جدلية الموت والحياة

رد واحد [اخر رد]
User offline. Last seen 12 سنة 44 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 09/06/2007

إن الفلسفة تجنبت الحديث عن الموت، وفضلت الحديث عن الحياة، فالحياة وجود وحضور، وينفع فيها التأمل والكلام، والموت عدم، والعدم ليس فيه فضاء للكلام، فالعدم يعني العدم والسلبية الكاملتين لا أكثر ولا أقل؛ ولكن ضغط الموت الساحق، والانهيار المريع للوجود الإنساني المطلق؛ يولد في الواقع كل الفلسفة.
فما معنى الموت؟؟
ولماذا كان الموت؟؟
ولماذا نخاف من الموت؟؟
وماذا خلف الموت؟؟
ومتى تولد وعي الموت عند الإنسان؟؟
بل لماذا جئنا بالأصل من العدم؟ ليدفع بنا الموت في النهاية إلى عالم الأبدية واللانهاية؟؟
إن الذي يموت لن نراه مطلقاً، فهو ليس مسافراً سيعود، ولا غائباً فيظهر، وكل ما تبقى منه ذكرياته، وبقايا صوره المادية الميتة!!
كيف نفهم جدلية الموت والحياة؟؟
وهل أصل الوجود يقوم على الموت أو الحياة؟؟
وكيف نرى صورة الموت في الحياة، والحياة في الموت؟؟
وكيف يتجلى التناقض المدهش والمحير بين سحق الطبيعة للفرد، بدون أي رحمة وبين المحافظة على النوع الإنساني بكل إصرار، على حد تعبير الفيلسوف شوبنهاور SCHOEPPENHAUER؟؟
إن الغريزة الجنسية تدخل في هذه اللعبة كأداة مسخرة، تضحك فيها الطبيعة على الإنسان، بإغراءٍ ملِّح لا يعرف التوقف، من أجل المحافظة على دفعات الإنجاب؛ فمع ظلال الموت الكئيبة، تنكفئ النفس إلى الخلف والسلبية، وتزول البهجة وتتوقف دوافع الحياة الأصلية، وتستسلم النفس إلى كل مشاعر الإحباط والقنوط والشعور بعبثية الحياة.
إن الفلسفة الوجودية رأت في الموت عبثية الحياة، فما فائدة كل زخم الحياة، وروعة عبقرية الإنسان المتألقة؛ إذا كانت نهايته كعشب جاف وحيوان أعجم؟! ويبقى كل تأمل في ظاهرة الموت حسيرا عاجزا، فهناك شيئان لا يمكن التحديق فيهما الشمس والموت.
لقد عبر الفيلسوف البريطاني برتراند راسل عن هذا الشعور بكلمات مغموسة بالألم والقنوط فقال: (ولأن تعجز أي حماسة مشبوبة أو بطولة أو أي حدة في التفكير أو الشعور عن الإبقاء على حياة فرد واحد فيما وراء القبر، ولأن يكون الاندثار هو المصير المحتوم لكل عناء الأجيال ولكل التفاني ولكل عبقرية الإنسان المتألقة تألق الشمس في رائعة النهار، كل هذه الأمور إن لم تكن حقاً غير قابلة للجدل فإنها مع ذلك تقترب من اليقين إلى حد يستحيل معه على أي فلسفة ترفضه أن يكتب لها البقاء، وعلى ذلك لا يمكن بناء موطن الروح بأمان إلا في إطار هذه الحقائق وعلى أساس راسخ من القنوط المقيم).
ولكن لماذا يخاف الإنسان من الموت؟ هل هذا الأمر طبيعي هناك ما يبرره؟ لقد انكب علم النفس على هذه الظاهرة فحصرها في أربع مخاوف رئيسية، وأمكن استخراج أربعة أبعاد مستقلة لقلق الموت هي:
1 ـ الخوف من المجهول.
2 ـ الخوف من المعاناة.
3 ـ الخوف من الوحدة
4 ـ الخوف من التلاشي الشخصي.
واختصر هذه المخاوف الفيلسوف الإسلامي ابن مسكويه في كتابه (تهذيب الأعراق وتطهير الأخلاق) في فقرة متألقة على النحو التالي:
يعد الموت أعظم غموض وأكبر سر يواجه الإنسان، وبديهي أن يصاب الإنسان حياله بضرب خفي من القلق الممض الذي لا حل له؛ فذكر الفيلسوف ابن مسكويه: (أن الخوف من الموت ليس يعرض ألا لمن لا يدري ما الموت على الحقيقة؟ أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحل وبطل تركيبه، فقد انحلت ذاته وبطلت نفسه، بطلان عدم ودثور، وأن العالم سيبقى موجودا، وليس هو بموجود فيه، أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً، غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته، وأدت إليه، وكانت سبب حلوله، ولأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري على أي شيء يُقدم بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلفه من المال والقنيات: وهذه كلها ظنون باطلة لا حقيقة لها. أما من جهل الموت، ولم يدر ما هو على الحقيقة؛ فإنا نبين له، أن الموت ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها، وهي الأعضاء التي يسمى مجموعها بدناً، كما يترك الصانع استعمال آلاته، وأن النفس جوهر جسماني وليست عرضاً، وأنها غير قابلة للفساد).
كراهية الموت هذه وعدم الترحيب به وصلت إلى درجة أن نبي الله موسى لم يرحب بملك الموت، بل وجه إليه صفعة أطارت عينه، مما جعل ملك الموت يرجع إلى ربه ليقول: أي رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت!!
حسناً ماذا يريد إذاً؟
إذا كان يريد المزيد من فسحة العمر فلاباس، ولكن ليس للخلود في هذه الدنيا، فهذه الحياة مركبة على أساس الزوال والتغير والتحلل والفساد: ارجع إليه فقل له ليضع يده على متن ثور فله بكل شعرة سنة؟!!
كان جواب موسى : ثم مه؟ أي ثم ماذا؟ أي ما الذي سيعقب رحلة العمر الطويلة الجديدة هل تحمل الخلود في تضاعيفها؟ أم في النهاية الموت والاندثار؟
كان جواب الملك واضحاً صاعقاً: ثم الموت.
!! فهو الجبروت الساحق الماحق!!
قام موسى بما قام به علماء النفس في تحليل النفس الإنسانية، وكيف تمر بخمس مراحل في صراعها تجاه الموت قبل الاستسلام إليه، فاستسلم فأجاب: فالآن!!
"قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون"....

كلنا تحت السماء

User offline. Last seen 11 سنة 51 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/04/2005

الموت كلنا للموت لا محالة ولكن من يموت وهو حي هنا تكمن المعضلة والمشكلة النفسية

ليس الموت انتهاء مرحلة الجسد ولكن عندما يكون الجسد وتموت النفس هنا الكارثة

؟؟؟

شكرا للصديق دلبرينو