بيان كذب قصة الغرانيق

رد واحد [اخر رد]
مشترك منذ تاريخ: 11/04/2006

-بسم الله الرحمن الرحيم
فهذا رد على قصة الغرانيق انقله من كلام العلماء :
1- الآيات :
( ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلآ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله ءاياته والله عليم حكيم ( 52 ) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( 53 ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم ( 54 ) ) [الحج] .

2- الروايات التي أوردت القصة :
للقصة عشر روايات : سأورد هنا رواية واحدة ( للاختصار ومن شاء الاستزادة فليقرأ الكتاب وقد وضعت رابطه في الأسفل )
10- عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ سورة (النجم) و هو بمكة، فأتى على هذه الآية (أفرأيتم اللات و العزى (19) و مناة الثالثة الأخرى (20)) [النجم] فألقى الشيطان على لسانه "أنهن الغرانيق العلى" فأنزل الله: (و ما أرسلنا من قبلك ...) الآية [الحج: 52]، و كذا أورده السيوطي في "الدرر المنثور" (4/267) وقال:
"أخرجه ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، و من طريق أبي بكر الهذلي و أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، و من طريق سليمان التيمي عمن حدثه عن ابن عباس".
قلت: فهذه طرق ثلاث عن ابن عباس و كلها ضعيفه.
أما الطريق الأولى: ففيها الكلبي و هو كذّاب كما تقدم بيانه قريباً.
و أما الطريق الثانية: ففيها من لم يسمّ.
و أما الطريق الثالثة: ففيها أبو بكر الهذلي. قال الحافظ في "التقريب": "أخباري متروك الحديث" لكن قد قرن فيها أيوب، و الظاهر أنه السختياني، فلا بد أن يكون في الطريق إليه من لا يُحتَج به لأن الحافظ قال في "الفتح" (8/355) بعد أن ساقه من الطرق الثلاث:
"و كلها ضعيف أو منقطع".
و قد ذكر ما يفيد أن ابن مردويه أخرجها من طريق عباد بن صهيب، و هو أحد المتروكين، كما قال الحافظ الذهبي في ترجمته من "الميزان".
و له طريق رابع، أخرجه ابن جرير (17/120)، حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي. ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، "أن نبي الله صلى الله عليه و سلم بينما هو يُصلّي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها، فسمعه المشركون، فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه، فبينما هو يقول: (أفرأيتم اللات و العزى (19) و مناة الثالثة الأخرى (20)) [النجم]، ألقى الشيطان: "إن تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى"، فجعل يتلوها، فنزل جبريل صلى الله عليه و سلم فنسخها، ثم قال له: (و ما أرسلنا من قبلك ...) الآية [الحج: 52].
رواه ابن مردويه أيضاً كما في "الدرر" (4/366).
قلت: و هذا إسناد ضعيف جداً، مُسَلسَل بالضعفاء: محمد ابن سعد، هو ابن محمد بن الحسن بن عطية بن جُنادة أبو جعفر العوفي ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد" (5/322-323) و قال: "كان ليّناً في الحديث".
و والده سعد بن محمد ترجمه الخطيب أيضاً (9/126- 127) و روى عن أحمد أنه قال فيه: "لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، و لا كان موضعاً لذلك".
و عمه هو الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد، و هو متفق على ضَعفه ترجمه الخطيب (8/29- 32)و غيره.
و أبوه الحسن بن عطية ضعيف أيضاً اتفاقاً، و قد أورده ابن حبان في "الضعفاء" و قال: "مُنكَر الحديث، فلا أدري البَلِيّة منه أو من ابنه، أو منها معاً؟" ترجمته في "تهذيب التهذيب".
و كذا والده عطية، و هو مشهور بالضَّعف

3 - كلام القاضي عِياض في ذلك:

و قال القاضي عِيَاضْ:
"فاعلم أكرمك الله: أن لنا في الكلام على مشكل الحديث مأخذين:
أحدهما في توهِين أصله، و الثاني على تسليمه.
أما المأخذ الأول، فيكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، و لا رواه ثقة بسند متصل سليم، و إنما أولع به و بمثله المفسرون و المؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح و سقيم، و صدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء و التفسير، و تعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقله، و اضطراب رواياته، و انقطاع إسناده و اختلاف كلماته. فقائل يقول: إنه في الصلاة، و آخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، و آخر يقول: قالها و قد أصابته سِنة، و آخر يقول: بل حَدَّثَ نفسه فسها، و آخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، و إن النبي صلى الله عليه و سلم لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا أقرأتك؟! و آخر يقول: بل أعلمهم الشيطان أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأها، فلما بلغ النبي صلى الله عليه و سلم ذلك، قال: و الله ما هكذا أنزلت. إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، و من حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين و التابعين لم يُسْندها أحد منهم، و لا رفعها إلى صاحب، و أكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية، و المرفوع فيه حديث شُعبة عن أبي بِشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب – الشك في الحديث- أن النبي صلى الله عليه و سلم كان بمكة، و ذكر القصة. و قال أبو بكر البزّار: "هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم بإسناد متصل يجوز ذِكره إلا هذا، و لم يسنده عن شبعة إلا أمية بن خالد، و غيره يرسله عن سعيد بن جبير، و إنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس".
فقد بيَّن لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يُُعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، و فيه من الضعف ما نبَّه عليه مع وقوع الشك فيه – كما ذكرنا- الذي لا يوثق به و لا حقيقة معه. و أما حديث الكلبي فمما لا تجوز الرواية عنه، و لا ذكره لقوة ضعفه و كذبه كما أشار إليه البزّار، و الذي منه في "الصحيح" "أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ: (النجم) و هو بمكة فسجد معه المسلمون و المشركون و الجن و الإنس" هذا توهينه من طريق النقل.
فأما من جهة المعنى: فقد قامت الحُجَّة، و أجمعت الأمة على عِصمته صلى الله عليه و سلم و نزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهةٍ غيرٍ الله و هو كفر، أو أن يتسور عليه الشيطان و يشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، و يعتقد النبي صلى الله عليه و سلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه عليه جبريل عليه السلام، و ذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه و سلم أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه و سلم من قبل نفسه عمداً، و ذلك كفر، أو سهو، و هو معصوم من ذلك كله، و قد قررنا بالبراهين و الإجماع عصمته صلى الله عليه و سلم من جَرَيان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمداً و لا سهواً، و أن يشتبه عليه ما يلقيه الملَك بما يلقي الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو يتقول على الله لا عمداً و لا سهواً ما لم ينزل عليه، و قد قال تعالى: (وَلَوْ تقوَّل علَيْنا بعضَ الأقاويل) الآية [الحاقة:44]، و قال (إذاً لأذقناك ضِعف الحياة و ضِعفَ الممات) [الإسراء:75].
ووجه ثانٍ: وهو استحالة هذه القصة نظراً و عُرفاً، و ذلك أن هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الإلتئام متناقض الأقسام، ممتزج المدح و الذم، متخاذل التأليف و النّظم، و لَمَا كان النبي صلى الله عليه و سلم و لا من بحضرته من المسلمين و صناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك، و هذا لا يخفى على أدنى متأمِّل، فكيف بمن رجَحََ حلمه، و اتسع في باب البيان و معرفة فصيح الكلام علمه؟!.
ووجه ثالث: أنه قد علم من عادة المنافقين، و معاندة المشركين، و ضعفة القلوب، و الجهلة من المسلمين، نفورهم لأول وَهْلة، و تخليط العدو على النبي صلى الله عليه و سلم لأقل فتنة، و تعييرهم المسلمين و الشماتة بهم الفنية بعد الفنية، و ارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شُبهة، و لم يحكِ أحد في هذه القصة شيئاً سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل و لو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، و لأقامت بها اليهود عليهم الحجة، كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء، حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردّة. كذلك ما روي في قصة القضية، و لا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، و لا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، فما رُوي عن معاند فيها كلمة، و لا عن مسلم بسببها بنت شفة، فدل على بطلانها و اجتثاث أصلها. و لا شك في إدخال بعض شياطين الإنس و الجن هذا الحديث على مُغفَّلي المحدثين، يلبس به على ضعفاء المسلمين.
ووجه رابع: ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت: (و إن كادوا لَيَفتِنونَك...) الآيتين [الإسراء:73- 74]. و هاتان الآيتان تردّان الخبر الذي رووه، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا ليفتنونه حتى يفتري، و أنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم، فمضمون هذا و مفهومه أن الله تعالى قد عصمه من أن يفتري، و ثبته حتى لم يركن إليهم قليلاً، فكيف كثيراً؟ و هم يروون في أخبارهم الواهية أن زاد على الركون الافتراء بمدح آلهتهم، و أنه قال صلى الله عليه و سلم: "أفتريت على الله، و قلت ما لم يقل" و هذا ضد مفهوم الآية، وهي تضعف الحديث لو صح فكيف و لا صحة له؟ و هذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى: (و لولا فضل الله عليكَ و رحمتهُ لهمّت طائفةٌ منهم أن يُضلّوك و ما يضّلون إلا أنفسهم و ما يضرّونك من شيء) [النساء:113]. و قد روي عن ابن عباس: "كل ما في القرآن "كاد" فهو ما لا يكون".
قال القاضي:و لقد طالَبَتْه قريش و ثقيف إذا مرّّ بآلهتهم أن يُقبل بوجهه إليها، ووعوده الإيمان به إن فعل، فما فعل و لا كاد أن يضل، و قد ذكرت في معنى الآية تفاسير أخر، ما ذكرناه من نصّ الله على عصمة رسوله برد سفاسفها، فلم يبق في الآية إلا أن الله تعالى امتن على رسوله بعصمته و تثبيته بما كاده به الكفار، و راموا من فتنته، و مرادنا في ذلك تنزيهه و عصمته صلى الله عليه و سلم و هو مفهوم الآية.
و أما المأخذ الثاني: فهو مبني على تسليم الحديث لو صح أعاذنا الله من صحته، و لكن مع كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة بأجوبه منها الغث و السمين".
قلت: فذِكر هذه الأجوبة، و ضعفها جلها أو كلها، إلا الأخير منها، فإنه استظهره و رجحه، وهو الذي أجاب به ابن العربي فيما تقدم من كلامه (ص 53):
إن الشيطان هو الذي ألقى ذلك في سكتة النبي صلى الله عليه و سلم بين الآيتين، محاكياً نغمة النبي صلى الله عليه و سلم و أشاع ذلك المشركون عنه صلى الله عليه و سلم، و لم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظه السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، و تحققهم من حال النبي صلى الله عليه و سلم في ذمّ الأوثان و عيبها على ما عرف منه، و قد حكى موسى بن عُقبة في مغازيه نحو هذا و قال: "إن المسلمين لم يسمعوها، و إنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين و قلوبهم" و يكون ما روى من حزن النبي صلى الله عليه و سلم لهذه الإشاعة و الشبهة و سبب هذه الفتنه.

=====
من كتاب :
نصب المجانيق في نسف قصة الغرانيق :
لمحدث العصر : الشيخ محمد ناصر الدين اللباني رحمه الله تعالى
ولقراءة الكتاب كاملاً :أدخل هنا :
الكتاب صغير حواليصفحة .وفيه بيان كامل لكذب القصة سنداً ومتناً
http://www.alalbany.net/albany_doc_abooks.php

والله الموفق

User offline. Last seen 11 سنة 31 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/11/2005

مشكور على موضوعك عزيزي فائق ..
قصة الغرانيق كثر الحديث عنها وطال ..
وقد نسفها الشيخ الألباني رحمه الله بعد كتابته عنها ..
تحياتي لك