حضوره الابداعي في غيابه المميت...

2 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 5 سنة 49 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

جبران خليل جبران قامة أدبية وشعرية كبيرة.. تتجاوز حدود المألوف.. وتقترب من نصية روح الاسطورة والأسطرة في علاقة استعادة دلالات الرموز والمعاني المجازية الكبري... أنه الرائع دوما بحضوره الابداعي في غيابه المميت...

ومن اجمل ما قرأت لجبران

الاله الصالح والاله الشرير...

اجتمع الاله الصالح مرة بالاله الشرير على قنة جبل . فقال الله الصالح للشرير : عم صباحا ياأخي !
فلم ينبس الاله الشرير ببنت شفة .فقال له الاله الصالح : يلوح لي أيها الزميل أن مزاجك متعكر اليوم .
فأجاب الاله الشرير قائلا: نعم ، أنا مستاء جدا لأن القوم في هذه المدة الأخيرة صاروا لا يميزون بيني وبينك ، وكثيرا ما أسمعهم ينادونني باسمك ولا أكره على نفسي منك ومن اسمك.
فقال له الاله الصالح : إن هذا مايحدث لي أيضا في كل يوم أيها العزيز ، فإن كثيرين من الناس ينادونني باسمك ويحسبونني إياك.
فمضى الاله الشرير في سبيله وهو يحرق الأرم في قلبه لاعنا حماقة الانسان وجهله .

الوجوه...

رأيت وجها يظهر بألف مظهر.ووجها مظهره واحدأبدا كأنما قد سبك في قالب.

ورأيت وجها قدرت أن أقرأ تحت طلاوته الظاهرة بشاعته المستترة ’ ووجها ما رأيت روعة جماله المحتجب حتى رفعت قناعه الظاهر .

ورأيت وجها شيخا قد تجعد ولكن لا على شيء , ووجها ناعما قد ارتسمت على ملا محه جميع الأشياء .

أنا أعرف الوجوه لأنني أنظر اليها من خلال ما ينسجه بصري فأرى الحقيقة التي وراءها ببصيرتي .

البحر الأعظم...

ذهبتُ ونفسي إلى البحر العظيم لنستحمّ بمائه.وعندما وصلنا إلى الساحل طفنا نبحث عن مكان مستورعن الاتنظار.
وفيما نحن نمشي رأينا رجلاً جالساً على صخرة غبراء وفي يده كيس يأخذ منه حفنات من الملح ويرمي بها إلى البحر.
فقالت لي نفسي: (( هو ذا المتشائم الذي لا يرى من الحياة سوى ظلمها.فلنترك هذا المكان لأنّنا لا نستطيع أن نستحمّ أمامه )).
فتركنا ذلك المكان وسرنا إلى أن بلغنا جوناً في الشاطئ،فإذا برجل واقف على صخرة بيضاء وفي يده صندوقة مرصّعة بالجواهر يتناول منها قطعا من السكّر ويرمي بها إلى البحر.
فقالت لي نفسي: (( هو ذا المتفائل الذي يستبشر بما لا بشر فيه . فيجب أن لا يرى جسدينا العاريين )).
فتابعنا مسيرنا إلى أن بلغنا إلى شاطئ قريب فرأينا رجلاً يلتقط أسماكاً ميتة ويعيدها إلى الماء بعطف وحنان.
فقالت لي نفسي: (( هو ذا الأنسانيّ الشفيق الذي يحاول إرجاع الحياة لمن في القبور . فلنبتعد عنه)).
فعبرنا به وسرنا إلى موضع أخر فرأينا رجلاً يخطّط ظله على المياه فتجيء الأمواج وتمحو خطوطه، ثم يعود فيخطّطه مرة بعد مرة .
فقالت لي نفسي: (( هذا هو المتصوّف الذي يقيم من أوهامه صنماً يعبده،فلنتركه )).
فخلّفناه وراءنا إلى جون صغير في مكان آخر فرأينا رجلاً يكشط الزبد عن سطح الماء ويضعه في كأس من العقيق
فقالت لي نفسي: (( هو ذا الخياليّ الذي يحوك من خيوط العناكب رداء يلبسه، وهو لا يستحقّ أن يرى جسدينا العاريين )).
ثم سرنا قليلأ فسمعنا بغتة ً صوتاً يقول: ((هذا هو البحر ! هذا هو البحر العميق! هذا هو البحر الواسع الجبار ! )) فسعينا إلى حيث خرج الصوت،فإذا برجل قد ولّى ظهره شطر البحر ووضع على أذنيه صَدفةً كالقرن وقعد يصغي إلى ما تُرجعه من الصدى.
فقالت لي نفسي: ((سر بنا ، فهذا هو الدهريّ الذي ينصرف عن الكليات التي تتجاوز فهمه إلى الجزئيات التافهة التي لا طائل تحتها ))
فخلفناه وراءنا وأنطلقنا إلى موضع آخر،فإذا برجل مُنحن بين الصخور وقد غمر رأسه بالرمل،فقلت لنفسي : (( هلمي يا نفسي لنستحمّ ههنا لأن هذا الرجل لا يستطيع أن يبصرنا )).
فهزّت نفسي رأسها وقالت: (( كلّا وألف كلّا ! فإنّ هذا الذي تراه هو شر خلق الله،هو الرافضي الخبيث الذي يحجب نفسه عن مأساة الحياة فتحجب الحياة أفراحها عن قلبه )).
فبدت إذ ذاك على وجه نفسي أمارات الحزن والأسى،وبصوت تقطعه المرارة قالت: ((هلمّ بنا ننصرف من هذا الشاطئ لأنّه ليس فيها مكان خفيّ آمن نستحمّ فيه.فلن أرضى أن تعبث هذه الريح بشعري الذهبيّ،ولا أن يكشف هذا الهواء عن صدري الناصع،ولا أن يظهر هذا النور عُريي المقدّس )).
حينئذ تركنا ذلك البحر ناشدين البحر الأعظم.

اللغة الأخرى ...

حدث أنه بعد ميلادي بثلاثة أيام كنت متكئا في مهدي الحريري أتفرس بلهفة غريبة في العالم الجديد حولي
فقالت أمي للمرضع :"كيف حال ولدي اليوم؟ "فأجابتها قائلة:"هو بخير يا سيدتي, فقد أطعمته ثلاث مرات , ولم أر قط قبله طفلا بشوشا مثله. "
فما سمعت ذلك حتى ثار ثائر غضبي وصرخت قائلا : "لا تصدقي ,لا تصدقي يا أماه, فان فراشي خشن الملمس,والحليب الذي رضعته مر المذاق ورائحته كريهة في أنفي ,فما شد ما بي من تعاسة! "
فلم تفهم أمي لغتي وكذلك المرضع لم تفقه ما قلته لأنني خاطبتها بلغة العالم الذي أتيت منه.
وفي اليوم الحادي والعشرين لولادتي وهو اليوم الذي تعمدت فيه , فقال الكاهن لأمي: "انني أهنئك يا سيدتي لأن ابنك ولد مسيحيا "
فقلت للكاهن مندهشا :"اذا كان الأمر كما تقول فأحر بأمك التي في السماء أن تكون تعسة بك لأنك لم تولد مسيحيا "
فلم يفهم الكاهن ما قلته بلغتي
وبعد سبعة أقمار جاءنا عراف فتفرس في وجهي مليا وقل لأمي : "ان ابنك هذا سيكون زعيما داهية وسيتبعه الناس طائعين ."
فصرخت بأعلى صوتي قائلا : "تلك نبوءة كاذبة,فانا أدرى بنفسي واعلم يقينا أنني سأدرس الموسيقى والغناء ولن أكون الا موسيقيا."
ولشد ما دهشت اذ لم يفهم أحد لغتي مع أنني كنت قد بلغت ذلك الحد من عمري
ولقد مر على ذلك ثلاث وثلاثون سنة وقد ماتت أمي والمرضع والكاهن (ظلل الله أرواحهم برحمته ) أما العراف فلا يزال حيا يرزق. وقد رأيته في الأمس امام الهيكل فحدثته وحدثني وأطلعته على انخراطي في سلك الموسيقى فقال لي : "قد طالما وثقت بأنك ستكون موسيقيا كبيرا , ولقد سبقت في أيام طفولتك فأنبأت أمك بمستقبلك هذا. "
فصدقت قوله لأني أنا نفسي نسيت لغة العالم الذي أتيت منه .

العالمان...

كان في مدينة أفكار القديمة عالمان . وكان كلّ منهما يمقت معرفة الآخر ويحتقرها . وكان الأول كافرا والثاني مؤمنا .
وحدث أن اجتمعا مرّة في ساحة المدينة وطفقا يتجادلان ويتحاجان أمام أنصارهما في وجود الآلهة أو عدم وجودها . وبعد أن حمي وطيس الجدال بينهما بضع ساعات مضى كل منهما في سبيله .
وفي ذلك المساء بعينه ذهب الكافر إلى الهيكل وجثا على ركبتيه أمام المذبح مستغفرا الآلهة عن جموح ماضيه وصار مؤمنا .
وفي الساعة نفسها أخذ المؤمن كتبه المقدسة وأحرقها في ساحة المدينة وصار زنديقا كافرا .

 

 

User offline. Last seen 5 سنة 49 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

النصف...

لا تجالس أنصاف العشاق..
ولا تصادق أنصاف الأصدقاء ..
لا تقرا لأنصاف الموهوبين..
ولا تعش نصف حياة..
لا تمت نصف موت..
ولا تختبر نصف حل..
لا تقف في منتصف الحقيقة..
ولا تحلم نصف حلم.. ولا تتعلق بنصف أمل ..
إذا صمت .. فاصمت حتى النهاية ..
وإذا تكلمت .. فتكلم حتى النهاية ..
لا تصمت كي تتكلم ولا تتكلم كي تصمت ..
إذا رضيت .. فعبر عن رضاك ..لا تصطنع نصف رضا ..
وإذا رفضت ..فعبر عن رفضك .. لأن نصف الرفض قبول ..
النصف ...
هو حياة لم تعشها .. وهو كلمة لم تقلها .. وهو ابتسامة أجلتها .. وهو حب لم تصل إليه .. وهو صداقة لم تعرفها ..
النصف ...
هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك .. وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك ..
النصف ..
هو أن تصل وأن لاتصل .. أن تعمل وأن لا تعمل .. أن تغيب وأن تحضر ..
النصف !!!!
هوأنت .. عندما لا تكون أنت ..لأنك لم تعرف من أنت ..
النصف ..
هو أن لا تعرف من أنت ..
ومن تحب ليس نصفك الآخر .. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه ..
نصف شربة لن تروي ظمأك .. ونصف وجبة لن تشبع جوعك .. نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان .. ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة ..النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز ..لأنك لست نصف إنسان .. أنت إنسان ..وجدت كي تعيش الحياة .. وليس كي تعيش نصف حياة

صورة  Nabil Yousif's
User offline. Last seen 5 سنة 2 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 10/08/2010

ما زلت تستأثر اللب بيراعك الفذ وانتقاءك المتميز للممتع من الأفكار
تقبل بصمة الإعجاب دون إضافة ...
تحياتي

NY