سباحة الروح في 3 حلقات وانتقالها في 5 محطات

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 12 سنة 44 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 09/06/2007

حسب علم النفس فإن الروح تسبح في ثلاث حلقات، بين النفس (العادية NORMAL) وحالة (العصاب NEUROSIS) و(الذهان PSYCHOSIS)، في توتر يصعد وينخفض، من المؤشرات المختلفة، في مخطط لا يعرف الراحة والتوقف، حتى الموت، وحتى النوم لنا فيه وجود ثان عندما ينفلت اللاوعي من قبضة الوعي، فيتحرر لينشد أنغامه الخاصة، في فسحة سجين دون حراس.
نحن نسبح في عوالم مختلفة من الانفعالات، تجللنا سحب الحزن، ويغشانا ضباب الشهوة، وننهار مع انكسارات الحزن، ونعمى مع انفجارات الغضب، ولكن سرعان ما نتغير فتختفي غيوم الإحباط، وتشرق شمس السعادة، وتضيء الروح بنور ربها، بكل الانفعالات الإيجابية.
وهذا النشاط من التردد طبيعي، يشهد للنفس أنها تعيش مخططها اليومي العادي، ولكن هل تبقى الروح هكذا؟ أم يمكن أن تنزلق للأسفل؟ أو تصعد للأعلى؟؟
إن الدين يسعفنا بمدخل رائع للنهوض بالروح، في رحلة الاكتمال نحو بناء (النفس المطمئنة) كما فعل الإمام (الغزالي) في تحليله لـ (معارج القدس في مدارج معرفة النفس)، كذلك يجب علينا أن نلج (علم النفس المرضي) و(علم النفس الإنساني).
إذا بقي الإنسان في تردد عادي، مع مخططات هبوط وصعود، بين الخوف والرجاء، كان ضمن الحلقة العادية؛ فإذا زادت جرعة الخوف، تحولت إلى رهاب (فوبيا PHOBIA)، تدفع الروح إلى الانزلاق إلى عتبة دنيا، لتدخل دائرة خطيرة من القلق المدمر؛ فإذا تكثف شعور الخوف، وازدادت جرعته، تحول إلى سم، ونحن نعرف هذا من الطبيعة والدواء؛ فالطعام لا نأكله دون ملح، ولكننا كذلك لا نأكله إذا امتلأ بالملح وفاض.
والدواء إذا أعطي بجرعته فوق العادية، انقلب إلى سم، بدل أن يكون ترياقاً، وبقدر ما كان الحديد أساسياً في بناء الدم، فإن تراكمه يقود إلى تشمع الكبد.
والقرآن يتكلم عن الخلق الإلهي فيقول: "إنا كل شيء خلقناه بقدر.."
والقرآن يتكلم عن المصادر فيقول: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم..".
والقرآن يحصي التصرفات فيقول: وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر....".
وكذلك المشاعر، فممارسة الجنس الحلال، تعطي بهجة للروح، ولكن الولوغ فيه شبق وتفسخ وإباحية.
وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال .
إن رفع جرعة الخوف في المجتمع، يقوده إلى الشلل على مقداره ونسبته، وهناك ما هو أفظع حين يطوق الفرد بمشاعر سلبية؛ تجعله يحس أن كل الناس من حوله يتآمرون عليه؟ وهو المعروف في علم النفس بالزوَّر (البارانويا PARANOIA) فيدخل المريض حالة من تكزز الروح، وسيطرة مخطط ذي ذرى جنونية حادة عالية متقاربة، جعل الناس يتعارفون عليها أنها الجنون.
مقابل هذه الحلقات الثلاث يتقدم لنا القرآن برؤية تكاملية تصعد للأعلى بين (النفس الأمارة بالسوء) وتلك التي تمارس النقد الذاتي ( اللوامة ) وتلك التي نضجت (المطمئنة).
وما ينطبق على الفيزياء والسيكولوجيا، يصدق في ميدان علم الاجتماع؛ فالثقافة المريضة، تعلمنا أحيانا في بعض البيئات المريضة كما كان الحال في روسيا، أن الحاكم إله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
أو تعلمنا أن الزوايا المظلمة تعج بالغيلان والجان، والثقافة المذعورة تحقن عروقنا بالجرعة السمية من الخوف، فلا يبقى رجل الشرطة موظفاً، يؤدي دوره ببراءة ولا داعي للقلق منه، ورجال الاستخبارات أجهزة أمن، وليسوا أجهزة رعب؟ وهكذا فالثقافة تحقن الوعي بالخرافة أو العلم بالأوهام أو الحقائق ..
والقرآن أراد بناء ثقافة يحيد فيها الخوف والحزن، لنعيش طبيعيين، في مجتمع نطعم فيه من جوع، ونأمن من خوف، ولكن تاريخنا ممتلئ بالرعب، فالحاكم بنى أجهزة أمنية بحجم خرافي، والمحكوم لجأ إلى حماية نفسه بالتآمر والنكتة والدعاء بالخلاص من الحكام والظلاَّم وأولاد الحرام، وإذا سنحت له الفرصة لجأ إلى التنظيمات السرية تحت الأرض في حل يلغي كل الحلول.
نحن نعيش نكتة الدجاجة والثعلب.
أصيب رجل بخوف شديد؛ فخيل إليه أنه دجاجة يتربص بها الثعالب ريب المنون، فانحصر في منزله لا يفارقه؛ فأخذه أهله إلى طبيب نفساني، استطاع أن يصل إلى إقناعه أنه بشر سوي، وليس دجاجة مطلوبة من الثعالب المحومة حول البيت؟ خرج الرجل من العيادة أخيراً، ولكنه بمجرد أن وضع قدمه في الشارع انقلب مذعوراً حتى ارتمى في أحضان أهله؟
صرخ به الطبيب قائلاً: ولكنك اقتنعت أنك لست دجاجة أليس كذلك؟
أجاب: نعم يا سيدي ولكن هل اقتنعت الثعالب في الخارج أنني لست دجاجة؟

كلنا تحت السماء