لا دخان بلا نار...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 2 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

    أهو عيب في الإنسان أم أنه نتاج خلل في ميزان هذا الإنسان؟
    ليس عيباً في الإنسان فهو في أحسن تقويم... إنه خلل في المجتمع الذي فشل في أن يحتضن أبنائه بمحبة ووئام، خلل في مجتمع لم يذق أبنائه منذ أن ولدوا طعم السلام ولماذا حدث هذا؟ لأن المجتمع يستعبد أبنائه منذا البداية فيعلّبهم ويعلّمهم ليكونوا أداة تدافع عنه وعن معتقداته وثقافاته، أداة لخدمة الموت. ترى هذه المعتقدات والأنظمة والقوانين نشأت لخدمة الإنسان، وبسحر ساحر أصبح الإنسان خادمها بدلا من أن يكون سيّدها، وعلمونا أن الحياة تهون لأجلها. نعم الإنسان على احسن صورة ومثال وتقويم لكن مجتمعاتنا جعلته مزيفا عبدا للسيليكون وعقيم. وإذا كانت البذرة فاسدة فالنبتة ستكون فاسدة، وإذا كان الأساس مائلاً فكيف يستقيم ويعتدل البنيان؟

    لم يجرأ أحد على أن يسأل من الأهم في ميزان الوجود؟ أهو الإنسان أم الكلام؟ أهو الحاوي أم ما حواه؟ مبنى النص أم معناه؟ وها أنا أسأل الآن، لماذا فشلت كل الشرائع والمبادىء والقوانين والأخلاق في أن تهمس لضمير الإنسان بأن له دور وقيمة ومكان وأن الأوان قد حان ليصحو وينمو ويزرع مواهبه وأفراحه بذورا في حديقة الأكوان؟ فشلت في إقناعه بأن الأوان قد حان لتكون أنت الوالي، فولايات الرغبات والمصالح والسلطات قد عادت علينا بالويلات وما من حل سوى في صحوة هذا الضمير لنرسم بوعي القدر والمصير. كل هذه المساجد والكنائس والمدارس والجامعات والحضارات والتفسيرات والمجلدات والإنتماءات... ماذا فعلت؟ القلوب نائمة وليلها لم ينتهِ بعد وقد أطال البقاء، والنفوس حائرة ترتعش من الخوف... الخوف من لقاء الحياة، من لقاء الموت وحتى من لقاء ذاتها، والروح بجلالها ونورها واكتمالها تبدو وكأنها مجرد رواية من عالم الأساطير تُروى لنا دون أن نشعر وجودها ونحيا بين ظلال ربوعها.

    لا دخان بلا نار والأسباب تتعدّد والدول تختار والإنسان يحتار قبل أن يختار... الدول الكبيرة اختارت أن تستمر في لعبتها، لم تسئم بعد من أسلحتها بل هي الآن تجنّد كل طاقتها لإنتاج أحدث أنواع الأسلحة وخاصة السلاح النووي. ومن شأن المنافسة أن تزيد اللعبة حماسة، وها نحن نرى الدول الكبيرة تتنافس في صنع الأسلحة النووية وتتجادل بحوار النار حول أحقية كل دولة بامتلاك سلاح نووي ومن أين للنور أن يبقى وسط هذا النووي؟

    الدول الكبيرة اختارت أن تتخلص من ألعابها القديمة فرمت أسلحتها القديمة وباعتها للدول الفقيرة والعقيمة أو كما يسمونها دول العالم الثالث. إنسان الدول الفقيرة استولت عليه الحيرة، مجتمعاته مستعدة لقتله جسدياً ومعنوياً وروحياً حتى تزرع فيه عاداتها وموروثاتها وشعاراتها، وحكامه يتجادلون ويتقاتلون بل والشعب يستخدمون لحماية مراكزهم وشعاراتهم ولأجل السلطة أرواح ودماء الناس عندهم تهون. إنسان الدول الفقيرة نسى نفسه وتذكّر وتبع أطماع وأحلام حكامه التي أصبحت أحلامه وأطماعه فوقع في اليأس واحتار... ولأنه احتار لم يتمكن من الإختيار فقد اختار ما اختاره له الحاكم صاحب القرار. اختار أن يلعب بالنار. اختار أن يلعب بالأسلحة القديمة التي اشترتها دولته وباعتها إياها الدول الكبيرة حاكمتها وحاكمته. باعتها إياها وهي تعلم أن هذا المحتار سيلعب بها وربما يقتل أخيه دفاعاً عن شعارات حكامه وشرائع كهنته أو ربما يقتله أخوه. إباحة تداول الأسلحة بين أيادي الأفراد هي المفتاح الذي فتح أبواب الإرهاب. هذا المفتاح فتح أيضاً باب السحر الأسود فانقلب السحر على الساحر وأصبح المحتار الذي يلعب بالأسلحة القديمة أقوى من الدول التي اختارت الأسلحة النووية الكبيرة. وها نحن نرى الجماعات الإرهابية توجّه سلاحها ودمارها للدول الكبيرة وتصيبها في عقر دارها، تقاتلها بأسلحتها، بالأسلحة التي باعتها لدولها... والدول الكبيرة تقف عاجزة فالرد بالأسلحة النووية وسحق دول العالم الثالث حيث ينمو الإرهاب مستحيل. هذا الإرهاب هو من إنتاج الدول الكبيرة، فقد رعته وأشرفت على تربيته وفتحت له الباب لتضمن انغماس هذه الأمة في قتال ما بعده قتال ومن ثم تقوم بإدانتها واتهامها ورجمها. وما النتيجة؟ الأمة دمرت نفسها وتريد تدمير الساحر أيضاً. والنتيجة ستكون دمار جماعي.

    شر البليّة ما يضحك، فقد أصبحت الحرب علاجاً نفسياً لإنسان هذه الأيام والإنسان الذي أفرزته هذه المجتمعات. نعم علاج نفسي. فإنسان هذه الأيام يجمع كثير من الغضب والحقد والكره في لاوعيه، وهذا نتيجة حرمانه وكبته وعدم عيشه الحياة كما أرادت له الحياة أن يعيش. هذه المشاعر السلبية تنمو في عتمة لاوعيه وتزداد يوما بعد يوم حتى تتحول عنفاً وبركاناً ينتظر لحظة الإنفجار. الحرب تبدأ حين ينفجر هذا البركان...

    تبدأ المظاهرات والحروب واستعمال الأسلحة فيرمي الإنسان ما حواه لاوعيه وما جمعه على مرّ سنوات ويفرغ ما بداخله على غيره. ترانا نتهم بعضنا وندين ونرجم بعضنا لأي سبب؟ شاهد الأخبار وراقب السياسيين كيف يتهمون بعضهم ويشتمون بعضهم لأي سبب؟ لا سبب سوى حاجتنا لإفراغ كبتنا وغضبنا فنلوم غيرنا لأنه من المؤلم لنا لوم أنفسنا. من هنا نبعت حاجة الدول للحرب بين فترة وفترة. لكن أهذا ما نسميه حياة؟ هذه هي وصية الأنبياء والأولياء؟ أحبوا بعضكم ومن ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر والناس إخوة في الله، أين هذه الحقيقة الحية من حياتنا اليومية الميتة؟ لماذا جف نسيم هذه الحقيقة وتحول إلى شعارات وفقد قدرته على مناغمة إحساس الناس؟ وعظات وخطب وصلوات والحقيقة أننا لسنا أحياء بل نحيا لأجل الحرب والموت وفي عداد الأموات.

    اللاوعي في الإنسان يعني الظلام يعني الشر، فكل عمل ناتج عن حالة من غياب الوعي لن يكون مفيداً. والمجتمعات بشرائعها المزيفة ورجال دينها وحكامها حمّلت الإنسان ما لا يتوافق وظلام لاوعيه. لماذا؟ لأنها سعت إلى فرض التغيير عليه من الخارج دون محاولة فهم ذاته وسبر أعماقه وتحويله من الداخل. لاوعي الإنسان يمقت كل هذه العادات والشرائع لأنها لم تمد يدها لعونه وتحويله بل حاولت قمعه وترهيبه وتهويله فجاء التدين والتمدّن من الخارج لكننا في داخلنا لازلنا كما إنسان الغاب القديم بربريين صيادين نسعى لصيد بعضنا، نسعى للنيل من بعضنا لكن بشكل متمدن وما هو هذا الشكل المتمدن؟ الدين، الحرية، الأخلاق، الشرف والديمقراطية ولائحة لا تنتهي من الكلام الذي لا معنى خلف حروفه. هذا الشكل المتمدن هو الستار الذي نظهر بربريتنا خلفه ونخفي لاوعينا تحت قناعه.

    الآن الإجابة على أي سؤال والحل لأي خلاف أصبح بالإرهاب والترهيب. يبدو الإرهاب أكثر إمتاعاً للسياسيين الذين لم يقدموا على حرب عالمية ثالثة بعد انتهاء الثانية حتى الآن. لقد مضى وقتا كافيا منذ أن قامت الحرب العالمية الثانية وكان من المفترض للحرب الثالثة أن تحدث حوالي العام 1960. هذه إشارة إلى أن الإرهاب سينتشر ويتمدد أكثر وأكثر... يتمدد ويهدد أمتنا والعالم الأكبر... فقد أثبتت إحصائات طبية في مجال علم النفس بأن الإنسان يكون سعيداً في حالة الحرب أكثر منه في حالة السّلم وهذا ليس بالغريب ولا بالأمر المريب. فالإنسان يحيا في حال من اللاوعي واللاوعي يغذيه العنف، ترويه الحرب، ولا يمكن للاوعي إلا أن يكون مدمراً. لذا لا سؤال حول إمكانية حلول السلام لا في المنطقة ولا في أي منطقة قبل تغيير حال وأحوال الإنسان وإضاءة عتمة لاوعيه بنور شمس الوعي.

    الإنسان أكثر حماسة في أوقات الحرب وبما أن الحرب الثالثة لم تأتِ فالإرهاب هو البديل، هو حديث الناس ولهوتهم ولعبتهم. الإرهاب ببساطة هو انتقال الحرب من مستوى دولي إلى مستوى فردي.

    الحل في تغيير أنفسنا ومد يد العون لنشارك غيرنا عبير السلام حين يفوح من أزهار قلوبنا... سيلومنا إخوتنا وهم في حال اللاوعي، سيرجمونا ويصلبونا لأنهم لم يروا أنفسهم بعد فكيف لهم أن يرونا؟ لكن الصبر مفتاح الفرج وتغيير النفس هو البداية ليختار كل فرد منّا مصير السلام دون أن يحتار فلا وقت لنفكر ونسأل ماذا نختار... إما التأمل أو الحرب والدمار... فماذا تختار؟