الاسلام رحمة و محمد الرحمة المهداة...

2 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 4 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/08/2006

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين. وصلّى الله على محمّد وآله ‏الطاهرين. واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.·

مقدمة مفهوم «الرحمة» يشكّل أحد المحاور الأساسية في فكر الإنسان المعاصر، ورغم أن «الرحمة» من القيم المحورية في الإسلام ولكننا نلاحظ أن الجهات الأخرى تبنّت اليوم هذه القيمة نظرياً وعملياً، ولا نريد الآن البحث في ما إذا كان هذا التبنّي تبنّياً واقعياً أم مزيّفاً، فلهذا مجال ‏آخر، ولكن الشي‏ء الواضح هو أن الجهات الأخرى ترفع اليوم شعار «الرحمة» وتتبنّاه ‏نظرياً وعملياً، فالمسيحيون مثلاً يحاولون أن يكتسحوا العالم من خلال رفعهم هذا الشعار، وإذاعاتهم تردّد «أن المسيح رحمة» و«أنه افتدانا من لعنة الناموس» و«أنه تحمّل جميع الآلام للتكفير عن خطايا البشر».

وحتى القوى العظمى ترفع اليوم شعار الرحمة والدفاع عن حقوق الإنسان، فالغرب يرفع شعار الدفاع عن حقوق الأطفال في العالم وحقوق المرأة وحقوق السجناء و...، أما نحن المسلمين فمن المؤسف أن تبنّينا لهذه القيمة اليوم ضعيف جداً سواء من الناحية النظرية أم من الناحية العملية.

فلو اعتقل أحد المؤمنين في إحدى البلاد الإسلامية، فربما يبقى أعواماً لا يُعرف عنه شيء، في حين انه لو اعتقل فرد من دين آخر فإن لجان‏ الدفاع عن حقوق الإنسان قد توجّه ضغوطاً كبيرة إلى الدولة التي تعتقله حتى تطلق‏ سراحه.

الرحمة في النصوص الإسلامية إن النصوص الإسلامية مشحونة بمفهوم الرحمة، فأول ما تفتح كتاب‏ الله تعالى يواجهك شعار الرحمة (بسم الله الرحمن الرحيم)، كما أن هذا الشعار مطلع كلّ سورة في القرآن الكريم.

وقد تكررت كلمة «الرحمة» ومشتقّاتها في القرآن الكريم مئات المرّات، ولكننا نكتفي هنا بذكر آيتين كريمتين؛ الأولى منهما ترتبط بالجانب‏ التكويني، أما الثانية فترتبط بالجانب التشريعي.

أمّا الآية الأولى فهي قوله تعالى: (إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم) [1].

إن اللغز الذي حيّر العقول منذ القدم هو: لماذا خلق الله الإنسان؟ من الواضح أن الله تعالى خلق كلّ الأشياء من أجل الإنسان، ولكن ما هي الغاية من خلق الإنسان؟ يقول الله تعالى في الجواب على ذلك: (إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم) أي خلقهم كي يرحمهم، فهذا هو الدافع وراء خلق ‏الإنسان، وهذه هي العلّة الغائية لوجوده.

أما الآية الثانية فهي قوله تعالى مخاطباً نبيّه الكريم صلّى الله عليه وآله: (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)[2]، و «إلاّ» تفيد الحصر، فيكون معنى العبارة أن هدف ‏البعثة متمحّض في الرحمة.

اتضح إذن أن الرحمة تمثّل قيمة محورية في نظام التشريع، كما تمثّل قيمة محورية في نظام التكوين.

كيف يكون نبيّنا صلّى الله عليه وآله رحمة للعالمين؟ وهنا سؤالان قد يخطران في الأذهان عن قوله تعالى:(وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين):

السؤال الأول: إذا كان النبي صلّى الله عليه وآله رحمة للعالمين، فلماذا لم‏ ينتفع الكفّار بهذه الرحمة؟

وإذا كان العلماء يقولون: «ما يعلم أنه لا يترتّب على شي‏ء لا يعقل أن يكون ‏غرضاً منه» فكيف يكون الغرض من بعثة الرسول صلّى الله عليه وآله هو الرحمة للجميع مع أنها لم تترتّب‏ عليه؟

هناك إجابات عديدة على هذا السؤال ولكنا نكتفي بالإشارة إلى إحداها وهي: أن الرحمة من ‏الحقائق المشكّكة - حسب الاصطلاح الفلسفي - أي أن لها مراتب، وبعض مراتب هذه الرحمة شملت الجميع.
العلماء والكتّاب الذين يزورونه على الكتابة عن‏ فضل النبي صلّى الله عليه وآله على الحضارة المعاصرة، وكان يقول: يمكن تأليف كتاب ضخم في هذا المجال ولكن ليس لديّ الوقت الكافي للقيام بذلك، ولذلك أؤكّد عليكم أن تقوموا أنتم بذلك، فإنّ ما ينعم به إنسان اليوم من خير مدين به للنبي صلّى الله عليه وآله.

لقد كان الغرب في القرون الوسطى يغطّ في ظلام الجهل والتخلّف في كلّ ‏المجالات كما يعترف مؤرّخوهم بذلك. ففي المجال الصحي كانت مستشفياتهم كاصطبلات الحيوانات، أما الوضع العلمي فيكفي أن نعرف أنهم كانوا يقتلون علماءهم ‏ويحرقونهم، والمقصلة الموجودة في لندن والتي كانت تفصل رؤوس العلماء - وغيرهم - عن أجسادهم شاهدة على ذلك.

وأما المرأة فكانت محتقرة أيّما احتقار، حتى بُعث نبينا صلّى الله عليه وآله وغمر العالم بأنواره، وما مبادئ حقوق الإنسان وحرية الرأي وما يعبّر عنه‏ بالديمقراطية في عالم اليوم إلاّ حصيلة احتكاك الغرب بالحضارة الإسلامية. فإذا كان الإنسان المعاصر ينعم بقدر من الحرية والأمن والعلم والمعرفة فإنما ذلك ببركة النبي الأعظم‏ صلّى الله عليه وآله. ولقد أشارت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها إلى بعض الجوانب من هذه النقلة النوعية التي حقّقها رسول الله صلّى الله عليه وآله ‏في قولها سلام الله عليها: «فأنقذكم الله برسوله صلى الله عليه وآله»[3].

اتضح إذن أن النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله لم يكن رحمة للمؤمنين أو المسلمين ‏فقط بل كان صلّى الله عليه وآله رحمة للعالمين جميعاً.

لا منافاة بين الرحمة والعقوبات الإسلامية السؤال الثاني: إذا كان الإسلام دين الرحمة والرسول صلّى الله عليه وآله نبيّ ‏الرحمة، فكيف نفسّر العقوبات الجزائية في الإسلام، أليست هذه العقوبات منافيةً للرحمة؟

نشير في الجواب - على نحو الإجمال أيضاً - إلى نقطتين:

النقطة الأولى: إن نظام العقوبات يمثّل جزءاً محدوداً من الإسلام، وإن قيمته ‏الكاملة تكمن في كونه يمثّل جزءاً من النظام الإسلامي كلّه، ولو فصلنا أي ‏جزء من المجموعة التي ينتمي إليها وعرضناه على أنه يمثّل الكلّ فإن الصورة التي يعكسها هذا الجزء قد لا تكون جميلة، بل ربما تكون قبيحة منفّرة.

والمشكلة أن بعض الناس يتصوّر أن الإسلام ليس سوى نظام عقوباته ‏الجزائية، فما إن يذكر اسم النظام الإسلامي حتى يتبادر إلى ذهنه أنه النظام الذي ‏يطبّق تلك العقوبات، فإذا قيل له مثلاً "لنعمل من أجل أن يصل الإسلام إلى الحكم" قفزت إلى ذهنه صورة قطع يد السارق وإقامة الحدّ على الزاني، مع أن الإسلام ‏أوسع من ذلك بكثير، ولو راجعتم كتب الفقه فسترون أنّ الحيّز الذي يشغله النظام ‏الجزائي ككتاب الحدود والقصاص والديات صغير قياساً إلى باقي الأجزاء مثل العبادات والمعاملات ‏والعقود والإيقاعات وغيرها.

و أن نظام ‏العقوبات لا يُطبق إلاّ إذا طبِّق الإسلام كمجموعة متكاملة، فكان يقول: ينبغي أن يكون ‏النظام الاقتصادي إسلامياً وكذلك النظام الاجتماعي والسياسي ثم نقوم بعد ذلك بإجراء الحدود.

وقد روي أنه جي‏ء برجل سارق عند المأمون ليقطع يده، فاعتذر الرجل باضطراره، فالتفت المأمون للإمام الرضا سلام الله عليه ‏وسأله: ما تقول؟ فقال الإمام سلام الله عليه: فللّه الحجة البالغة، أي لقد احتجّ عليك فردّه بالحجة، فغضب المأمون على الإمام سلام الله عليه![4]

فكأنّ الإمام سلام الله عليه يقول في جواب المأمون: إذا كان النظام الاقتصادي فاسداً فقام فقير بالسرقة مضطرّاً، فلا معنى لتطبيق العقوبة عليه.

ولذلك نلاحظ أنه عندما كان النظام الإسلامي مطبقاً إلى حدّ ما، لم يكن ‏القضاة يعرفون بعض الحدود، لأنهم لم يكونوا بحاجة إلى تنفيذها، ولقد روى المؤرّخون: أن سارقاً سرق في عهد الإمام الجواد سلام الله عليه وجي‏ء به إلى القضاء، ولكن القضاة لم‏ يعرفوا مِن أين ينبغي أن تُقطع يده واختلفوا، حتى قاضي القضاة لم يعرف ‏الجواب فلجأوا إلى الإمام سلام الله عليه فبيّن لهم الحكم![5]

أما النقطة الثانية: فهي أن كلّ قانون بحاجة إلى ضمانة تنفيذية، ومن دونها لا ينجح القانون، والعقوبات تشكّل إحدى الضمانات لتنفيذ القانون، وعلى هذا جرت سيرة العقلاء؛ ولذلك يقول علماء الكلام: إن محركية القانون لا تتمّ إلاّ بالوعد والوعيد. ففي ظلّ نظام لا يعاقب المجرمين يفقد الناس الأمان ويطاردهم شبح العدوان ‏على أموالهم وأعراضهم وأرواحهم... ولا يهنأون بعيشهم؛ ولذلك قال‏ الله تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)[6]، فإن في موت القتلة حياة من سواهم من الأبرياء، وهذا يعني أن العقوبات الإسلامية رحمة للناس لأنها تحقّق لهم‏ حياة آمنة.

وظيفتنا تجاه الإسلام إذا عرفنا أن الإسلام دين الرحمة وأن نبينا صلى الله عليه وآله هو نبي ‏الرحمة كما روي عنه أنه صلى الله عليه وآله قال عن نفسه الشريفة: «إنما أنا رحمة مهداة»[7]، فما هي وظيفتنا تجاه هذا الدين الذي هو دين الرحمة؟

نقول في الجواب إن وظيفتنا الأولى تجاه الإسلام هو عرضه، ولا يكفي ‏عرضه نظرياً، بل لابدّ من عرضه عملياً أيضاً.

إن كثيراً من الناس لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولو عرف الناس الإسلام على حقيقته ‏لأقبلوا عليه، فإن في الإسلام دقائق تكشف عن عظمته. إن الإسلام ليس رحمة للإنسان‏ فحسب بل هو رحمة للحيوان أيضاً. ولو راجعتم كتب الروايات للاحظتم روايات‏ عجيبة في هذا المجال. فهناك حقوق يذكرها الإسلام ‏للحيوان لم يصل إليها الإنسان المعاصر رغم الشعارات التي يرفعها في الدفاع عن حقوق‏ الإنسان وحقوق الحيوان.

من الروايات العجيبة في هذا المجال ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «نظّفوا مرابض الغنم وامسحوا رغامهنّ»[8].

فالإسلام يقول لأتباعه: حتى مرابض الغنم ينبغي أن تكون نظيفة، والأعجب من ذلك أنه يدعوهم لمسح رغامها أي ما يخرج ‏من أنوفها، فهل تجدون نظيراً لذلك في عالم اليوم؟

وهناك رواية مرويّة عن الإمام الصادق سلام الله عليه يعدّد فيها ستة حقوق ‏للدابة على صاحبها؛ يقول سلام الله عليه: «1. لا يحملها فوق طاقتها، 2. ولا يتّخذ ظهرها مجالس يتحدث عليها» فإنه إذا كان معذوراً أن يركبها حال السفر والتنقل، ‏فهذا لا يعني أن يتعبها من دون ضرورة فلا ينبغي له أن يظلّ راكباً عليها يحدّث‏ صديقاً له بل ينبغي له أن يترجّل عنها ثم يتحدّث!

«3. ويبدأ بعلفها إذا نزل» وهذا أيضاً من عجائب التشريع الإسلامي؛ فإن ‏السفر يُتعب الإنسان عادة، وعندما يصل المسافر يكون عادة منهكاً يفكّر في راحته وغذائه ‏أولاً - وهذا ما نلمسه عندما نسافر اليوم، فكيف إذا كان السفر على الدواب‏ وعبر الطرق القديمة -

صورة  Saze's
User offline. Last seen 6 سنة 5 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/12/2005

كل الشكر ابيو على مواضيعك القيّمة

وجاري القراءة

User offline. Last seen 4 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/08/2006

شكرا سازي على مرورك الجميل واتمنى
ان يكون من في المنتدى بعقليتك الرائعة
وشكرا