالطبع ماكان لأحد أن يسبحَ، لأن السباحة لن تبدأ إلا بعد شهور عديدة. شرعنا أنا وخديجة في الحديث عن الخوض في الماء، بينما جلس جيرد وطه فوق الصخور يشربان البيرة التي كنّا قد أحضرناها معنا. رفضت خديجة أن تقرب المشروبات الروحية، وشربتُ أنا مقداراً ضئيلاً منها على مرأى من نظرات طه المتسلية الضاحكة، والمشدوهة. لم يكن معظم أكراد القرية يتعاطون المشروبات، ولكن القليل الذين كانوا يتعاطونها، هم من الذكور.

أكّد لنا الرجال أنهم سيتبعونا في الخوض في الماء، لذلك مضينا أنا وخديجة حول المنحني، وبدأنا بخلع ملابسنا خلف بعض الصخور. وبينما كنا نخلع ملابسنا الداخلية، توقفتْ فجأة سيارة على الجرف المطل على شاطئنا الصخري، ونزل منها زوجان مع طفلين، وشرعوا بالمشي نحو البحيرة. وحتى قبل أن أدرك أنهم كانوا أناساً أعرفهم من الكلية، بدأتُ بالنظر حولي، باحثة على نحو يائس عن مأوى في الشاطىء الأجرد. كانت توجد صخرة ضخمة فقط، ولم تكن تؤمن لنا ستاراً أفضل مما يوفّره لنا الجرف. تصورتُ أن خديجة قد ذعرت، لكن عندما نظرتُ إليها، تصرفتْ بانفعال أكثر مما لو كانت فزعة. في الحقيقة، بدت أقل ارتباكاً مني، بكثير. وعندما سمعتُ أن المرأة التي فوق الجرف أمريكية، تملكها الفضول لدرجة نسيت حالة العري التي كانت فيها. كانت المسافة بعيدة تماماً، حتى أني لم أتأكد فيما إذا كان يقدر الزوجان على أن يريا وجهينا، ولكن اتضح، أنهما أدركا وجودنا، لأنهما أسرعا مع طفليهما بالعودة إلى سيارتهما، والسير بعيداً. وبعد أن خبرتُ البحيرة جيداً، أدركتُ كم كنا محظوظين أن هؤلاء الناس اللطفاء ـ وليس بعض الأتراك ـ هم الذين فاجؤونا.

وعندما أصبحنا وحيدتين ثانية، خرجتُ من خلف الصخرة التي كنا جاثمتين بقربها، وأرحتُ جسدي بالخوض في الماء المالح الدافىء. بدا الماءُ مبهجاً، إلى أن رششتُ بعضاً منه في عيني. خضنا أنا وخديجة في ماء ضحل، لما يقارب العشرين دقيقة، ومن ثم خرجنا.

جفَّ الملح على شعرنا وجسدينا اللذين إبيضّا، وتشكلتْ عليهما قشرةٌ ملحية صلبة، عندما عدنا ثانية، واقتربنا من المنحنى، حيث وجدناهما ـ طه وجيرد ـ بكامل لباسهما، بدا أنهما لم يعزما أبداً الخوض في الماء. لم نستطع السير بالسرعة الكافية التي تناسبني إلى المنزل. فقد شعرتُ أن مسامات جسدي تكاد تختنق. حاولت خديجة أن تراني عارية، عندما نزلتْ هي وطه عند منزل الحاج إسماعيل، حيث سألتني:

ـ ألا ترغبين في الدخول، وأخذ حمام معي؟

فأجبتها:

ـ لا، شكراً.

أظهرت خديجة قمة جرأتها، في يوم وافقتْ فيه على المجيء معي إلى البحيرة، وحيدة، أو بالأحرى وحيدة بقدر ماتستطيع. لم يأتِ طه معنا، بل رافقتنا خادمتها أسماء وماراز، وهي امرأة آشورية، كانت قد اعتادت على التردد على منزل الحاج إسماعيل. استحممنا هذه المرة في الماء المالح، واغتسلنا بماء عذب كنتُ قد أحضرته معي في السيارة، وبعدئذ، توجهنا عائدات إلى المدينة. وحالما توقفنا أمام منزل الحاج إسماعيل، بدا أن خديجة ترتعد خوفاً، وهي في مقعدها. وهمستْ بذعرٍ:

ـ استمري في السير يامارغريت، استمري.

وحالما عبرنا المنزل، نظرت خديجة خلفها، وتنهدت براحة، بصوت مرتفع، عندما رأت أن اللاندروفر التي توقفت وراءنا، لم تكن للحاج إسماعيل. وهمستْ قائلة:

ـ كنتُ سأشعر بالخجل الشديد، لو أن الحاج رآني.

حقيقة أن خديجة لم تكن تحتفظ بمخاوفها وأفكارها وآرائها لنفسها. كانت ذات فائدة عظيمة لي. فبينما كانت الأخريات يبقين صامتات، إما بسبب الآداب العامة، أو بسبب الارتباك، كانت خديجة تصرِّح بكل شيء. وبفضلها تعلمتُ الكثير عمّا هو مناسب بين الأكراد. عرفتُ في أحد الأيام ما كان يفكر به الجعفريون بضيفاتي من النساء الكرديات. فقد تحدثت عنهم خديجة باحتقار، وعن كيفية إغلاقهم بابهم الداخلي بعنف، في كل مرة يرونها تصعد إلينا. وفي يوم آخر، علمتُ سبب تمعن مجموعة الناس في صورة لي ولجيرد، كنتُ قد أريتها لهم، فقد سمعتُ خديجة تدافع عني، وتقول للأخريات:

ـ إن يدَ زوجها ليست حول خصرها تماماً. مارغريت لاتفعل ذلك.

ارتكبتُ مرة غلطة مروعة في سلوكي الاجتماعي هناك، وذلك بأن قلبتُ فنجان شاي ضخم من البورسلان رأساً على عقب، بدلاً من أن يكون على جانبه، حدقتْ كل النساء فيَّ برعبٍ مضحكٍ، وهن يرفضن إخباري عن حقيقة الخطأ. وقد أعلمتني خديجة من بينهن، أن تلك هي علامة على أن المضيفة امرأة رديئة. بوجودي مع خديجة، كنتُ محمية من أصبح دخيلة، والنساء الأخريات قد لاحظن عليها ذلك. فقد قالت زوجة أخي زوجها مستغربة:

ـ خديجة تحب مارغريت فعلاً. إنها تخبرها عن كل شيء.

في المرات التي ذهبتُ فيها إلى منزل الحاج، اطلعتُ على قرية "دستان"، وسمعتُ الكثير عنها. فقد كان يأتي من ذلك المكان الغامض أشخاص مختلفون، وذوو ملامح غريبة.

التقيتُ في إحدى المرات بـ "كلبهار"، الدرداء، والداية العجوز التي كانت قد حضرت ولادة العديد من أولاد الحاج. وفي مرة أخرى، تعرفتُ إلى "هاجر"، وكانت امرأة في بداية الثلاثينات، أتت إلى المدينة، لتقلع أسنانها المسوسة جميعها، ولتضع مكانها طقماً من الأسنان الاصطناعية. وأيضاً التقيت بالمرأة ذات الوشم الأزرق، والدة زوجة الحاج إسماعيل الخامسة، وكذلك بعدد من النساء الأخريات، لم أكن أعرفهن أبداً. ومن جهة أخرى، وعلى مستوى مختلف تماماً، التقيتُ بنساء مثل ناديا، كنة مريم الأخرى، ونسرين ابنة مريم الوحيدة. كانت هؤلاء النسوة يأتين لبضعة أيام لرؤية الطبيب، أو للذهاب في رحلة قصيرة لأجل عمل مهم، ومن ثم يجبرن على العودة إلى القرية، إلى حيث حياتهن الحقيقية. أما حقيقة حياة خديجة السابقة، فكانت تختلف قليلاً. كان ذلك سبب سخرية زينب وناديا القاسية والمستمرة من خديجة في ذلك الشتاء، عندما أخذت على مضض إلى القرية للعمل.

كنتُ أفكر دائماً بدعوة الحاج إسماعيل لنا إلى دستان، فمنذ ذلك الحين، لم أره يتحدث إليها ثانية. ولكن خديجة وطه، كانا ودودين معنا، لدرجة شعرتُ فيها أن الحاج لايمكن أن يكون قد انزعج منا. ومع ذلك، فلم يذكر أحد شيئاً عن الذهاب إلى دستان. وفي أحد أيام الجُمع، وفي فترة الظهيرة، أثار طه الموضوع، بعد أن تناولنا الغذاء في بيتنا:

ـ متى ستأتيان إلى دستان؟

فقلت:

ـ لاأعرف. في الوقت الذي ترغبون فيه.

ـ مارأيكما لو أننا نذهب في الاسبوع القادم؟ سأحاول أن أستعير سيارة اللاندروفر، ويمكننا أن نمضي ظهر يوم الخميس.

فقلتُ:

ـ لاأرغب في ذلك كثيراً.

لكن جيرد لم يتفوه بشيء. وبعد أن غادرنا ضيفانا، قلت لجيرد:

ـ أليس ذلك شيء عظيم؟ أخيراً سنذهب إلى هناك. سأرى مريم والحاج إسماعيل كلهم. وبما أن الربيع قد حلّ، فان الجبال ستكون " كه سك و شين". تلفتُّ حولي بسعادة، وأنا أفكر بذلك.

نظر جيرد إليّ دون أن يبتسم، وقال محذراً:

ـ لاتعيري ذلك اهتماماً كبيراً. ربما ينسى طه ذلك. وربما لن يقدرَ على استعارة اللاندروفر، أو ربما إنه يقول ذلك من باب آداب السلوك فقط. يمكن أن يحدث أي شيء من الآن، حتى يوم الخميس القادم.

لن أدع جيرد يثبط من معنوياتي المرتفعة. فهو لايعرف خديجة ومقدار صراحتها. فهي بالقدر الذي أعرف، لم تكن تتعامل بطريقة تلتزم فيها بالشكليات والآداب السلوكية التقليدية. كان جيرد ـ الأكثر حساسية مني اتجاه الدعوات ـ قد عانى من حالة سيئة من هذه الشكليات المخادعة. كان يكره أن يصدق أحداً. وحالما اقترب اليوم، أصبح جيرد أكثر تشككاً، وذلك تحسباً للموقف الذي يمكن أن يحدث. شعرتُ بالشك يتعاظم في تفكيري أنا أيضاً. لم أكن متأكدة بعد من هذه العلاقات لأطردها من تفكيري. ففي لحظة أحلم بالقرية، وأفكر بما سأرتديه هناك. وفيمن سأتحدث إليه. وفي لحظة أخرى، أقرر في نفسي ألاّ أبتهج كثيراً.

كان أحد أسباب التشاؤم لدى جيرد معرفته بأهمية هذه الرحلة بالنسبة لي. فهي ليست ترفيهية كما حدث في "مانوا"، التي لم أستطعِ التحدث فيها بالكردية بأية وسيلة. لم تكن عائلة الحاج قد أصبحت وسيلة اتصالي بالأكراد فحسب، بل أيضاً أصبح أفرادها أصدقائي المفضّلين في إيران. وإذا لم يعنوا هذه الدعوة بجدية، فماذا إذن لي في إيران، لأتطلع إليه؟ وعندما أقبل اليوم الذي وَعَدَنا به طه بالمجيء لأخذنا، جهزتُ نفسي على نحوٍ يعوزه الحماس، ودون أن أخصص الكثير من الوقت لذلك. كان جيرد قد اضطجع، ليأخذ سِنة من النوم، وقد غلبه الخوف من رفض آخر. هل كنا على وشك المضي في رحلتنا القصيرة الأولى، للمكوث في قرية كردية، أم لا؟ كانت شقتنا جرداء، صامتة، بينما كنا ننتظر طنين جرس الطابق السفلي.

User offline. Last seen 13 سنة 19 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 15/05/2007

heba,
مع أنني لم أحصل بعد على الكتاب ..
لكن الخلاصة التي قدمتها عنه تجعلني أسعى لقراءته عما قريب إن شاء الله
شكرا لك أخت هبة

User offline. Last seen 15 سنة 40 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 13/08/2006

و يذكر الأستاذ دحام عبد الفتاح المدقق اللغوي للكتاب ما يلي :

لقد كانت الجبال للأكراد كالصحارى للعرب تماماً فهي مأواهم و معاشهم في السلم و هي ملجؤهم في الحرب إذا مالت عليهم الحرب بها يجتمعون و في شعابها يختفون و كثيراً ماتحدث الرواة في كتب التاريخ عن الغزوات التي كانت تجتاح كوردستان قديماً فيروون أن الأكراد كانوا يكمنون في بطون جبالهم يترصدون غزاتهم حتى إذا صاروا في المرامي فاجؤوهم كالجن من شقوق الجبال و انقضوا عليهم خفافاً

لعل إختفاء الجن عن أنظار الناس و عزلة الأكراد الطويلة في جبالهم و اختفاءهم في بطونها عن أنظار مهاجميهم لعل هذا القاسم المشترك بين الجن و الأكراد هو الذي شد الأكراد إلى الجن .. شدهم إلى حد الالتصاق بل إلى حد الانتساب

و لعل هذا القاسم المشترك إضافة إلى بعض الصفات السلوكية و الخلقية مجتمعة هي التي دفعت الرواة آنذاك أن يتوهموا في الأكراد ما توهموا و أن ينسجوا حول أصولهم الخرافات و الأساطير فيعتقدون أنهم من الجن أو فيهم بعض ما في الجن و إلا فمن أين للأكراد أن يكونوا (( أبناء الجن )) و من أين انتقلت إليهم مورثات الحسناوات الأوربيات اللاتي اختارهن جان سليمان - كما تعقب الباحثة عن الأسطورة عاقدة وجوه الشبه بين ملامح النساء الكورديات و الأوربيات ؟

طبعاً أعتقد أن الاستاذ دحام قد أوضح لكم اللغط الذي وقعت فيه الباحثة ( كان ) فقد كان حرياً بها التعامل مع الأصل الكوردي وفقاً للنظريات و البحوث العلمية

الكتاب شيق كونه عبارة عن مذكرات و انطباعات ترجمته ( نورا الشيخ بكر )
و دققه لغوياً الاستاذ دحام عبد الفتاح

أشكر الصديق رامان على إضافاته الرائعة و اهتمامه

User offline. Last seen 10 سنة 50 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 05/03/2007

[img][/img]

صورة  rojava's
User offline. Last seen 8 سنة 15 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/08/2006

أحبائي فيكون تحملّو الكتاب مشان نحسن نقرؤا؟؟...

رغم تعاستنا مازلنا نملك إبتسامة تخفي آلامنا..جراح قلوبنا..تشّرد أرواحنا..
 http://www.facebook.com/hesen.rojava

User offline. Last seen 16 سنة 28 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/07/2007

من هنا يمكن تحميل كتاب أبناء الجن لمارغريت كان
بدون كلمة سر

اللاينك هاد ما بيحتاج لكلمة سر . وحجم الملف 10,762 كيلو بايت

http://www.2shared.com/file/2199803/9029d052/abnaa-gn-ar.html

الكتاب متوفر لكل متصفحي الانترنت وما بيحتاج لكلمة سر