مسارات العقلية المتخلفة

2 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 17 سنة 12 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 23/08/2006

عجز الإنسان المقهور أمام أغوال الطبيعة و إعتباطها و قوتها , وافتقاره إلى الوسائل للمجابهة والسيطرة عليها , تؤثر سلباً على طريقة تعامله وسلوكه والأساليب التي يتخذها لمعالجة مشاكله ومنهجية تفكيره وبالتالي على كيانه ككل . نلاحظ بأن الإنسان المقهور يعيش حياته بشكل اعتباطي , سطحي , ضبابي , ودون خطة محددة واضحة وعلى مراحل منطقية , الفوضى والعشوائية والتخبط والرؤية غير الواضحة تسود منهجه وتفكيره .نراه عندما يناقش مسألة أو قضية أو موضوع ما يتشعب ويبتعد تدريجياً وينجرف إلى مواضيع ومسائل أخرى , قد لا تمت إلى الموضوع المطروح بصلة , ثم يعود إلى موضوعه كي يطرح قضايا تتفرع إلى مسائل جانبية أخرى ويصبح الحوار أشبه بحوار الطرشان والنقاش كله عبارة عن تداعي أفكار . وهكذا يخرج إنساننا من هذا النقاش الطويل مخموراً ودون تصور واضح عن الموضوع ووضع أسس صحيحة لها وإيجاد حلول منطقية وواقعية , وكل ما يتمخض عنه الحوار قضايا كثيرة تظل معلقة لا يذهب التفكير فيها أبعد من السطح .بينما نرى العقلية المنهجية تضع عدة خطط وتتقيد بها وترسم الإطار العام لأي مسألة كانت .أولاً بتعريفها وإحاطتها من كل الجوانب وبأكثر من تعريف ثم تحدد الغاية والهدف وما يتضمنها من مشكلات أساسية وثانوية . ثانياً محاولة جمع أكبر قدر من المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع أو ذاك على جميع مستوياتها وإعادة فرزها بحسب أهميتها وواقعيتها , عندها يبدأ بالإمكان طرح تصورات متعددة عن الحلول المناسبة لهذه الأطروحات ويتم مناقشتها كل على حدا وكل حسب أهميتها والصعوبات التي يعترضها ومن تسهيلات يتضمنها . أما الذهنية المتخلفة فتغرق في التخبط في جميع المراحل حيث ينتقل من المراحل الأولية إلى النهائية دون الوصول إلى نتيجة فيعود متخبطا إلى الوراء ويبقى يسبح في هذا الفلك , ولا يتوقف التخبط في الأمور الذهنية بل يشمل جميع قطاعات ومجالات الحياة , فالعامل مثلاً الذي يقوم على تصليح آلة ما يعتمد على المحاولة بشكل أساسي ويدعي المعرفة , في حين محاولاته تقوم على الشك فأن نجح فادعائه كان في محله , وأن فشل توارى تحت أعذار وتذرعات يبدد مال وجهد من استعان به .لا يقتصر العشوائية والتخبط عند الفئة غير المتعلمة وإنما يتجاوزها وتتشعب بين الفئات المتعلمة وحتى الحاصلين على مؤهلات علمية رفيعة . هناك عجز شبه تام عن إتباع المنهج المنطقي في عرض الأمور , فالطالب يفشل في الامتحانات رغم دراسته للمادة بشكل جيد , إنهم لا يعرفون تماماً ماذا يختارون عند إجابتهم عن الأسئلة , مما يجعل إجاباتهم أقرب إلى تداعي أفكار منها إلى عرض منظم للموضوع . الجهاز التدريسي بدءاً من المرحلة الأولية مروراً بالمتقدمة وحتى الدراسات العلية يفتقرون إلى التنظيم والدقة في إعطاء المواد للطلاب . البعض منهم يعجزون عن إعطاء درس أو محاضرة , فالتخبط في أفكاره وعجزه عن ربطها مع أفكار مؤلف ذاك المرجع يجعل من المحاضرة مضجرة وغير مجدية ولا تتركز على أسس مبرهنة وحجج مقنعة ولا تصل إلى مبتغاها .فالذهنية المتخلفة لا تملك قدرات تحليل الأمور والمسائل والغوص في تفاصيلها وإيجاد ارتباطات بين وحداتها وترتيبها في صيغ جديدة وتوليفها ولا يتوقف الأمور عند حدود العجز عن التحليل الشامل , بل هناك صعوبة في الانتقال من مرحلة تحليل الوقائع بالنظر إلى المعطيات والتفكيك إلى مرحلة التوليف كخطوتين أساسيتين من هذه الذهنية الجامدة , ولا يدرك إن لكل ظاهرة مستويات متعددة من العمق والأتساع وإن كل حقيقة تخفي ورائها أخرى أكثر محورية منها , أي أن كل حقيقة هي قناع لا بد من تجاوزها للارتقاء بالمعرفة الإنسانية إلى حيز الوجود .الفكر الخلاق هو ذاك القادر على إعادة تفسير الوقائع وجعلها شفافة ومتماسكة .
وبهذا المعنى فأن ذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي. يسيطر على أوالية تفكيره عوامل عاطفية وانفعالية مما يجعل وبشكل تلقائي متحيزاً قطعياً في تحيزه في جميع الموقف الذي يتخذها , فأما أن يكون مع أو ضد , أحكامه تتسم بالحتمية , آنية . لا يستطيع أن يجمع بين العيوب والميزات . الأوجه السالبة والموجبة , هذا الجمع الذي يسمح بتلطيف الأحكام , وزيادة تمييزها وفعاليتها . بالإضافة إلى ما ذكرناه هناك انعدام في المثابرة لدى ذهنية المتخلف وضعف في التركيز في معالجة القضايا, سرعان ما يداخله التعب والتشتت. ينطق بحماس كبير وانفعال عاطفي شديد ولكنه ما أن يلبث حتى يفقد حماسه بنفس السرعة. العالم النامي يعجز عن التخطيط فتوضع خطط ( ثلاثية أو خمسيه أو عشرية ... ألخ ) ولكن قلما يتم تنفيذها ومن الأندر إذا نفذت , أن تصل إلى غايتها , تتوقف هذه الخطط بعد فترى قصيرة إن لم يتم تبديلها حيث يتم نسف ما في جوهرها وتبديد للجهد والإمكانيات . وتظل الأمور على حالها من التخبط . هذا العالم بحاجة إلى نتائج مباشرة وشبه سحرية . ولا قدرة له على الجهد الطويل النفس . ولهذا يصعب على الإنسان المتخلف أن يكون باحثاً متخصصاً . وهكذا يظل الطابع السائد في المجتمعات المتخلفة لمواجهة الأمور , هو طابع تدبير الحال . طابع البحث عن المناسبات التي تحمل إمكانيات النجاح السريع .

صورة  Ramyar's
User offline. Last seen 11 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 26/11/2005

شكرا روناك على الموضوعين المميزين

ان لم تكن لك بصمة في الحياة فأنت زائد عليها

User offline. Last seen 8 سنة 2 أيام ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 30/01/2006

.الفكر الخلاق هو ذاك القادر على إعادة تفسير الوقائع وجعلها شفافة ومتماسكة .
شكرا جزيلا روناك

مقالتك قيمة جدا