ما نراه محجوباً ونعرفه مجهولاً ونسمعه صامتا...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 2 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

إن شريعة هذا الكون الواسع هي قانون الله الأزلي، قانون التغيير نظام ثابت، دوام الحال من المحال وسبحان الذي لا يتغيّر شاهداً على كل تغيير، سبحان دائم الحال شاهداً على تقلّب الحال والأحوال.

هذا التغيير هو نهر الخليقة ينساب في أودية وجبال الوجود ليصبّ ويفنى في محيط الواسع الودود. هذا الإنسياب، هذا الخلق والإبداع لم يبدأ ولن ينته.. التجسد والفناء لم يبدأ ولن ينته... هو شهادة أبدية والله هو هذه الأبدية. أبدية الله ليست حال أو مقام أو نظام. أبدية الله ليست شخصية ولا فردية. أبدية الله وحدة كونية تُعانق كل موجود، تحتضِن بأيادٍ ممدودة هذا الوجود، تحتضن نفسها فهي الوجود.
نفوس العباد أوجَدت لهذه الأبدية عناوين جميلة مثل الله، الجمال، الحقيقة، الفضيلة والسلام. وخلف العناوين جوهر الدين، خلف العناوين حكمة كل نبي ورسالة كل كتاب مبين. خلف العناوين تغيير دائم وتحوّل قائم من البداية التي لم يكن لها بداية حتى النهاية التي ليس لها نهاية.
خلف العناوين ما نراه محجوباً ونعرفه مجهولاً ونسمعه صامتاً، قوة تبتدىء من قدس أقداس ذاتنا وتنتهي في ما وراء تخيلاتنا.
فهمنا لشريعة الكون الأبدية يساوي فهمنا للحياة ومعناها، لحقيقة الوجود وغناها. فهمنا لهذه الشريعة الأبدية هو السبيل للصحة، للحرية والسعادة الحقيقية... هو السبيل للمحبة، وأين هي المحبة؟
ذات مرة إبتسم السيد المستنير حين أتاه أحد تلاميذه وسأله: ما هي المحبة؟
إبتسم وابتسامته فيها علامة سؤال على ما آلت إليه الأحوال فأصبحنا نجهل ونسأل ماهي فطرتنا وطبيعتنا، ونفهم ونتقن ونبرر زيفنا وحربنا. إبتسم لأن ظاهر الحياة عكس باطنها. لأننا نرى الحب في التمثيليات والأفلام، في الأغاني والإذاعات وعلى الشاشات. نتحدث عنه ونطيل الكلام، لكن قلوبنا تحيا في ظلام. نتغنى به ونروي الأشعار لكن قلوبنا جافة ميتة كنشرات الأخبار. لا زالت المحبة مجهولة، غريبة وبعيدة لا تجدها في كل مكان، ومن هنا أتى السؤال.
ما هي المحبة؟ يبدو الحال وكأن جائعاً لم يذق الطعام سأل بلهفة: ما هو الطعام؟ ما هو شكله ومذاقه؟ لهذا السؤال معنى وسؤال هذا التلميذ له معنى. ما هي المحبة؟
فهم شريعة الوجود المدوّنة في كتاب الوجود بخط يراه من يرى بعين الله أصل ومنبع الوجود، هو السبيل الكفيل لتعود المحبة إلى قلوبنا. لا داعي لنسمع كلمة الحب على شفاه الآخرين، أو نقرأها كلمة خالية من أيّ معنى في الدواوين. دواوين الشعراء وقصص الأميرات والأمراء، فالحب فطرتنا وطبيعتنا، الحب لوننا وديننا.
نحن نرى ظلماً وبهتانًا في حق الأبرياء والضعفاء لأننا لم نرَ بعين الله بعد. نرى معاناة المرض رسمت لوحتها الشاحبة على وجوه ووجود من يبدو وكأنه يتبع أسلوب الحياة الصحي السليم. نحن أنفسنا قد نواجه حادثاً لم نتوقع حدوثه، معاناة لا نفهم سبَبها أو موتاً مفاجئاً. ولكن مهلاً... هذه رؤيتنا نحن وفلسفتنا، تعليقنا ومعتقدنا فلا داعي لأن نحمّل الوجود نتائج خطأنا وسوء فهمنا. في حالنا العقيم وداؤنا المقيم لن نعي أننا نحيا في كون كبير وأننا أزهار رقيقة في حديقته الغنّاء، وبالتالي لن نفهم تيارات السبب والنتيجة الأكبر.
لن نفهم أسباب ما حدث لأننا نجهل شريعة الكون الكبرى، نظامها وقانونها، أسبابها، نتائجها وفنونها. فكل شيء بحساب ولا يصيبنا إلا ما أردناه بمشيئة ورضى من الله. كل شيء بحساب ولم نُخلق عبثاً أو هباء. لا شيء يحدث صدفة أو فجأة فالوجود يُمهل ولا يُهمل وكل شيء بحساب. من على هذه المنارة سنرى أن ما تحسَبه أجسامنا محنة هو لأرواحنا منحة، هو ألفة بين الحزن والفرح. سنرى أن لا ظلم ولا عبث فكل شيء يسير يُسراً أو عُسراً، كل شيء يولد ويموت وفقاً لشريعة الكون الأبدية، قانون الله، قدر الله ومشيئته. ونحن... ما لم نعلم ما هو هذا القدر وهذه الشريعة الكونية، فحياتنا وعلومنا وحضاراتنا إلى زوال.