زكريا تامر : الجحيم

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 28/04/2012

كنت أتنزه في بستان من البساتين الخضر، فالتقيت أحد الحمير، وفوجئت ببراعته في التكلم باللغة العربية، فسألته عمن يعجبه من المغنين والمغنيات، فأجاب بصوت متذمر : هذه الحياة التي أعيشها لا تسمح لي بأن أتمتع بأغنية، وهي فعلاً الحياة التي يقال عنها : حتى الحمير لا تطيقها.

فقلت له إن تجارب الزمان قد عودت الناس ألا يتذمروا أو يشتكوا، فكلما تذمروا من وضع وتمنوا زواله تحققت أمنيتهم وزال ليحل محله وضع أسوأ يجعلهم يتحسرون على الوضع الذي زال.
قال الحمار : كل ظلم يحتمل ما عدا أن يكون العمل كثيراً والأكل قليلاً.
فقلت له مواسياً : هذا ظلم لا يطال الحمير وحدها، فكثيرون من الناس يشتغلون أكثر مما تشتغل الحمير ويأكلون أقل ما تأكل.
قال الحمار : ونحن نقاد من مكان إلى مكان مربوطي الأعناق بالحبال.
فقلت له : والناس مثلكم، ولكن الحبال التي تطوق أعناقهم لا تُرى، وهي أقسى وأغلظ.
قال الحمار : ونحن نرغم على العمل كل يوم، وإذا حاولنا التمرد نلنا ضرباً مبرحاً.
فقلت له : ولكن من يضربكم لا يضربكم إلا ضرب من يخشى على حياتكم لئلا يخسركم. أما الناس المتمردون، فيضربون ضرباً لا يأبه لما يحل بهم، وسيان لديه حياتهم ومماتهم.
قال الحمار : ونحن محرومون أي حق من الحقوق. حتى إذا حاولنا أن ننهق تعالت فوراً من حولنا صيحات الهزء والإستنكار والتنديد.
فقلت له : من يحرمكم حقوقكم هو نفسه بغير حقوق، والجائع لا يطلب طعاماً من جائع.
قال الحمار : لولا ثقتي بالعلم لأقدمت على الانتحار، فالعلم يحوّل الآن الرجل إمرأة والمرأة رجلاً، ولن يعجز في المستقبل القريب عن تحويل الحمير إلى بشر.
فقلت له : ولكنك إذا صرت بشراً، فستضطر في اليوم الثاني إلى البكاء والتوسل بأن تعود حماراً.
فاتهمني الحمار بالتشاؤم، وسألني : هل هناك أروع من مخلوق يمشي على قدمين شامخ الرأس؟
فقلت له :كأنك لا تبصر! ألا ترى الناس أفواجاً أفواجاً يدبون على أربع حفاظاً على مآربهم وغنائمهم؟
قال الحمار لي بصوت حائر : كلما فتحت باباً أغلقته، فماذا تقترح علي؟
فاقترحت على الحمار أن يتذكر دائماً ما أسبغ الله عليه من نعم، ويحمده حمداً كثيراً لأنه لم يخلقه مواطناً ذا قدمين.