مقالة في العبودية المختارة

2 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 12 سنة 40 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 14/12/2005

مقالة في العبودية المختارة
للكاتب أتين دي لابويسيه 1/11/1530- 14/8/1562
إنها مقالة رائعة تعطي تحليلاً علميا دقيقاً للمجتمع عندما يتحكم فيه شخص واحد فهو بذلك يتطرق للجماهير المستعبدة و كذلك للطاغية الذي يستعبد الآلاف المؤلفة من الجماهير, و يرى بأن الحرية هو حق فطري للإنسان بل ربما يكون غريزياً , و هو يستند في مقالته( التي لا تتجاوز السبعين صفحة من القطع الصغير ) إلى الحقائق التاريخية , فتأتي هذه المقالة التي تخاطب كلا من العقل و الوجدان تأتي مليئة بالحقائق التي إن دلت على شيء فإنما تدل على ثقافة صاحبها الواسعة الذي لم يعمر أكثر من 32 سنة .
تبدأ المقالة بالتحليل لمقولة أوليس في خطبته في هوميروس :"كثرة الأمراء سوء كفى سيد واحد ملك واحد " , فيقول :" ولو أنه وقف عند قوله :
كثرة الأمراء سوء
لأحسن القول بما لامزيد عليه ،لكنه حيث وجب تعليل ذلك بالقول بأن سيطرة الكثيرين لايمكن أن يأتى منها الخير ما دامت القوة المسندة إلى واحد ،متى تسمى باسم السيد ،صعبة الاحتمال منافية للمعقول راح يعكس الكلام فأضاف :
كفى سيد واحد ،ملك واحد
بيد أن أوليس ربما وجبت معذرته إذلم يكن له مفر من استخدام هذه اللغةحتى يهدئ ثورة الجيش مطابقا بمقاله المقام بدل مطابقة الحقيقة.
فإن وجب الحديث عن وعى صادق فإنه لبؤس ما بعده بؤس أن يخضع المرء لسيد واحد يستحيل الوثوق بطبيعته أبدا ما دام السوء فى مقدوره متى أراد،فإن تعدد الأسياد تعدد البؤس الذى ما بعده بؤس بقدر ما نملك منهم . وما أريد فى هذه الساعة طرق هذه المسألة التى كثر الجدل فيها :إذا ما كانت أشكال الجمهورية الأخرى تفضل حكم الواحد . ولو أردت لوددت قبل النظر فى مكانة هذا الحكم بين الأشكال الأخرى أن أعرف أولا من له مكانة ما . لأن من الصعب الاعتقاد ببقاء شيىء يخص جمهور الناس حيث ينفرد واحد بكل شىء .ولكن هذه مسألة متروكة لوقت آخر وتقتضى مقالا يفرد لها وإلا جلبت معها جميع المنازعات السياسية "
ثم بعد تحليله هذه الجملة يكمل بالشكل التالي :" فأما الآن فلست أبتغى شيئا إلا أن أفهم كيف أمكن هذا العدد من الناس ،من البلدان ،من المدن ،من الأمم أن يحتملوا أحيانا طاغيا واحدا لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه ،ولا كان يستطيع انزال الشر بهم لولا ايثارهم الصبر عليه بدل مواجهته. إنه لأمر جلل حقا وإن انتشر انتشارا أدعى إلى الألم منه إلى العجب أن نرى الملايين من البشر يخدمون فى بؤس وقد غلت أعناقهم دون أن ترغمهم على ذلك قوة أكبر بل هم فيما يبدو قد سحرهم وأخذ بألبابهم مجرد الأسم الذى ينفرد به البعض ،كان أولى بهم ألا يخشوا جبروته ،فليس معه غيره ،ولا أن يعشقوا صفاته فما يرون منه إلا خلوه من الإنسانية ووحشيته .إن ضعفنا نحن البشر كثيرا ما يفرض علينا طاعة القوة ونحن محتاجون إلى وضع الرجاء فى الإرجاء ما دمنا لا نملك دائما أن نكون الأقوى . فلو أمة أجبرت بقوة الحرب على أن تخدم واحدا (مثل أثينا الطغاة الثلاثين ) لما وجب الهش لخادميها بل الرثاء لنازلتها ،أو بالأحرى ما وجب الدهش ولا الرثاء بل الصبر على المكروه والتأهب لمستقبل أفضل .

إن من شأن طبيعتنا أن تستغرق واجبات الصداقة المشتركة بيننا قسطا لا بأس به من مجرى حياتنا . فمن العقل محبة الفضيلة وتقدير الأعمال الجليلة وعرفان الفضل من حيث تلقيناه والالستغناء أحيانا عن بعض ما فيه راحتنا لنزيد به شرفا وامتيازا من نحب ومن استحق هذا الحب . فلو أن بلدا رأى سكانه كبيرا منهم يبدى بالبرهان فطنة كبيرة فى نصحهم وجرأة شديدة فى الدفاع عنهم وترويا جما فى حكمهم فانتقلوا من ذك إلى طاعته واسلام قيادتهم له إلى حد إعطائه ميزات دونهم فما أدرى أهى حكمة أن ينقلوه من حيث كان يسدى الخير إليهم إلى حيث يصبح الشر فى مقدوره . إن التخلى عن خشية الشر ممن لم نلق منه إلا الخير لحكمة لو كان محالا ألا يخالط طيبته نقص .

ولكن ماهذا ياربى ؟ كيف نسمى ذلك ؟ أى تعس هذا ؟أى رذيلة أو بالأصدق أى رذيلة تعسة ؟أن نرى عددا لاحصر له من الناس لا أقول يطيعون بل يخدمون ولا أقول يحكمون بل يستبد بهم ،لا ملك لهم ولا أهل ولانساء ولا أطفال بل حياتهم نفسها ليست لهم ! أن نراهم يحتملون السلب والنهب وضروب القسوة لا من جيش ولامن عسكر أجنبى ينبغى الذود عن حياضهم ضده بل من واحد لا هو بهرقل ولاشمشون بل خنث ،هو فى معظم الأحيان أجبن من فى الأمة وأكثرهم تأنثا ،لا ألفة له بغبار المعارك وإنما بالرمل المنثور على الحلبات إن وطئها ولا هو يحظى بقوة يأمر الناس بها بل يعجز عن أن يخدم ذليلا أقل من أنثى ! أنسمى ذلك جبنا ؟أنقول أن خدامه حثالة من الجبناء ؟ لو أن رجلين ،لو أن ثلاثة أو أربعة لم يدافعوا عن أنفسهم ضد واحد لبدا ذلك شيئا غريبا لكنه بعد ممكن ولو وسعنا القول عن حق أن الهمة تنقصهم . ولكن لو أن مائة ، لو أن ألفا احتملوا واحدا ألا نقول :إنهم لايريدون صده ليس لأنهم لا يجرءون على الاستدارة له ، لا عن جبن بل احتقار له فى الأرجح واستهانة بشأنه ؟ فأما أن نرى لا مائة ولا ألف رجل بل مائة بلد ،ألف مدينة ،مليون رجل ، أن نراهم لا يقاتلون واحدا أقصى ما يناله من حسن معا ملته أى منهم هو القنانة والرق فأنى لنا أن نسمى به ذلك ؟ أهذا جبن ؟ إن لكل رذيلة حدا تأبى طبيعتها تجاوزه .فلقد يخشى اثنان واحدا ولقد يخشاه عشرة .فأما مليون ،فإما ألف مدينة إن هى لم تنهض دفاعا عن نفسها فى وجه واحد فما هذا بجبن لأن الجبن لايذهب إلى هذا المدى كما أن الشجاعة لا تعنى أن يتسلق إمرؤ وحده حصنا أو أن يهاجم جيشا أو يغزو مملكة .فأى مسخ من مسوخ الرذيلة هذا الذى لا يستحق حتى اسم الجبن ولايجد كلمة تكفى قبحه والذى تنكر الطبيعة صنعه وتأبى اللغة تسميته ؟
"
و هكذا يكمل كاتب المقالة مقالته التي أبدع فيها أيما إبداع , و هو لا يعطي أي مبرر للجماهير جراء خنوعها و اختيارها للعبودية التي هي فيها ,و لا يترك له منفذا يقدم لنفسه فيه مبرراً, و هو بذلك يتطرق إلى أسمى ما خص الإنسان و النقطة التي بسببها استحق تكريم الله سبحانه و تعالى له و تفضيله على سائر المخلوقات و هي حمله للمسؤولية و تكليفه بها , و هو يصور قوة الجماهير الكمية و النوعية بالمقابل يصور الضعف الذي يتصف به الطاغية فقوته المادية يستمدها من الجماهير نفسها , إما هو بنفسه فلا يملك شيئاً و هو محروم من كل شئء يخص الإنسان من القيم الروحية و الوجدانية فلا يوجد في قاموس الطاغية شيء اسمه الحب فهو يدور حول فلكه الخاص به , فلا من حوله يمكنه أن يشعر هذا الإحساس تجاهه و لا هو يمكن أن يشعر به تجاه الآخرين فالعلاقة بينه و بين غيره هي علاقة مصلحة ذاتية و هو لا يدور سوى حول فلكه الخاص , فالحب هو شيء سامي يأبى أن يحس به الطاغية حتى من أقرب المقربين إليه زوجته أو أمه .
هذا ما أحببت أن أقدمه من لمحة موجزة عن المقالة التي لا تغني عن قراءتها .
و شكراً

User offline. Last seen 15 سنة 42 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 13/08/2006

يقول كارل ماركس
(إن بروز القائد يأتي نتيجة طبيعية لإحتياجات الجماهير في الصراع الطبقي و أحتياج هؤلاء المتصارعين للسان حال و ناطق بشؤونهم
و يتميز ذاك القائد بامتيازات تدفع الجماهير لرؤيته كحالة خاصة و اختياره كقائد)

لكن المشكلة هي كون أي إنسان له صفة الأنا و هي ما تحرك داخله صراع ما بين الخير و الشر ما بين الأنا و الجماهير وغالباً ما يسابق الأنا الجماهير و هذا ما يدفع للاستعباد و النفي للكل
و المشكلة الأكبر أن البشر يستمتعون ب(الزلومية ) أي أن يكونوا عبيد عند مالك وحيد
طبعاً الحالة تتوافق مع الصورة اللاهوتية و تنعكس سلباً على المجتمعات
فالخوف من عقاب الله هو ما يدفع البشر لعبادته ...!!؟؟
و قد يصدف حالة شاذة تعتبر العبادة للواحد شكراً و امتناناً لهذا الواحد
لكنها تبقى المنفذ لولادة العبودية

شكراً عزيزي olvan على فكرة الكتاب

User offline. Last seen 12 سنة 40 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 14/12/2005

أرى وجود فرق جوهري بين الخوف من الله أو العبودية لله , و الخوف من مستبد و الرضوخ له , في الأولى الخوف من الله هو استشعار لعظمة الله فهو الارتباط بالقوة المطلقة في هذا الكون التي تجعل الإنسان يحقق أسمى ما فيه من القيم و المعاني النبيلة و يدرك حقيقة نفسه فهو أسمى المخلوقات و هو خليفة الله على الأرض :"و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ",
أما موضوع المقالة فهي تدورحول الرضوخ لدكتاتور نتيجة بدافع الخوف في البداية هذا الخوف الذي يتخلى فيه المرء عن القيم الإنسانية التي تتحرك في داخله شيئاً فشيئاً , العبودية التي تجعل المرء يتخلى فيه عن الكثير من خصوصياته تكبت طاقاته أو بالأحرى تمحي طاقاته .
شكرا من الأخ برور