أغسطس قيصر مؤسس الإمبراطورية الرومانية من أعظم الشخصيات الرائدة في التاريخ. فقد أنهي الحروب الأهلية التي مزقت الجمهورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد. وأعاد نظامها الداخلي حتى استقرت وازدهرت حوالي قرنين من تاريخها.

اسمه كايوس أوكتافيوس. ولكنه لم يتخذ لقب أغسطس ـ أي العظيم ـ إلا عندما بلغ الخامسة والثلاثين من عمره. وهو ابن أخي يوليوس قيصر أحد قادة روما العظام. ولما لم يرزق يوليوس قيصر بأبناء فقد تبني أوكتافيوس هذا. . وأحبه. وتولي تربيته بنفسه وأعده ليكون سياسيا. وعندما اغتيل يوليوس قيصر في 44ق.م كان أكتافيوس هذا في الثامنة عشرة من عمره.

وقد أدي اغتيال يوليوس قيصر إلي صرا عات دموية بين القادة والساسة في روما. وقد نظر المتنافسون علي خلافة يوليوس قيصر إلي ابن أخيه هذا باستخفاف شديد. ولم يروا فيه أي نوع من الخطر. فهو ما يزال شابا صغيرا.

ولم تكن لهذا الشاب من ميزة إلا أنه ابن أخي يوليوس قيصر.ولكنه استطاع بذكاء أن يستفيد من هذه الصلة.

فاستمال عددا من أصدقاء يوليوس قيصر ومن قواده. وان كان الجيش يميل إلي مارك أنطونيو. أحد معاوني يوليوس قيصر. وتعرضت روما بعد ذلك لنزاعات طويلة بين أنصار مارك أنطونيو وأنصار أوكتافيوس.

وفي ذلك الوقت وقع مارك أنطونيو في هوي كليوباترة فشغلته تماما عن السلطة. ولكن أوكتافيوس تفرغ تماما للبحث عن أنصار يؤيدون موقفه من روما ومن يوليوس قيصر ووقع الخلاف بين مارك أنطونيو وبين أوكتافيوس وفي موقعة أكتيوم البحرية. سنة31ق.م انهزمت قوات مارك أنطونيو. وفي 30ق.م تحقق النصر التام لأوكتافيوس, مما أدي إلي انتحار مارك أنطونيو وكليوباترة.واستطاع أوكتافيوس أن يعيد إلى روما مجدها وعظمتها التي بلغها في عهد يوليوس قيصر من 15 عاما ولكن يوليوس قيصر هذا عندما أردا أن يجعل نفسه ملكا عليها ويلغي بذلك النظام الجمهوري, اغتالوه.

ولكن أوكتافيوس هذا, رغم حرصه علي النظام الجمهوري فان كل السلطات كانت في يده. كان حاكما مطلقا مستبدا, ولكنه لم يفز بلقب ملك. وان كان قد احتفظ لنفسه بحكم أسبانيا وبلاد الجال وسوريا. ففي هذه الدول. أو الولايات كانت القوات الرومانية مسيطرة علي أقدار الناس.

وعلي سبيل الامتنان له, خلع عليه مجلس الشيوخ في روما لقب{العظيم}, لم يوافق قط عليه أن ينصبه ملكا. وبعد وفاته لم يجد ابنه الذي تبناه صعوبة في أن يكون ملكا علي روما.

وأغسطس قيصر هذا يقف في التاريخ على أحسن مستبد عادل. فقد كان رجل دولة من الدرجة الأولي. فقد استطاع بسياسة{الوفاق}أن يعالج كل الجراح التي تخلفت عن الحروب الأهلية الطويلة.

وقد حكم روما أربعين عاما. وكان لسياسته أثرها الهائل علي الإمبراطورية لسنوات طويلة, ففي عهده استولت جيوشه علي أسبانيا وسويسرا وتركيا القديمة وجانب كبير من دول البلقان, وكانت حدود الإمبراطورية في الشمال عند خط الراين والدانوب. وظلت كذلك قرونا عديدة.

وكان الرجل ادرايا ممتازاً, وكما أنه نظم الجيش وابتدع الحرس الخاص, الذي كان له دوره الخطير في اختيار الملوك والحكام بعد ذلك.

وفي عهده أيضا امتدت الطرق وشيدت المباني, وأصبحت رونا من أجمل مدن العالم.

وفي عهده أقيمت المعابد. وشجع الناس علي أداء الشعائر الدينية القديمة. ووضع قوانين الزواج وشجع المواطنين علي إنجاب الكثير من الأطفال.

ومن سنة 30 ق.م. استقرت الإمبراطورية. وأدي الاستقرار إلي انتعاش الفكر والفن, حتى أصبح عصر أغسطس قيصر هو العصر الذهبي للأدب, فعرفت روما أعظم شعرائها: فرجيل. وعرفت هوارس وليفي. أما الأديب أوفيد فقد أغضب أغسطس قيصر فطرده من روما.

ولم يرزق أغسطس بأولاد. كما أن أولاد أخوته قد ماتوا قبله. ولذلك فقد تبني تيبريوس ابن زوجته وعينه خليفة له.
واستمر{السلام الروماني} أي السلام في الدولة الرومانية. أكثر من مائتي سنة, وفي ظل السلام نبتت أفكار أدبية وفنية وفلسفية لم تعرف الإمبراطورية لها نظير. بل إن هذه الأفكار الجديدة قد انغرست في كل الدول التي احتلتها القوات الرومانية. وعاشت فيها بعد ذلك مئات السنين. أي بعد أن انحسر عنها هذا المد الروماني.

والإمبراطورية الرومانية هي أشهر الإمبراطوريات في كل العصور القديمة, وأخطرها وأبعدها أثرا. لأنها كانت قمة الحضارة القديمة. وكانت هي التي نقلت الحضارات الأخرى إلي أوربا الغربية.

ويمكن أن يقارن بين أغسطس قيصر وبين عمه يوليوس قيصر. انه لا يختلف عنه في الذكاء والوسامة وقوة الشخصية والانتصارات الحربية. ولكن يوليوس قيصر كان أكثر شجاعة وجرأة. فيوليوس قيصر قد أشعل خيال معاصريه أكثر مما فعل أغسطس. واحتفظ بشهرة وأسعه منذ ذلك الحين.

ولكن أغسطس هو الأهم تاريخيا والأعمق أثرا, وان كان عمه يفوقه في الشهرة, وهذا دليل علي أن الشهرة ليست دليلا كبيرا علي عظمة الرجال . .

ولم يبلغ أغسطس في عظمته العسكرية ما بلغة الإسكندر الأكبر, ولكن انتصارات أغسطس كانت أعمق أثرا وأطول عمرا, وهذا هو الفارق بين الرجلين. .

ويمكن مقارنته بماوتسي أو بجورج واشنطون. فالثلاثة قد لعبوا دورا عظيما في التاريخ, ولكن نظرا لفترة حكمه الطويلة ونجاحه السياسي وخطورة الإمبراطورية الرومانية في التاريخ. فاني أعتقد أنه أعظم من الرجلين الآخرين .