الغزو الفكري والثقافي

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 3 سنة 8 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/08/2010

 

من dilbrin

إن كان الاستعمار العسكري المسلح والهيمنة السياسية والاقتصادية هي صور من صور العنف في أبشع صورها ، فإن الغزو الفكري والثقافي ، استعمار لا يقل بشاعة وقسوة من الاستعمار المسلح ، ذلك أن هذا الاستعمار يحل فكر وثقافة مجتمع متقدم ، محل فكر وثقافة مجتمع نامي ، وتلك تساهم في إلغاء الهوية الثقافية للأمة المستعمرة ، وبالتالي تتصف بالإمعية والتبعية المقيتة .
فعنوان تقدم الأمم وفخارها، ومبعث أمنها وأمانها واستقرارها مرهون بسلامة عقول أفرادها، ونزاهة أفكار أبنائها، ومدى ارتباطهم بمكونات أصالتهم، وثوابت حضارتهم، وانتظام منظومتها العقدية والفكرية، ونوعيتها الثقافية والقيمية "
إن الغزو الفكري والثقافي عملية احتلال للفكر والعقل ، وخاصة ما يوجه من الغرب ضد الإسلام والعرب ، ومحاولة السيطرة على عقولهم وأفكارهم ، وتبعيتهم الفكرية والثقافية ، وقد كانت الأمم في السابق تعمل على تحصين أبنائها مما قد يسبب انحرافهم الفكري ، والأخلاقي ، والقيمي ، لكنها اليوم تقف عاجزة أمام هذا السيل الجارف من وسائل الغزو الثقافي وتعددها وتنوع مصادرها وسهولة وصولها إلى كل بيت وإلى كل عقل ... ومنها على سبيل المثال :

التعصب للرأي :

إن التعصب للرأي من أول دلائل العنف الفكري ، وهو ممارسة إلغاء الآخرين ، والحجر على آراء مخالفيه ، وإقصاءهم وإقصاء أفكارهم ، ويزداد الأمر خطورة حين يريدشخص فرض الرأي على الآخرين بالقوة ، والغلبة عن طريق الاتهام بالابتداع أو بالتكفير والمروق وهذا العنف الفكري أشد تخويفا من العنف الحسي "
والمتعصب أناني ، متوحد الفكر ، ظالم لنفسه وللآخرين ، معاديا للحق ، لا يغلب لغة العقل ، محجوب البصر ، غير نافذ البصيرة .

الإنترنت والشبكة العنكبوتية

إن التطور الذي شهده مجال المعلومات والاتصالات التكنولوجية في العصر الحاضر .. قد أظهر لنا جانبا من جوانب العنف الفكري ، على اعتبار أن الكثيرين يمكنهم استغلال تلك الوسائل ، بمجرد دخولها بيوتهم ، وهي بذلك وسائل سهلة ميسرة من جميع النواحي المادية وغيرها . ومن ذلك الإنترنت شبكة المعلومات العالمية .
فقد استطاع ممارسو العنف الفكري استغلالها من أجل بث سمومهم وأفكارهم وكل ما من شأنه تغيير ثقافة وهوية الأمة ، فاستغل في الترويج للأفلام الإباحية ، والصور الفاضحة ، وتضييع وقت الشباب في ما يسمى بغرف الدردشة والبالتوك وغيرها ، وأصبح الإنترنت رافدا قويا من روافد العنف الفكري ، فانتشرت المواقع المعادية ، والمنتديات المتطرفة ، والمنتديات المعارضة ، التي تمارس شتى أنوع العنف والتطرف والغلو في محاربة الدين والدولة ومحاولة الفصل بينهما بقدر الإمكان .
" لقد أوحت شبكات المعلومات للناظرين وكأن هذه الدنيا أصبحت هدفاً للفوضى الفكرية والأخلاقية ، ومسرحاً للضياع في مباءات الإغراءات والإباحية مما لا يحكمه دين ولا قيم ، ولا يضبطه خلق ولا مثل ، وقنوات أخرى لا تفتأ في إذكاء نار الفتنة بين الرعية والرعاة بدعوى الإصلاح زعموا ، وأخرى بدعوى الإثارة والبلبلة تدعو المأجورين إلى أن تكون منبراً لهم حيث لا منبر لهم . وهكذا منتديات الفضائح والمثالب والطعون
أن أضرار الإنترنت تتوزع على مجالات الحياة المختلفة منها ما يؤثر على الفكر والدين والعقيدة ، ومنها ما يؤثر على الأخلاق والقيم ، ومنها ما يؤثر على الأمن ، وعلى الحالة الاقتصادية والتعليمية وغيرها .. فمن أضراره الأضرار الدينية والعقدية ، وذلك بما يمكن أن تقوم به هذه الشبكة في زعزعة مبادئ الإسلام وعقيدته ، وفي التشكيك فيها ، وفي الترويج لما يضادها أو يعارضها وفي حمل عدد من المسلمين على ترك إسلامهم والإنسلاخ من عقيدتهم ، ومنها الأضرار الأخلاقية والقيمية ، وذلك باستخدام الشبكة في الدعوة للمخدرات والانحرافات الخلقية بمختلف مظاهرها "
ونحن إذ نتعرف على أضرار الإنترنت لا يمكن أن نغفل المنافع الكبيرة التي من الممكن أن نحصل عليها من الإنترنت في كافة المجالات والمناحي ، فقد يستخدم للدعوة ، ونشر مبادئ وتسامح الإسلام ، والتعريف بثقافتنا وأفكارنا ، من خلال المواقع التي توجه لهذا الأمر ، على أن يقوم عليها رجال فكر وثقافة من العلماء والمشايخ وأساتذة الجامعات والمربين والمربيات .. وقد يستفاد منه تجاريا واقتصاديا من خلال التسوق ومتابعة الأسهم وإنهاء المعاملات المالية بأيسر الطرق وأسهلها ، كذلك قد يستخدم في مجالات التربية والتعليم ، ويساهم في تطور تقنية التعليم ، وتوفير فرص للتعلم الذاتي والتعليم عن بعد . ومن منافعه تسهيل عملية الاتصال بين الأفراد والمؤسسات ، فيسر كل عسير ، وسهل كل صعب ، وقرب كل بعيد ..

 

النار تحرق وتضيء؛ فأين هو الحد الفاصل بين اللهب والضياء؟