لا تدع التَّوافهَ تغْلبُكَ عَلى أمْرك

10 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 13 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/06/2006

لا تدع التَّوافهَ تغْلبُكَ عَلى أمْرك
تهيُّب الإنسان للكبائر يبعده عن مواقعتها،و ينجيه من غوائلها.
بيد أنَّ المرء الذي يخشى على حياته أن يتناول جُرعةً كبيرةً من السّمّ ـ لوضوح خطرها ـ قد يستهين بتناول أجزاء دقيقة منها تكون مطويَّة في أطعمة مكشوفة ، أو أطباق قذرة،أو أيد ملوثة أو ما شابه ذلك.
ومن ثمَّ يصيب بدنه من العلل ما قد يُودي به،مثلما تُودي به رصاصة قاتلة،أو طعنة غادرة.
وإرهاباً للمؤمنين من اقتراف الصغائر،و خوفاً على كيانهم النفسي و الاجتماعي من تجمُّعها،أهاب النبيُّ صلى الله عليه و سلم بأمته أن تحذرها، وأن تتنزَّه عن فعلها،و أن تتطهَّر حيناً بعد حين من آثارها.
صحيحً أنَّ الهدف الأكبر من رسالته هو محاربة الشرك،و إزالة أوهامه عن الأفكار و الضمائر.
و قد استطاع في حياته أن يسقط دولة الأصنام، و أن يقيم أمة تعبد الله وحده.
ومع ذلك فقد حذَّر من أمور قد يستريح الشيطان من إقبال الناس عليها استراحته من سقوطهم في حمأة الشرك نفسه،فقال((إنَّ الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام في أرض العرب،و لكنَّه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقِّرات،وهي الموبقات يوم القيامة))(1).
و في حجة الوداع ـ و هو يرسي قواعد السلوك الكامل ـ قال((أيُّها الناس! إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه أبداً.و لكنه إنْ يطع فيما سوى ذلك فقط رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم)).
قال ديل كارنيجي:((إننا غالباً ما نواجه كوارث الحياة و أحداثها في شجاعةٍ نادرةٍ و صبرٍ جميلٍ، ثمَّ ندع التوافه بعد ذلك تغلبنا على أمرنا، و من أمثلة ذلك ما قاله(صمويل بييز) في مذكراته عن(سيرهاري فان) حين سيق لتنفيذ حكم
الإعدام فيه بضرب عنقه، فإنَّه لم يلتمس العفو,و لم يطلب الرحمة،و إنَّما رجا الجلاد ألا يضرب بسيفه موضعاً في عنقه كان يؤلمه.
ومن أمثله ذلك أيضا ما كتب الأدميرال(بيرد)في مذكراته عن ليالي الظلام والزمهرير التي قضاها في القطب الجنوبي ,فقد ذكر أن رجاله كانوا منشغلين بتوافه الأمور عن الكوارث المحدقة بهم ,وهم يعيشون في جو درجة حرارته ثمانون تحت الصفر .
قال (بيرد) :كان رجالي يتخاصمون إذا اعتدى أحدهم على المساحة المخصصة لنوم زميل له, واستقطع لنفسه منها بضع بوصات, ومن ثم رجل من رجالي كانت نفسه تعاف الطعام في مواجهة زميل له اعتاد أن يمضغ اللقمة ثمانيا وعشرين مرة قبل أن يزدردها , ولست أعجب لهذا , فأن صغائر كهذا في معسكر قطبي يسعها أن تسلب عقول أشد الناس دربة على الطاعة والنظام .
ويقص علينا (كارنيجي)حكاية شجرة ضخمة نبتت منذ أربعمائة عام ,وتعرضت في حياتها الطويلة للصواعق أربع عشرة مرة ,وهزتها العواصف العاتية طوال أربعة قرون متوالية,ومع ذلك ظلت هذه الشجرة جاثمة في مكانها كأنها جبل عتيد,ثم حدث أخيرا أن زحفت جيوش من الهوام و الحشرات على هذه الشجرة الضخمة فمازالت بها تنخرها وتقرضها حتى سوتها بسطح الأرض ,وجعلتها أثرا بعد عين.
لقد انمحت ماردة الغابة التي لم تهزمها الصواعق ولم تنل منها الأنواء ,اختفت من الوجود بفعل هوام هي من الضآلة بحيث يستطيع الإنسان أن يسحق أحداها بين سبابته و أبهامه,ألا ترانا مثل هذه الشجرة ؟!أو لسنا ننجو من الأعاصير التي تتعرض حياتنا ثم نستسلم بعد ذلك للتوافه التي تلتهم حياتنا التهاما؟!
و الأمثلة التي ذكرها المؤلف من واقع الحياة التي يعالج شؤونها قد سبق النبي (ص) ألى ضرب أمثلة تشبهها مأخوذة من طبيعة البيئة التي عاش فيها .
فعن عبد الله بن مسعود, قال :رسول الله (ص) :"إياكم و محقرات الذنوب ,فأنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه،وان الرسول (ص) ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ,فحضر صنيع القوم , فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود,والرجل يجيء با لعود حتى جمعوا سوادا ,فأججوا نارا ,وأنضجوا ما قذفوا فيها".
وروي عن سعد بن جنادة قال : لما فرغ رسول الله من (حنين)نزلنا فقرا من الأرض ليس فيه شيء ، فقال النبي (ص) :((اجمعوا ..من وجد شيئا ً فليأت به ،ومن وجد عظماً أو سنا ً فليأت به ))
قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاما ً ، فقال النبي (ص) : (( أترون هذا ؟ فكذلك تجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا ، فليتق الله رجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة ،فأنها محصاة عليه ))
وقد علم أولو النّهى من تجاربهم أنَّ هناك أشياء تبدر من الإنسان و هو غير آبهٍ بها و لا يقظٍ لها،يعدها الآخرون عليه،و يستنتجون منها أفكاراً أو يرون وراءها نيات غريبة.
و قد تترتب على ذلك نتائج فادحة،كما قيل:
إن الأمور صغيرها....................................... مما يهيج له العظيم!!
فيحسن بالكيس أن يتدبر ما يصدر عنه من أفعال،ربما لم يلتفت إليها لصغرها و لكنها قد تعقب الكبير من الشرور.
و كما أن تجمع الصغائر مخوف العقبى على حياة الإنسان،فإن تجسيم الصغائر بحيث تبدو إحداها و قد حجبت ما يجاورها من خيرٍ ليس من الإنصاف في شيء.
و من المؤسف أن بعض الناس يقع على السيئة في سلوك شخص ما فيقيم الدنيا و يقعدها من أجلها،ثم يعمى أو يتعامى عما تمتلىء به حياة هذا الشخص من أفعال حسان و شمائل كرام.
والنظر الذي يثبت على الصغائر لا يعدوها،و لا يعتذر عنها بما يجاورها من خير و كمال هو نظر جائر.
و قلما يقود صاحبه إلى الراحة.
إن الله عز و جل يتجاوز عن التوافه،و يغتفر اللمم لكل مؤمن ينشد الكمال،و يصبغ به عمله على قدر استطاعته،قال عز و جل :{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلاً كريماً}(النساء:31).
و جميل في أجزية الله للناس أن يترك لهم فلتات الطباع و زلات الأقدام.
و جميل من الناس أن يعاشر بعضهم بعضاً على هذه القاعدة من السماحة،و في ذلك قال الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ................ صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه ......................مقارف ذنب مرَّة و مجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى............. ظمئت،و أي الناس تصفو مشاربه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها....................كفى المرء نبلاً أن تعدّ معايبه
وهذه القاعدة إذا حسن تطبيقها فيما بين الأصحاب من أواصر،وما يعرض لعلاقاتهم من هزات،فهي بين الزوجين ألزم،و للسيطرة على حياتهم أحب و أحكم.
فإن ضاق الزوج بغلطة من امرأته تذكَّر أنّ لها صواباً.
و إن حزن لجانب من نفسها نظر إلى جانب آخر يسره منها.(والعكس )
و إلى ذلك يشير رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله:{لا يفرك-لا يكره-مؤمن مؤمنة،إن كره منها خلقاً رضي منها آخر}(2).
على أنه من المؤسف أن كثيراً من التوافه تعصف برشد الألوف المؤلفة من الناس،و تقوض بيوتهم،و تهدم صداقاته،و تذرهم في هذه الدنيا حيارى محسورين.
و يشرح ديل كارنيجي عواقب الاندفاع مع وحي هذه التوافه،فيقول:{إن الصغائر في الحياة الزوجية يسعها أن تسلب عقول الأزواج و الزوجات،و تسبب نصف أوجاع القلب التي يعانيها العالم.
أو ذاك على الأقل ما يؤكد الخبراء،فقد صرح القاضي(جوزيف ساباث)من قضاة شيكاغو بعد أن فصل في أكثر من أربعين ألف طلاق بقوله:إنك لتجدنّ التوافه دائماً وراء كل شقاء يصيب الزواج.
وقال(فرانك هوجان)النائب العام في نيويورك(إن نصف القضايا التي تعرض على محاكم الجنايات تقوم على أسباب تافهة،كجدال ينشأ بين أفراد أسرة ،أو من إهانة عابرة، أو كلمة جارحة،أو إشارة نابية.
هذه الصغائر اليسيرة هي التي تؤدي إلى القتل و الجريمة.
إن الأقلين منا قساة بطبائعهم، بيد أنَّ توالي الضربات الموجهة إلى ذواتنا و كبريائنا و كرامتنا هو الذي يسبب نصف ما يعانيه العالم من المشكلات)) .
هذا الكلام الذي يصف علل الجراثيم في مدن أمريكة يمكن أن ننقله بنصه في وصف علل الجرائم التي تقع في مدننا و أريافنا.
و الواقع أنَّ سوء التصور للأمور،و شدة الإحساس بالكرامة الخاصة،و المبادرة إلى تفسير أي تصرف بأنه احتقار لا يغسله إلا الدم، وغير ذلك من التخيلات التي تضخم التوافه،هو السبب الأول لما تشهد و تقرأ من أحداث مروعة.
و العلاج؟..صقل مرآة الذهن بحيث تلتقط صوراً حقيقية لما تحفل به الحياة.صوراً لم تفسدها المبالغة، و لم يشوهها الهوى.
ثم الحكم على هذه الصور في نطاق النظرة الرحبة ؛النظرة التي تضع النظائر و النقائص في جوار واحد،فلا تنسى الخير إذا هاجها شرّ.
وبذلك يتلاشى أغلب ما يحسه المرء من شقاء،وما يتورط فيه من أخطاء.
الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي

User offline. Last seen 13 سنة 44 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 05/07/2006

sopas sorgul

:D

User offline. Last seen 13 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/06/2006

اهلا بك اخي جكر

بتمنى تكون استفدت

User offline. Last seen 13 سنة 21 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/05/2006

نعم عزيزتي Sorgul ..

كم جعلتنا أتفه الامور أن نخسر أشياء واشياء ....

موضوع جميل ... أشكرك Sorgul ...

وليتنا نستطيع السيطرة على انفعالاتنا .. ونحكم بمنطقية ....

ونتمهل قبل أن نصدر أحكامنا ..

...

User offline. Last seen 13 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/06/2006

بارك الله فيك اختي نسرين اسعدني مرورك الهادئ كنسيم البحر والجميل كعطر الياسمين الدمشي

اتمنى ان تكوني قد استفدتي

صورة  Ramyar's
User offline. Last seen 11 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/11/2005

شكرا لك يا كلا سور :wink: أنصحك بالاختصار في مشاركاتك لأنكي تتعبينا
فكلما كان الموضوع مختصرا كان القراءأكثر
بيني وبينك الشخص المهتم يقرأ المقال مهما كان طوله

ان لم تكن لك بصمة في الحياة فأنت زائد عليها

User offline. Last seen 13 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/06/2006

اهلا وسهلا اخي راميار
والله انا لما كنت عم اٌقرأ من الكتاب يلي كتبت منو المقال لاني كتير اعجبت بالموضوع ما كنت اقدر احذف منو اي بند حسيت كل كلمة كتير مهمة انو تنذكر
ان شاء الله اذا بقدر الخص شوي بس موبأيدي بحب اوصل الفكرة كاملة من دون اي نقص بيني وبينك مرات بزيد من عندي مشان يتماشى مع عقليه كل القرآء
وشكر ا كتير اخي على المرور وعلى النصيحة

User offline. Last seen 15 اسبوع 2 أيام ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 13/07/2006

شكرا sorgul و أنش الله نقدر نطبق والله الموفق
بس الك شو احسن شي فيكي؟؟؟؟؟؟؟؟
انو خطك كبير برافو ثابري :lol: :lol: :lol:

User offline. Last seen 13 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/06/2006

ههههههههههه لك يا اهلا وسهلا ازا بدك بكبرو اكتر بس بعدين ما حدا بيعود بيقرى المواضيع خخخخخخخخخ
على كل نورتي يا وردة :wink:

User offline. Last seen 17 سنة 17 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/07/2006

جزاك الله الف خير
موضوع جميل جداًًً

User offline. Last seen 13 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 18/06/2006

اهلا اخي كولفان بارك الله فيك املة ان تكون قد استفدت منه