حكايـات وأساطير عالمية

لا يوجد ردود
صورة  ramiosman's
User offline. Last seen 12 سنة 13 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/11/2008

حكايـات وأساطير عالمية

  
ترجمة : أحمد يعقوب *
  

الإهداء:
إلى الطفولة التي أمعنوا في الاعتداء عليها ...!!
إلى الطفولة كي تحلق في تخيلات لا تنتهي إلا بالإنسانية الحالمة والمبدعة ..

أحمد يعقوب

العنوان بالإسبانية :
Oros Viejos
Hermino Almendros

صادر عن:
Editorial Gente Nueva
La Habana Cuba

دار النشر:
مؤسسة عبد المحسن القطان رام الله

مقدمة

حكايات وأساطير عالمية التي نقدمها هنا للطفولة العربية بشكل عام وللفلسطينية على وجه الخصوص ، هي نصوص في غاية الروعة والجمال . وهذه الغاية في الروعة تتأتى من جمالية مواضيعها ، وثراء ثيماتها ، وتنوع تواريخ ومكان حدوثها ومصادرها الجغرافية ، فتشمل القارات القديمة والجديدة .
فعن شعوب الهنود الحمر في القارة الأمريكية تتحدث هذه الأساطير والحكايات عن التاريخ الشفاهي لتلك الشعوب التي تمت إبادتهم من قبل الاستعمار القديم وكانوا قوماً لم يعرف الكتابة بعد فتنقلنا حكاياتهم وأساطيرهم إلى الذاكرة الساحرة للهندي الأحمر عن تاريخ المكان و دلالته الأسطورية وربما فلسفته كما عن معتقداتهم الغيبية وطقوسهم في الحياة وتحدثنا عن الحب العذري وعن الفروسية والبطولة.
وعن أساطير النار فثمة إضافة تاريخية كبيرة في تنوع الأسطورة فإضافة إلى الأسطورة الإغريقية المعروفة بأسطورة بروميثيوس فإننا نجد هنا أسطورة من أمريكا الشمالية ومن نيوزيلاندا تتحدثان بسحرية فائقة و مخيلة طفولية خصبة.
وفي جانب آخر تحدثنا هذه النصوص عن الهند والصين القديمة واليابان وعن الحكمة التي وسمت شعوب تلك البلدان وكذلك عن أفريقيا وعن شعوب الفايكنغ والجزر البريطانية والأراضي المنخفضة (هولندا)

هذه المختارات من الحكايات والأساطير العالمية ، جاء عنوانها الأصلي باللغة الإسبانية :
VIEJOS هي الجمع لكلمة ذهب ، أما OROS و OROS VIJOS .
فهي الجمع لكلمة عتيق أو قديم . لهذا ستكون الترجمة الحرفية: مجموعة ذهب عتيق !! وعندما أتدخل في الترجمة فإنني أكتبها كنوزّ عتيقة علماً أن مفردة كنز باللغة الإسبانية هي : TESORO وليست ORO ، مع أن مفردة
ORO تدخل في نسيج كلمة الكنز !! وهنا يتضح مقدار تدخل المترجم في النص الأصلي.
حقاً إنّ هذه النصوص هي لقيا أثرية بل إنها كنوز تاريخية . نقدمها إلى أطفالنا بكل المحبة والإخلاص للمخيلة البريئة وهي تحلم بمستقبل أفضل.

أحمد يعقوب

الكتاب الأول

الأزتيــــــــك
  

من شواطئ المحيط الأطلسي الدافئة في الأرض المكسيكية، يمكن صعود الأدراج الحجرية للجبال ،حتى الوصول إلى الهضبة المعروفة باسم "أنهواك/Anahuac".
هذه الأرض المرتفعة والمحاطة بجبال جرداء ، وبقمم تغطيها الثلوج، كانت مأهولة بالسكان في غابات شاسعة عند وصول الغزاة الإسبان. وذاك الوادي الكبير الذي توجد فيه مدينة المكسيك اليوم كان المركز الرئيس لحضارة الهنود الحمر، المعروفة بحضارة شعب الأزتيك.وهو شعب عريق وغني جدا برجاله المكافحين ،وأصحاب الكفاءة والطقوس الدينية الحازمة.
عند وصول الغزاة في القرن السادس عشر كانت إمبراطورية الأزتيك في أوج ازدهارها، إذ كانت قد تمددت إلى ابعد من تلك الجبال، وفي البلاد كانت هناك قصور رائعة مزخرفة بشكل جميل، و كانت هناك هياكل ومعابد للحكمة، على شكل أهرامات وتماثيل آلهة وحيوانات مقدسة.
ان أثار تلك الحضارة لا تزال قائمة حتى أيامنا الحالية: أثار مدن ،أثار معابد، ودلائل على تلك الحضارة الأصيلة وحكاياتها الجميلة والبطولية.

حبّ البراكين

عظيمة كانت سلطة الإمبراطور الجبّار إمبراطور الأزتيك. أما مدينة" تينوتش تي تيتلان" العاصمة المستقلة لأرض "أنهواك" الشاسعة فكانت مدينة كبيرة وغنية بالخيرات.
كانت قبائل أخرى ومدن أخرى، قد نمت هنا وهناك، منزرعة بين الغابات، وشيوخ القبائل الصغيرة والكبيرة والعظيمة ،كانوا في خدمة الإمبراطور الأزتيكي. فكانوا يدفعون الضرائب ،التي كانت تتعاظم بها "تينوتش تي تيتلان" مدينة الإمبراطورية.
ومع أن إمبراطورية الأرض الشاسعة لـ" أنهواك" كانت عظيمة وغنية, لكن لم تكن جميع الشعوب سعيدة ، فالذهب الكثير والرجال الكثيرون كانوا يذهبون إلى المعبد ، كفرضٍ كان على "تينوش تي تيتلان"العظيمة أن تقدمه.
كانت الشعوب متعبة من تلك العبودية ، وشيوخ القبائل كانوا بصمت يكظمون تذمرهم ، لخوفهم من عقاب الإمبراطور العنيف سيد الجميع. لكن إرادة السماء كانت قد أعدّت شيئا ما، وما قُدّر أن يكون فقد كان. فالشيخ العظيم لمملكة" تلاكس كالا" كان قد قرأ ذلك، قرأه في ضوء النجوم. ومنذ ذلك اليوم وضع إرادته إلى جانب إرادة الزعماء الآخرين وشيوخ القبائل من كل الممالك والقبائل وقال: سيمضي شعبي في الطريق الذي تقوله الإرادة العليا لنا جميعا. فلنتحد لنتحرر من تلك العبودية.لا ذهب بعد اليوم ، ولا فتية من أجل مذبح الأزتيكيين.لكن، الخوف أوقف الكثيرين.

أمّا الزعيم الشجاع والمتمرد فلقد بقي وحيدا مع شعبه. وبدأت الحرب بين رجال" تلاكس كال" اللإندومابالس , والأزتيكين الشجعان، الذين انضم إليهم آخرون من سبع ممالك.
كان الصراع مكتوبا هناك في رسومات النجوم ،صراع الزعيم الشجاع، لكن، كاهناً ساحراً تمكن أيضا من قراءة المغامرة الكبيرة ، التي ستحدث.فهو أيضا استطاع أن يقرأ ،ويفهم،لكنه، لم يقل ذلك.
فلقد حدث أن أسرت فتاة بحبها شيخ القبيلة ، الزعيم "فوفوكاتيفيتي" ، سيد وملك "تلاكس كال" . كانت الفتاة رائعة ،مثل حبات الذرة الناضجة ، وجميلة وبهية ،مثل الصباح.
وكل العيون كانت تنظر بحب إلى الأميرة الجميلة "اكستاك سيهوات" ، لكن، الأكثر شجاعة من بين المحاربين وضع عينيه البراقتين وقلبه عليها.
وعندما خرج المحاربون ،"التلاكس كاليين" إلى خوض المعركة مع الممالك السبع التي كانت قد اتحدت مع الأزتيكيين ، فلقد أعطيت القيادة إلى الربان الأكثر قوة وشراسة. أما الشجاع" فوفوكاتيفيتي" صاحب الحب الصامت للأميرة ، والذي لا يخضع ولا يركع ، فلقد طلب أمنية واحدة فقط :
"يا سيدي، إذا عدتُ منتصرا فاجعل لي "اكستاك سيهوات" زوجة فأنا أهيم بها بصمت ".
والسيد العظيم وعد ،والوعد كان احتفالا عظيما على شرف انتصارك ، وعلى شرف الزوجة الرائعة مثل الشمس.
ومضى "فوفوكاتيفيتي" الذي لا يهزم أمام رجاله المحاربين ،يأخذه الأمل الجميل لقلبه. اجتاز الغابات، صعد التلال، اجتاز السيول الجارفة والبحيرات, يقاتل ضد مئات ومئات من الجنود،يصارع وينتصر ، ويحارب دون هوادة ،لا يهزمه الوهم، وبعد مئات المعارك فها هو بطل عظيم ومنتصر.

لقد قاتل "فوفوكاتيفيتي" , وهو المحارب الأعظم ، وقد انتصر ، و يعود مكللا بريش طيور النسور، يعود ليبحث عن الجائزة التي حلم بها كثيرا.
وفي شوارع مدينته يجد الموسيقى وأفراح النصر، لكن، في القصر الكبير للملك كان هناك صمت يجمد القلب. عندها خرج سيد "تلاكسكال" بخطوة صامتة ، ونظرة فاجعة ، واخذ "فوفوكاتيفيتي" من يده ، وجعله يمضي معه في أروقة ظليلة ، حتى وصلوا إلى سرداب محفور في الصخر. وهناك رأى الأميرة "إكستاك سيهوات" ملفوفة بكفن الموت الأبيض.
قال الملك الكبير بالسن بصوت مخنوق بالحشرجات: " لقد خبأتها لك يا ولدي لكن الموت خطفها " .
لكن ،البطل الذي هزم ستة ملوك، وجعلهم يوقعون معاهدة مع الأزتيكيين ، البطل لم يتكلم ، فهو يشعر أن انتصاراته قد أحبطت, وأن سيده الأعظم قد أهانه.
أحس بقوة خفقان دمه، اهتز قوس النشاب بين يديه، نادى على الظلال، ظلال أسلافه ،أطلق صوته إلى السماء التي أعطته النصر لكنها خذلت حبه.
وفي الليل يجيء البطل ، ويذهب في مكانه ، كأنه يهذي, و على ضوء القمر بدى وكأنه قد أصبح عملاقا ضخما جدا. فينطلق، ويأمر، ويصرخ ، و يحرك آلاف المحاربين, ثم ينطلقون عظماء جميعهم تحت ضوء القمر, فيجتازون الغابات, ويرفعون التراب ، ويحركون الأرض ، ويجمعون الجبال في مدرج هائل ، ويكومون الصخور، ويرفعونها قبالة النجوم.

عندها، يأخذ "فوفوكاتيفيتي" بين ذراعيه الشابة الحبيبة ، ويقفز بها مدرجات الجبال، ويمضي بها. وهناك في القمم يضعها ممددة و بيضاء تحت ضوء القمر والى جانبها ينحني المحارب ، يضيىء بقبعته شعلة الحلم الأبيض للأميرة الهندية الرائعة الجمال.
لقد صار الحبيبان "إكستاك سيهوات" و " فوفوكاتيفيتي" صارا جبلين ترعى قمتيهما الثلوج تحت شمس "أناهواك" كخاتمة حب خالد.

إله الهواء والحياة

إنها حكاية من حكايات الآلهة ،عند الهنود الحمر، "كيتزا لوكاتل" إله الهواء والحياة ، الذي هبط إلى العالم من أجل أن يفتدي الناس ، ويساعدهم ، ويعيش معهم, حيث شعر جميعهم بحبه لأنه كان إلهاً طيبا ولا يمكن أن يأتي منه أي سوء. وعنه يروون :

عندما ولد البشر لم يكن هناك شمس، ولا قمر في العالم. عندها اجتمعت الآلهة في "تيوتيهواكان " ليفكروا بالطريقة التي يمكن بها إنارة السماء والأرض ، وبذلك يمكن للبشر أن ترى .
قالت الآلهة كلمات كثيرة في ذلك المجلس. وفي الختام قرروا أن يقوم إلهٌ بالتضحية بنفسه وأن يتحول إلى شمس.
اثنان من الآلهة تطوعا للتضحية. الأول كان إلهاً غنيا وجباراً والثاني كان إلهاً فقيراً ومريضاً. هناك بالضبط، في" تيوتيهواكان" رفعت الآلهة ميزاناً ، من الحجر، والى جانبه أضرموا ناراً كبيرة.
استعدت الآلهة طيلة أربعة أيام متتالية ، و لقد صام الذين سيذهبون إلى التضحية، وفي اليوم الخامس اصطف الألهة الآخرون ،في صفين طويلين ، وأمامهم كانت تشتعل المحرقة ضخمة وبراقة..
الإله الفقير والإله الغني كانا جاهزين. صعد الغني ثلاث مرات إلى الميزان وفي المرات الثلاث كان يخاف من الوهج ومن لون الوميض. أما الإله الفقير فقد صعد لمرة واحدة. أغمض عينيه وقفز إلى اللهب مسببا بذلك الخجل للإله الغني والذي بدوره قذف بنفسه إلى النار أيضا..
أطبق صمت طويل كانت الآلهة فيه تنتظر وتنتظر وانتظرت أياما أربعة حتى خمدت النار . وفي اليوم الرابع بدأت السماء تتحول إلى الحمرة, وأخيرا ظهرت الشمس. وفي الوقت نفسه تقريبا وفي الجهة المقابلة في السماء ظهر القمر رائعًا وبرّاقاً كالشمس تماماً.

اعتقدت الآلهة أن ذلك كان مجردَ وهمٍ فامتعضوا. أخذ أحدهم أرنباً ، وقذف به نحو القمر، فبدى بياض الأرنب ، وقد تعرض إلى بقعٍ من الظل، ولم يبق أكثر من النظر لمعرفة أنّ ذلك قد حصل.
كان الآلهة مذهولين، وهم ينظرون إلى الحدث الغريب، لكن، كانت الشمس في صفحة السماء لا تتحرك وكذلك القمر. وعندما نظروا وهم يتساءلون بعيونهم قالت الشمس:" القوا بأنفسكم أيضاً علكم تصيرون نجوماً في السماء ".
وأيقظت الشمس ريحاً قويةً وغريبةً ضربت الأرض وخطفت الآلهة وحوّلتها إلى نجوم ، سمّرتها في السماء . وعندئذ دار كل شيءٍ في الفضاء بفضل قوة الرياح تلك . ومن ذلك الوقت تتقد النجوم عندما تنطفئ الشمس.. وتنطفئ عندما تضيىء .
كل هذا قاله "كيتزا لكوتال" إلى الرجال في مدينة "تويان" العظيمة. لكن ماذا يقول الناس عن الإله الطيب اله الحياة اله العطاء ، عن "الحيّة ذات الريش" ؟ أي معنى الاسم الرائع لـ"كيتزا لكوتال" الذي عاش في "توييان" ،حيث كان الناس سعداء, فلقد علّمهم كيتزا لكوتال أن يكونوا سعداء، لأنه علّمهم أن يعملوا وأن يتمتعوا بالعمل.
في "توييان" كان الناس يعملون في الأرض وكان نبات الذرة ينمو في عرانيس كأنها من ذهب. والقطن كان ينبت بكل الألوان كي لا يضطر الناس لصبغه بعصير جذور الأعشاب .
في "توييان" سبك الناس الفضة والذهب. وقد صقلوا الأحجار الكريمة ، و صنعوا التماثيل والبيوت من الحجارة. زخرفوا فسيفساءات بريش طائر كيتزال* ، وريش طائر "الكوليبري"** وطائر ال "غواكامايو"***، وكتبوا الشمس والقمر بإشارات، وكذلك حركة الأفلاك..

لقد علّم "كيتزالكوتال" كل هذا إلى ناس "توييان". ما عدا فن الحرب ، لهذا لم تصبغ حقولهم أية دماء بشرية أبدا ..ولهذا فإن ناس "توييان" وقّّـروا كيتزالكوتال. ولهذا السبب شيّدوا له قصراً ومذابحَ مغطاة دائماً بالخبز والورود والمسك.
فقبل مجيىء "كيتزال كوتال" لم يكن ذرة في توييان ، إذ كان الناس يعيشون على جذور النباتات والصيد. فقد كانت الذرة مختبئة بين الجبال ولم يكن بمقدور أحد أن يجلبها إلى الناس.
آلهة كثيرون حاولوا أن يفصلوا الجبال التي كانت تغلق الممر إلى حقول الذرة ولم يتمكنوا من ذلك.وفي أحد الأيام جاء "كيتزا لكوتال" وعرف كيف يصنع الأشياء بطريقة ثانية أفضل من طريقة القوة. فلقد حوّل نفسه إلى نملة سوداء ونملة حمراء. وبدأ يصعد الجبل الذي كان نبات الذرة ينبت خلفه.
كان الجبل شاهقا تكاد قمته تصل إلى السماء ، وحوافه حادة ومنحدرة ، و كان الوادي عميقاً، لهذا ، كان جباراً ذلك الجهد الذي يجب بذله لاجتياز كل تلك المعيقات الخطيرة، لكن كيتزا لكوتال كان يشعر بحب الناس في قلبه ، ولهذا لم يسمح للتعب أن يهزمه، فنجت النملتان من المعيقات.
صعدت النملتان صخورا حادة وشاهقة ، وعبرتا الحواف الصاعدة باتجاه السماء ، وفي النهاية وصلتا إلى المكان الذي تنبت فيه الذرة. أخذ كيتزالكوتال بـ"فكّييه" كنملة حبة ذرة ناضجة جدا وعاد إلى توييان.وهناك زرعها الناس لأول مرة. ومن ذلك الوقت تخلوا عن الصيد ، وبدأو ببناء المدن والمعابد تغمرهم السعادة.
منذ ذلك الوقت ,وقّّر واحترم جميعهم كيتزال كوتال ، الإله الطيب صديق الناس ، إله الهواء والحياة .

* طائر الكيتزال طائر من طيور أمريكا الوسطى (المترجم )
** طائر الكوليبري طائر أمريكي حجمه صغير جدا له منقار طويل ومدبب له ريش كثيف يسمونه العصفور الذبابة ( المترجم )
*** طائر العواكامايو طائر ببغاء كبير ريشه أحمر و أزرق و أصفر ( المترجم )

المايا *
  

أرض ماياب"Mayab"هي الاسم القديم جدا لما يسمى اليوم " يوكاتان ،Yucatan " . أرضٌ يبابٌ ووعرةٌ تحت السماء، لكنها من الداخل، تحت التربة الصخرية ، فهي تفيض بصمت الكهوف الكبيرة وعيون الماء الهادئ ، حيث تأتي إليها الأفاعي والخراف المخملية ، لتشرب.
في تلك الأراضي التي يمنحها الندى بريقاً في الصباح قبل أن تبدأ الشمس بحرقها، هناك ، يمر الهندي بسحنته التي لوّحتها الشمس.ويمضي صامتاً بطيئاً ، يثبّت نظراته في المشهد الذي يخبئ ذكريات هنود المايا وحضارتهم القديمة.
شيءٌ قليلٌ هو ما يُعرف عن ذلك الشعب العريق ،كباقي شعوب العالم القديم. وعن الرجال الذين في روابي السهول الصفراء شيّدوا قصوراً رائعة ومعابدَ من حجرٍ ، تمتزج فيها منحوتات وجه الهندي مع الزخارف والنقوش البديعة المدهشة.
يُعرف القليل، لكن، يمكن تخمين القوة النادرة والعظيمة لتلك الحضارة من خلال إيماءات وروح الهندي الحالي ،الذي يعرف التاريخ الشعري والمعاني العميقة لكل شيء في سماء وأرض شعب المايس.

* شبه جزيرة "يوكاتان،”Yucatan

وردة الماياب البيضاء

كلّ الذين عاشوا في أرض الماياب كانوا قد سمعوا عن الاسم العذب للأميرة الجميلة.جميعهم يعلمون أن ساكنيكت تعني الوردة البيضاء.
كانت مثل القمر العالي الذي يسكن الليالي الهادئة. وكانت "حبّابة" مثل حمامة مطوقة بالهديل العذب ، حمامة بهية وعذبة مثل قطرات الندى ،كانت جميلة مثل الوردة التي تملأ الحقل بالسعادة المعطّرة، ورائعة مثل ضياء الشمس الذي يضم كلّ الألوان، وناعمة مثل النسمة التي تأخذ بين ذراعيها كلّ الأغنيات. هكذا كانت الأميرة ساكنيكت التي ولدت في المدينة الشامخة لـ"مايافان".
كان السلام يوّحد المدن الثلاث الكبرى كشقيقات على أرض ماياب . والمدن هي: " مايافان الجديدة والغالية و "أوكسمال" الرائعة و"تشي تشين إتزا" التي كان فيها المذبح ومعبد الحكمة. لم يكن هناك جيش ، لأن ملوك تلك المدن كانوا قد قطعوا عهداً بان تعيش المدن مثل شقيقات.
كل الذين عاشوا في ماياب سمعوا أيضا اسم الأمير "كانيك" ؟ الذي يعني "الأفعى السوداء" .و كان مقداما، وقوي القلب، وعندما أتمّ لثلاث مرات سبع سنوات، تم تنصيبه ملكاً لمدينة " تشي تشيت إتزا".
في ذلك اليوم كان الأمير "كانيك "القوي القلب ،قد رأى ساكنيكت.وفي تلك الليلة لم ينم الأمير الشجاع والقوي القلب ومنذ ذلك الوقت بدأ يشعر بالحزن طيلة أيامه.

كان عمر الأميرة ساكنيكت ثلاث مرات خمس سنوات عندما رأت الأمير "كانيك" ،وهي تجلس في عرش مدينة " إتزا" ، فخفق قلبها بالسعادة ، ولما حلّ الليل نامت وثغرها مشتعل بابتسامة مضيئة. وعندما استيقظت ساكنيكت عرفت أنّ حياتها وحياة الأمير "كانيك" قد أصبحتا مثل نهرين يجريان معا ليقبّلا البحر. وهذا ما حدث. وهكذا يغنّي أولئك الذين عرفوا ولم ينسوا ذلك التاريخ.
في اليوم الذي تم فيه تنصيب الأمير "كانيك" ملكا للإتزيين سكان مدينة "اتزا", صعد إلى معبد مدينة"اتزمال" المقدسة ليقدم نفسه أمام الإله. اصطكت قدماه قدمي صياد عندما نزل المدرجات الستة والعشرون للمعبد و ارتخت ذراعاه ذراعى محارب , كل ذلك لأنه رأى الأميرة الوردة البيضاء.
كانت الساحة الكبيرة للمعبد محتشدة بالناس ، الذين وصلوا من جميع أنحاء ماياب ليشاهدوا الأمير. وكل الذين كانوا قريبين منه لاحظوا ما حدث . لاحظوا ابتسامة الأميرة ،وشاهدوا الأمير يغلق عينيه ، ويشدّ على صدره بيديه الباردتين.
كان هناك ملوك و أمراء المدن الأخرى, جميعهم شاهدوه لكنهم لم يعرفوا أنه اعتبارا من تلك اللحظة بدأت الحياة الجديدة للملك ، و الحياة الجديدة للأميرة بدأتا تركضان مثل نهرين معا ليكملا إرادة القدر في الأعالي. وهذا ما لم يفهموه لأنه كان من الضروري العلم أن والد الأميرة ساكنيكت الملك الجبار لأرض "ماياب" كان قد منحها إلى الفتى "أوليل" . الأمير الذي يرث مملكة أوكسمال. كانوا هناك جميعهم ملوكا وأمراء, والأميرة "الوردة البيضاء" اختارت الأمير "الأفعى السوداء" لتجعل حياتها تركض معه ، كما يركض نهران معا إلى البحر.

انتهى اليوم الذي تنصب الأمير "كانيك" فيه ملكا على "تشي تشين إتزا". وبدأ العدّ للأيام السبعة والثلاثين المتبقية لزواج الأمير" أوليل" من الأميرة " ساكنيكت".
جاء مبعوثون ورسل من مدينة" مايافان" إلى ملك "إتزا " الشاب وقالوا له: " ملكنا، ادع الصديق والحليف إلى حفل زواج ابنتك " . فأجاب الملك كانيك بعينين تشتعلان:
" قولوا لسيدكم إنني سأحضر ".
و جاء مبعوثون ورسل من مدينة " أوكسمال " إلى الملك "كانيك" وقالوا له: " أميرنا "أوليل" يطلب من ملك الإتزانيين المعظم أن يأتي للجلوس إلى "قداس" زواجه من الأميرة ساكنيكت " . فأجاب الملك كانيك و كانت جبهته مليئة بالعرق ويداه مشدودتان:
" قولوا لسيدكم إنه سيراني في ذلك اليوم ".
وفيما كان ملك الإيتزانيين وحيدا ينظر إلى النجوم في الماء ليسألها، جاءه سفير عند منتصف الليل. جاءه قزم غامق وشائخ وقال على مسمعه: " الوردة البيضاء تنتظرك بين الأوراق الخضراء، هل ستدع رجلا أخر ليذهب ويقطفها "؟ واختفى القزم مع الهواء أو تحت الأرض ، لم يكن قد رآه أحد سوى الملك, ولم يعلم بذلك أحد.
في أوكسمال العظيمة كانت تجري التحضيرات لزفاف الأميرة "الوردة البيضاء" والأمير"أوليل". ومن مدينة "مايافان" خرجت الأميرة رفقة والدها والسادة العظماء في موكب مهيب ،ملأ الطريق بالغناء. وإلى أبعد من بوابة مدينة "أوكسمال" خرج الأمير "أوليل" يرافقه العديد من النبلاء والمحاربين لاستقبال الأميرة، لكنه، عندما شاهدها كانت تبكي.

كانت المدينة بأسرها مزينة بالرايات وبريش الديك البري وبالفضة وبأقواس ألوان برّاقة وكان الجميع يرقصون ، سعيدين وهم لا يدرون ماذا سيحدث.
أقيمت الاحتفالات الكبيرة طيلة أيام ثلاث ،أقيمت للمدعوين في مدينة "أوكسمال" و كانت المدينة تهتز بالسعادة، فلا أحد كان يدري ماذا سيجري , وفي اليوم الثالث من الاحتفالات والقمر كان بدرا مدورا كالشمس ، كان ذلك هو اليوم الطيب لزفاف الأمير حسب طالع السماء.
لقد وصل إلى أوكسمال ملوك وأبناء ملوك ،من كل الممالك القريبة والبعيدة ، و جلبوا جميعهم الهدايا للعروسين الجديدين. جاء بعضهم بخراف بيضاء, لها قرون لولبية من ذهب. آخرون جاءوا بأقحاف سلاحف ضخمة معبأة بريش كيتزال البرّاق.جاء محاربون بزيوت الطيب وعقود من الذهب والياقوت. كما جاء موسيقيون بطيور مدربة على الشدو كموسيقى السماء. ومن كل الأماكن جاء سفراء مع هدايا ثمينة ما عدا الملك كانيك ملك "تشي تشين إتزا". لقد انتظروه حتى اليوم الثالث لكنه لم يصل ولم يرسل أي مبعوث له.
كان الاستغراب والقلق يسيطران على الجميع. لأنهم لم يعرفوا السبب . لكن قلب الأميرة كان يعلم وينتظر.
لقد انتهى اليوم الثالث للاحتفالات وتم تحضير المذبح المخصص للقرابين، لكن، سيد الإتزانيين الأعظم لم يصل. لهذا كفّ الذين لا يعرفون السبب عن انتظاره وقالوا: " في حفل زفاف الأميرة ساكنيكت من الأمير أوليل تم انتظار سيّد تشي تشين ثلاثة أيام متتالية لكنه لم يصل ".
كانت الأميرة ساكنيكت تقف قبالة المذبح وهي ترتدي الألوان الصافية والمزدانة بالورود, بينما يقترب الرجل الذي ستقدم نفسها له كزوجة .
وردة ماياب تنتظر تتخيل الطرقات التي سيأتي منها الملك الذي وهبته قلبها.

تنتظر وردة ماياب البيضاء بينما كانيك الملك الشاب الحزين والصياد القوي يبحث يائسا في الظلال عن الطريق الذي سيسلكه ، ليكمل مشيئة السماء. ففي حفل زفاف الأميرة ساكنيكت من الأمير أوليل تم انتظار سيد تشي تشين ثلاثة أيام متتالية لكنه لم يصل.
لكن، الملك كانيك وصل في الساعة التي كان عليه أن يصل فيها. قفز فورا وسط ساحة أوكسمال يرافقه ستون من رجاله المحاربين المهمين، وصعد إلى المذبح حيث كانت النار تتوهج والكهنة ينشدون. لقد وصل بلباس الحروب وعلى صدره شارة إتزا ،وبدأوا يصرخون: إتزالانا! إتزالانا ! كما يفعلون في ميادين الحروب.
لم ينهض أحد ضدهم. حدث كل هذا في لحظة ، دخل الملك كانيك كالريح الحارقة, وأخذ الأميرة بين ذراعيه على مرأى من الجميع. لم يقو أحد على منعه, وعندما أرادوا النظر إليه ،عندها، كان قد اختفى. وأمام المذبح بقي الأمير أوليل مع الكهنة فقط. لقد ضاعت الأميرة أمام عينيه يحملها الملك الذي مرّ مثل البرق.وهكذا انتهت احتفالات الزفاف
وفجأة قُرعت القواقع ، ودُقت الصنوج، وانطلقت صرخة غضب أوليل في الشوارع لتجمع رجاله المحاربين.
كان الأمير كانيك قد ذهب من مدينته تشي تشين إلى أوكسمال العظيمة، دون أن يراه أحد, لقد ذهب عبر الطرقات المظلمة ، حيث يوجد ممرات بين الحجارة, تحت التربة، في أرض الماياس المقدسة. هذه الطرقات لم يكن يعرفها أحد سوى أولئك الذين كان عليهم أن يعرفوها. وهكذا وصل الأمير كانيك دون أن يراه أحد ليسرق اليمامة العشيقة الحلوة جدا على أشعة قمر قلبه.

لكن نصال الأسلحة تُسنّ ثانية في ماياب ، وتُرفع رايات الحروب, ويتوحد الأوكسماليين والمايابيل ضد الإتزيين.
آه من الانتقام !! سوف يسقط على رأس تشي تشين, وهي لم تنم إلا القليل وقد هدّها التعب وألعاب الأفراح.
أخذت الطرقات تمتلئ بغبار المسير والهواء بالصرخات وتقرع القواقع وتضرب صنوج الحرب!!
ماذا سيحل بك يا مدينة تشي تشين المتعبة والنائمة من سعادة أميرك ؟ كيف غادر الإيتزانييون بيوتهم ومعابدهم في "تشي تشين" وتركوا مدينتهم الجميلة مضطجعة على ضفاف المياه الزرقاء؟
جميعهم كانوا يمضون في الليل ، وهم يبكون على أنوار حملة المشاعل. كلهم مضوا على شكل أرتال ، لينفّذوا تعاليم الآلهة وحياة الملك ، والأميرة نور ومجد ماياب.
أمام أبناء إيتزا كان الملك كانيك يمضي بين حملة المشاعل وسط الجبال , كان ملتفا برداء أبيض وبلا تاج من ريش على جبهته. إلى جانبه كانت الأميرة ساكنيكت ، وكانت ترفع يدها وتشير إلى الطريق والجميع يسيرون في الخلف.
وأخيرا وصلوا إلى مكان هادى وأخضر, إلى جانب بحيرة ساكنة, بعيدا عن جميع المدن. هناك وضعوا سدة المملكة وبنوا البيوت البسيطة في سلام.وهكذا نجا الإيتزانييون بفضل حب الأميرة ساكنيكت ،التي كانت قد دخلت إلى قلب الأمير الأخير لتشي تشين ، لينقذها من العقاب ، ولكي يصنعوا حياتهما الصافية والبيضاء.

وحيدة وصامتة بقيت تشي تشين وسط الغابة بلا عصافير ، لأنها طارت جميعها خلف الأميرة ساكنيكت. وصل إليها أعداد كبيرة من جيوش أوكسمال ومايابان لكنهم لم يعثروا فيها على شيء ، ولا على الأصداء في القصور أو في المعابد الفارغة. عندها، أشعل حنقهم النيران في المدينة الرائعة ، وبقيت تشي تشين وحيدة وميتة مهجورة إلى جانب المياه الزرقاء. بقيت وحيدة وميتة يعطّر أنقاضها عبير ناعم يشبه البسمة والضوء الأبيض للقمر.
ففي كل ربيع تنبت الوردة البيضاء في ماياب ، تزيّن الأشجار وتملأ الهواء بأنفاسها الطيبة. وابن أرض المايا ينتظرها ليحيّيها بكل حنان قلبه، وعندها يتم ذكر اسم الأميرة ساكنيكت.

طائر الفوهوي *

الرجل الذي يمشي أو يكمن ليلا في طرقات أرض الهنود الحمر/ المايا. يمكنه أن ينتظر سماع صرخة تقول :" فواهو" ، صرخة قوية تخرج من الصمت . وسرعان ما يسمعها إلى جانبه: فواهو ! فواهو!
تنطلق الصرخة في الليل مثل سهم من قوس نشّاب. تأتي من هناك من الطريق الأمامي التي على العابر أن يمرّ بها. وفيما بعد يُسمع طيران يخمد بعيدا في الدرب ، وعندما يقترب الرجل ، يعاود الصمت إطلاق الصرخة الحادة: فواهو! فواهو!
هكذا، يمضي المسافر تخرج له الصرخة مع كل خطوة ، و يجفل ، وتتكرر الجفلات نفسها وربما حتى الشفق . ترى من يكون هذا المرافق الخفي للرجل؟ هذا الذي يمضي ويكمن ليلا في دروب أرض المايا؟ ولماذا يعتقد أن الرجل قريب ليقبض عليه بصرخته ؟ ومرة ثانية يبتعد ، ويعود ويحطّ في الطريق ثانية لينتظر ، ولا ييئس؟
لا أحد يمكنه توضيح ذلك إذا لم يكن أحد الهنود الصامتين والعارفين بأسرار الألغاز و التاريخ وروح الأشجار والأحجار وكل شيء من السماء حتى الأرض في المايا.
إنها حكاية فوهوي العصفور البريىء وفاقد الثقة الذي يخرج في الطرقات ، ليبحث عن أحد ما ، يخبره شيئا عن ذاك الذي منذ سنوات عدة سخر من نيته الطيبة وخدعه بلا شفقة.
والمسكين فوهوي لا يفقد الأمل بالعثور على ذلك الخدّاع. وعن ذلك يقول الهنود الحمر في المايا:

أراد الرب الأعظم إيقاف العداوة والخصومة بين الطيور ، فحاول أن يضع لها ملكا يحكمها بسلام،أعلن الرب الأعظم اقتراحه لكل الطيور ، ودعاها جيمعا كي تختار في يوم محدد الطير صاحب الحسنات الأكثر بينها.
فاحتشدت الطيور جميعها ، وبدأت تفكر بإظهار صفاتها الحميدة ، وكل منها يكاد يكون متأكدا انه سيكون هو الملك. قال البلبل جازما وهو الطير صاحب التغريد الأكثر حلاوة :
" يجب اختيار الطير صاحب الشدو الأجمل ". وبكل الثقة والمباهاة جرّب موسيقاه بعد أن حطّ على أعلى أغصان الغابة.
فكّرت البومة في داخلها ، :" بالتأكيد فإن الرب الأعظم سيختار الطير الذي ينظر ، ولكن أي من الطيور لا تمتلك النظر مثلي"! وثبتت عينيها الدائريتين في الليل ،وبدأت تتخيل الملوك.
قال الطاووس: " بالتأكيد سيتم اختيار الأكثر قوة ، وسأكون أنا المسمى لأصدر الأوامر بين المحتشدين الكثيرين". وهزّ جناحيه العريضتين ، وكذلك الغصن السميك الذي كان يقف عليه.
قال النسر : " بالتأكيد من أجل حكم جيد يجب رؤية العالم من مكان مرتفع ". وانطلق النسر في الهواء بطيران عال جدا عبر الغيوم.
قال الديك المكسيكي : " بالتأكيد فإن الملك سيكون من يصرخ بقوة أكبر فيجب إعطاء الأوامر بالشكل الذي يجعل الجميع يسمع وأنا !أنا ! الديك المكسيكي أنا قادر على ذلك فإذا صحت، فإني أسْمِعُ حتى القمر".
أمّا طائر الكاردينال** فقد قال : "بالتأكيد سأكون أنا الملك , فمن الملوكية أن تُلبس فروة من الأرجوان القرمزية فكأن ريشاتي شعلة متقدة ".
وهكذا شعر كل واحد من الطيور بالاطمئنان من فوزه.
كان الطاووس قد سمع ما قاله الآخرون من الطيور ، عندئذ كان للطاووس ريشات متسخة وشعثة وكئيبة. لم يكن قادرا على التفكير في إمكانية اختياره ، لأن بدنه كان ضخما ، وزيـّه كان بشعا وبائسا ، لم يكن كالطاووس الذي نعرفه اليوم.
بدأ الطاووس يفكر دون أن يفقد الأمل ، وجاء ليتفق مع صديقه الفواهوي الذي كان له ريش رائع. فقال الطاووس له: " يا صديقي تعال أحادثك بشيء يهمنا جدا نحن الاثنين: الرب الأعظم سيفكر بالتأكيد في تسمية الطير الأكثر جمالا والأكثر هيبة ملكا على الطيور،فأنت لك ريش وفير جدا، لكنك صغير ، وتنقصك العجرفة أمّا أنا فعلى العكس لدي بدن له حضور كبير وريشات أكثر وفرة . لكنني لا أقدر أن أعطيك بدني أما أنت فيمكنك إعارتي ريشاتك.
كان الفواهوي يستمع إلى صديقه ، فقال الطاووس له: "اسمع تعال ، نعقد صفقة, أنت تعيرني الريش إلى أن يتم اختياري من قبل الرب الأعظم ، وعندما أصبح ملكا أردّ الريشات لك ، وأكثر من ذلك سأتقاسم معك كل خيرات و تشريفات منصبي ".
فكر العصفور فواهوي في ذلك للحظة ، لكن الطاووس عاد يغريه بالوعود ، والعصفور الطيب والواثق لم يقو على الرفض. وهكذا بدأ الفواهوي بخلع ريشه ، وبوضعها لصديقه فيما الطاووس يثبتها جيدا حسب مقاسه. وبدأت تنمو وتنمو حتى صارت غطاءاً بديعا بذيلٍ رائعٍ تخرج منه ألوان الفضة والذهب.

: "أيها الصديق فواهوي ، سوف ترى الخيرات التي سنتقاسمها معا " . قال ذلك الطاووس وهو يختال بالجمال والبهرجة. وبقي المسكين فواهوي منزوع الريش تقريبا ويرتجف من البرد. ولما رأى طيوراً أخرى تأتي في الطريق تقترب منه أحس بالخجل واختبأ بين الأعشاب كي لا يرونه.
حلّ يوم الموعد أمام الرب الأعظم ، وحضرت جميع الطيور واثقة متأكدة ، لكنها عندما شاهدت الطاووس بحلّته الجديدة المذهلة فلقد بقيت مناقيرها مفتوحة من العجب والدهشة. فاختار الرب الأعظم الطاووس ملكا وسيدا للطيور.
ومضى الطاووس بعجرفته و بنكرانه للجميل بعد تلك اللحظة التي حقق فيها مبتغاه فلم يعد يتذكر فواهوي الطيب ، الذي ساعده وضحّى من أجله.
وفي يوم من الأيام عثرت الطيور على فواهوي المسكين مختبئا بين الأعشاب الطويلة ، فاستغربت لنحافته وحزنت لذلك ، عندها أعطاه كل واحد منهم ريشة من ريشاته،لهذا السبب للفوهويو ريش قليل ، ولهذا السبب و منذ ذلك الوقت يمضي خجولا لأنه فقد ريشه. ولهذا السبب وكي لا يرونه بهذه الحالة فإنه لا يخرج إلاّ في الليل, يخرج ليبحث عن الصديق النذل الذي خدعه !!ولأن الفواهوي طيب للغاية ، فإنه يظن أن الطاووس سيفي بوعده يوما ما.
الفوهوي الطيب لا يفقد الأمل أبدا ، ويخرج إلى الطرقات وعندما يرى الإنسان ، فإنه يقترب منه ويصرخ به :فواه!! فواه!! مرة وثانية يسأله إن كان قد شاهد الطاووس.
الرب الأعظم لا يترك الأفعال السيئة دون عقاب, لهذا لم يعد الطاووس يشدو كما كان يفعل سابقا بصوت عذب. فلقد علم الرب بالفعلة الشائنة التي فعلها فأمر أن لا يشدو الطاووس أبدا.
ومنذ ذلك الحين وفي كلّ مرة يحاول الطاووس فيها أن يطلق صوته للريح ، فإنه لا يجد سوى الزعيق والكركرة التي تجعل الطيور الأخرى تسخر منه.

* طائر صغير جاء اسمه من طبيعة الصوت الذي يطلقه (المترجم)
** طائر الكاردينال طائر أمريكي لون ريشه رمادي له خصلة شعر سوداء حول المنقار وغرة مرتفعة ( المترجم )
أمريكا الجنوبية
  

في بلاد غووايانا تتكثف الغابات ، وتقل وحيدة وبعيدة عن العالم كأن أدغالها الرطبة شبك محكم حيث الأنهار العريضة تجري ، تلفها ظلال الغابة.
والجبال العملاقة والقمم الشاهقة كأنها تنهض من السهول الخضراء الشاسعة وفي المنحدر تكون الأرض دافئة ورطبة ، لكثرة الخضراوات وما تنضح من رذاذ
بعض الأنهار ، تفرّ من الشبك الأخضر المحكم وتخرج إلى النور طويلة وعريضة وتقفز من القمم العالية والشاهقة.
في داخل الغابة توجد أماكن خلابة ، يروي زائروها الكثير عن تلك الأنهار ، وعن الشلالات وعن الغابة المسكونة بالببغاوات وبأفاعي الكوبرا وبآلاف أصناف الطيور والحيات والنمور وحيوان التابير* والخرفان والقرود الرمادية اللون** ويروون عن قبائل الهنود التي تعيش حياة بائسة وسط الأدغال الهادئة والبعيدة والمنعزلة ، يروون الكثير عن تلك الحياة البدائية القاسية ويروون حكايات حزينة وجميلة حكايات كهذه التي تتحدث عن سلسلة جبال ايوان في أراضى قبائل الكاريبي.

بالنسبة للهنود الأركوانوس فان جبل "إيوان تيفوا" يعتبر جبلا مقدسا ، حيث تعيش الآلهة فيه وهي ترعى صحة البشر
فكأن سلسلة الجبال قد نهضت من الأرض ، وحطمت السور العظيم للغابة ، وصعدت من الأدغال الخضراء وفجأة انطلقت منها صخرة عارية بخط مستقيم شكّلت لاحقا سورا هائلا ، تبرز جوانبه المهشمة والحادة باتجاه السماء .
في أوقات المطر تختفي قمة ايوان بين الغيوم ، وتنفلت الشلالات من القمم ، تقفز ، تصطدم ، تتحطم بين الصخور وترشح في الهاوية بينما الجبل العملاق تحيطه أصوات عالية هي إضاءات الغيوم ، وعندما تنير الشمس ذروة جبل "ايوان" فإنه يبدو جليلا ومثيرا للدهشة !!
هناك في الأعلى تنقسم من الصخور قمم متباعدة منشطرة في أشكال هندسية ، كأنها فصّلت على مقاسات خيالية ، وكأن الايادي الخفية للآلهة امتدت لتضع على قمة الجبل العملاق سورا من الأحجار ، وكأنها بقايا كائنات حية وأشياء غريبة جدا.
فمن يقدر على الصعود إلى هناك حيث الإنسان يعجز عن التسلق ، ومن المستحيل عليه الوصول إلى هناك؟
ومن هو الذي وضع هناك الأكوام العشوائية لتلك الأعمدة المقطوعة في الساحات المهدمة ؟ ووضع بقايا تماثيل؟ و سقوف أكواخ؟ ووحوشاً في حالة ترقب؟ ونسوراً بأجنحة مفتوحة؟؟ لكن ، لم تكن هذه حالة قمم ايوان دائما وعند الهنود الارواكانوس الشرح والتوضيح عن الأيوان جبلهم المقدس ،و الذي يقولون عنه التالي:

* حيوان التايبير من الثديات يشبه الخنزير البري لكن ساقاه أطول وأنفه متطاول على شكل بوق له شعر قصير يغطي جسمه وذيل يكاد لا يرى يعيش في مناطق مدارية في أسيا وأمريكا اللاتينية وهناك من يأكل لحمه(المترجم )

** من الثديات اللاحمة، سريع، يشبه الفهد ،لكن، جلده أصفر محمر ببقع سوداء، يعيش في غابات أمريكا قريبا من الأنهار(المترجم )

جبل أيوان

عند ضفة نهر "الكاراو El Carao” الذي يجري قريبا من خاصرة جبل الأيوان كانت هناك مدينة في الزمان الغابر ، اسمها "تي كوفاي Tey Cupay" وكانت الأكثر غناء وازدهارا بين جميع المدن يتوافد الناس إليها من القبائل النائية بكثرة ، ليروا الجبل الذي تسكنه الآلهة الذين يعيدون الصحة والسلامة المفقودة . ومن بين الأكواخ العديدة لمدينة تيي تظهر قمم الإيوان بوضوح.
عندما كانت الصاعقة تطلق الرعد ليدوّي ثم ينتهي متبخرا في الوديان العميقة للجبال ،كان الهنود يبعدون النظر خائفين من غضب الآلهة الطيبين ،يخشون أن تحل عليهم الويلات ، لأن الألم والمرض يقهران البشر دائما . لهذا كانت نظرات الجميع تتجه متوسلة نحو قمم الجبلة ، كي تنحدر العطايا منها كمواساة حلوة وتهدئة طيبة.
منذ سنوات كثيرة جدا وفي ظهيرة ربيعية دافئة وصافية، وصلت عدة قوارب إلى الميناء الصغير للنهر، قوارب من قبائل اخرى بعيدة ،جاءت تحمل رجالا ونساء مرضى، ومعهم رجال كثيرون ليساعدوهم في الوصول إلى جبل الأيوان المقدس.
خرج الناس في مدينة "تي كوفي" لاستقبالهم وليقدموا لهم أغطية لأكواخهم وفي قلب الهنود الاريكوناس Arecunas كانت السعادة تقفز من رؤيتهم للعدد الكبير جدا من القبائل المتعددة.

في اليوم التالي نظموا الحفلات على شرف المسافرين، احضر الرجال من الغابات كميات كبيرة من لحم الماشية والأسماك ،جمعوها وقدموها مشوية مع فطائر الذرة والأناناس والموز في مركز البلد وسط الاكواخ الكبيرة .وحولها كانت أواني عريضة مليئة بشراب الكاتشيري*Cachiri الخمر الذي يجعلهم ينتشون ويمرحون.
اجتمع كل الهنود ، وخيمت عليهم السعادة ، فالمزامير والطنابير أعطت موسيقاها الإذن لبدء الرقص. وبدأت تسمع الأغاني وحفيف أوراق الأشجار اليابسة من سعف النخيل الذي كان يضعه الراقصون عليهم .وهكذا تواصلت ساعات وساعات من الغناء والرقص ، كان يقطعها فقط ذهاب الرجال والنساء إلى الأواني ، ليشربوا رشفات كبيرة من شراب الحفلة, لكن هناك في الجانب الأخر بقي المرضى وحيدين مع آلامهم متروكين في أكواخ خوص صغيرة ،ومن جميعها كانت تنطلق نفس الحسرات ونفس التوسلات في طلب المساعدة :
تعالوا تعالوا أيها الاخوة ...خذونا إلى جبل المعجزات ايوان!!
لكن لا أحد كان يسمع التوسلات أو يتذكر الآلام فالحفلة تستمر بالغناء ، وبالصرخات والجرار يعاد ملؤها بالشراب ، وعندما اختبأت الشمس خلف قمم ايوان استمرت الرقصات ، ومن تأثير شراب الكاتشيري كانت صرخات الفرح تنطلق ، وهيجانات الحفلة ترتفع وتمتزج بأنين المنسيين والمهملين .
وبسرعة اغمقت الشمس ، وقمة الأيوان اختفت خلف غيوم كبيرة و رصاصية اللون ، وفجاة شق السماء برق كبير ، ورعد بعيد صار يقترب حتى جعل الأرض تهتز. جاءت عاصفة محمولة على رياح هائجة ، وتوقفت تهدد فوق مدينة "كوفاي" وبدأت العاصفة تجول في المدينة يرافقها هدير الرعد ،وغيوم تحولت إلى شلالات .
كبرت العاصفة وجعلت الأكواخ تهتز و تنتفض !! وكذلك الأحجار!! وازدادت الرياح بصفيرها ، وخرج الهنود مذعورين إلى الساحات فالأشجار الغليظة قد اقتلعت من جذورها ، والقي بها بعيدا ،وبعضها كان يتدحرج ويقفز.
فرت الحيوانات هائجة من الغابة ، دفعتها غريزتها نحو السفوح والمروج ، لتختبئ في المكان الذي يحيا فيه الإنسان .
حيوان الجغوار والمواشي وحيوانات البفري الشاحمة عبرت وأعادت الركض في المرج تزمجر من الهلع ..
حيوانات التبري وحيوانات الباكه** كانت تبحث عن مخبأ في مياه النهر . والطيور الكبيرة كانت تجاهد بأجنحتها المضروبة ضد الإعصار.
قعقعة الصاعقة ودويها وصرخات الناس وعواء الوحوش كانت تختلط جميعها في صخب واحد ووحيد ، لقد اهتز وادي "تاي كوفاي" ،والإعصار اقتلع الأشجار ، وطارت الأكواخ والخوص في الهواء.
ومثل الريش كانت تعلو الناس والدواب، وتدور في الهواء السقوف المصنوعة من سعف النخيل ، وكذلك الطيور الكبيرة التي تكسرت أجنحتها ، لكن جبل الأيوان فقط بقي ثابتا ومحافظا على مكانته وشموخه.

فلقد حاول الإعصار أن يلفه في حلقات زوابعه ، لكن قوة الإعصار خارت وتفتت ، لكنها رفعت حتى الذروة إلى هناك بين الغيوم ، وجمعت كل ما تم اقتلاعه وتخريبه في السهل .
في اليوم التالي أشرقت الشمس ، وقمة ايوان التي كانت من قبل نظيفة بدت مغطاة بمزركشات نادرة وغريبة مقلوبة ، فكان هناك سقوف الأكواخ والخوص ،أشجار مقطعة، جثامين هنود مقطوعة ، أنصاف نساء جميلات ،بلاعيم وزلاقيم وحوش وطيور مفتوحة و مخالب متشنجة في الصخور، صقور بأجنحة مفتوحة للقفز إلى الجرف.
لقد جمّع الإيوان المقدس في قمته كل تلك الأنقاض ، وهناك بقيت مخزونة ومحفوظة بين الأحجار كتذكار لمدينة تي كوفاي وغضب الآلهة.

* Cachiri مشروب شائع في فنزويلا ( المترجم )

** حيوان الباكة ثدي قارض جنوب أمريكي يؤكل لحمه ( المترجم )

عذراوات الشمس

هناك في أعلى هضاب الأنديس المحاطة بقمم ثلجية توجد وديان خصبة و فاترة المناخ وهي المكان الذي أقام هنود "الكيتشواس" عليه احدى الحضارات الأكثر غناء وإثارة للفضول في أمريكا القديمة هي حضارة الاينكا*.
هناك في أراضى البيرو وبوليفيا توجد بحيرة "تيتكاكا /Titicaca" ، البحيرة الكبيرة على ارتفاع اكثر من 4 آلاف متر فوق سطح البحر ، وبقربها توجد آثار وبقايا مدن طاعنة في القدم ، عمرها آلاف السنين ، كما توجد آثار قلاع وحصون وهياكل ومعابد تثير الإعجاب .
هناك في البحيرة يوجد المكان الذي تتحدث عنه الأسطورة عن الأب رب الشمس ، الذي أرسل اثنين من أبنائه : رجل وامرأة ليقيما أول إمبراطورية الإنكا .
فلقد أرسل أبناءه ليعملوا ويحكموا الهنود الـ "كيتشوواس " في ذلك الوادي.
وكانوا هم الذين بنوا مدينة الـ"الكوزكو" العاصمة والتي منها، وخلال قرون، امتد نطاق الإمبراطورية ، وتوسع في حكومة جبارة لإمبراطورية الاينكا .
لقد أرسل الرب أبناءه ، ليصنعوا الخير للإنسان ،ولكي يحيا بالعمل والنظام والسلام حسب مشيئة الرب الشمس الإله الطيب الذي لم يفرض تقديم القرابين البشرية ، بل أراد أن يرى الناس سعداء.

و"الاينكا" أ كثر قدما من "الكيتشواس" الذين طوّروا ثقافتهم في هضبة بوليفيا و البيرو، وكذلك في منطقة "تيتيكاكا" حيث لا تزال سلالة ذاك الشعب العريق تعيش هناك.
كان في مدينة كوزكو عاصمة الإمبراطورية قصور اً ضخمة ورائعة بمثابة معابد تعيش فيها أجمل العذراوات اللواتي يكرسن حياتهن لعبادة الشمس.
عاشت العذراوات المقدسات من غير أن يرين أحداً أو يتحدثن مع أي شخص ما عدا الملكة زوجة الاينكا فقط التي يمكنها أن تزورهن .فلقد كانت عقوبة الموت تنتظر كل من يجرؤ على حب احدى تلك النساء ، و من أجل أن لا يقدر أحد على الدخول إلى مكان سكناها فلقد تم إحاطة المكان بحصون عالية وحراس أوفياء يحيطون الأديرة حيث كانت عذراوات الشمس .

* الهنود الحمر /الاينكاقبائل الكيتشواس و أيما راس

الراعي وعذراوات الشمس

على خاصرة خضراء للجبل الذي تغطيه الثلوج كان يخبئ الماشية البيضاء ، لتقديمها كأضحيات وقرابين كان شعب الـ"اينكا" يقدمها إلى إله الشمس..
كان الراعي الشاب يدعى "اكويا نافا" لطيفا وله مظهر لائق وحسن ، يمضي خلف ماشيته ، وعندما كان يجلس والقطيع يرعى كان سعيداً ، يخرج الناي الذي كان يرافقه دائما ، ويبدأ بعزف موسيقى هادئة وحلوة تجعله يزداد سعادة .
وفي يوم كان فيه منشرحا جدا ،وهو يعزف ، جاءته اثنتان من بنات الشمس اللاتي كن يعشن في أحد قصور المدينة المجاورة , اذ كان قد سمح لهما بالخروج في النهار كي تتسليان في الحقل ، لكن لم يكن مسموحا لهما الغياب في الليل عن مسكنهما المحروس جيدا من قبل حراس صارمين ..
وصلت العذراواتان إلى الراعي وسألتاه عن الرعي وعن قطيع أغنامه ، فبقي "كويا نافا" مذعورا ً، ثم أراد أن يطلق ساقيه للهرب ، فهما إضافة إلى انهما مقدستان وابنتان للشمس فهما فائقتا الجمال ، لكنهما طلبتا منه ألاّ يخاف ، وعاودتا السؤال عن أغنامه ، ثم آخذتاه من ذراعه لينهض .
وقف الراعي أخيراً و قبّل يد كل واحدة منهما، وهو مندهش من روعتهما.
العذراء الكبيرة فيهما واسمها "تشوكي ييانتو" انجذبت للكلام مع "اكويا نافا" بعد أن بانت خفة دمه وبعد لحظات ودعتاه.
بدأت "تشوكيبيانتو" تتحدث مع أختها عن لطافة وبهجة ذلك الراعي ، واستمرتا بذلك طوال الطريق حتى وصلتا إلى قصرهما حيث رآهما حراس البوابة ، وفتشوهما إذ انهم يقولون في تلك الأيام إنهم وجدوا إحداهن وقد خبّأت رجلا حبيبا على قلبها وجعلته يمر مخفيا بين الملابس !!

دخلت العذراواتان إلى قصر بنات الشمس وزوجاتها _ الشمس _ اللواتي كن ينتظرن أطيب الأكلات المطبوخة في قدور من الذهب الناعم، لكن تشوكي ذهبت مباشرة إلى مخدعها ليكون بمقدورها التفكير منفردة بالراعي ، الذي بدأ قلبها يخفق بالحب تجاهه .
وفي تلك الأثناء كان "اكويا نافا" قد دخل إلى خصّه ليفكر منفردا في المفاجأة العظيمة لتشوكو الرائعة ، لكنه بدأ يشعر بحزن شديد ، فأخذ الناي وعزف ألحانا شديدة الحزن ، جعلت حتى الحجارة تشفق عليه ، ثم غنّى وهو يبكي:
" آه ! آخ! منك ! آيها الراعي البائس ! أيها العاجز عن كل شيء .. أه! منك! لا تقدر على رؤية حبيبة قلبك ، ولو رأيتها فإن حبك سينفضح ، وسيقضى عليك وعلى حبك ، وسينتهي الحب بالموت" ..واستمر يغنى بحزن كبير جدا حتى غفى.
لكن أمه العجوز البعيدة عنه فلقد حدست بسبب عذاب ابنها ، وراحت تهيء نفسها للسفر إليه ، فحملت معها سلة مزركشة وفاخرة ، وبدأت تمشي في الجبال حتى وصلت إلى الزريبة التي يسكن فيها ابنها.
ثارت عواطف الراعي عندما شاهد أمه ، وأخذت هي تواسيه وتقول له إن أحزانه ستزول خلال بضعة أيام ، ومن أجل ذلك ذهبت تحضّر له طبخة السلاحف ، الأكلة الموصوفة للحزن عند الهنود ،وبينما هي تطبخ رأت بنات الشمس قادمات باتجاه الزريبة ، ثم جلست الاثنتان عند المدخل ترتاحان من التعب وعندما شاهدتا المرأة العجوز في الداخل طلبتا منها شيئا للأكل فقدمت لهما صحنا من السلاحف ، أكلتاه بشهية كبيرة.

بدأت تشوكو تنظر حوالي الزريبة وإلى داخلها برغبة كبيرة علّها تعثر على"اكويا نافا" ، لكنها لم تجده لأنه في لحظة وصولهما أمرته أمه أن يدخل في السلة التي أحضرتها معها ، ( يقول الهنود إن ذلك كان ممكنا في تلك الأزمان).
ظنت تشوكو أن حبيبها الراعي يحرس القطيع ، لهذا لم تسأل أمه عنه وعندما رأت السلة قالت:" ما أجملها "!! وسألت : لمن هذه السلة؟فأجابتها العجوز : إنها لها وقد تركها لها والداها كميراث ، فهي سلة فاخرة جداً ،وأضافت العجوز إنها تقدمها وبنفس طيبة كهدية لها ، وبإمكانها أخذها معها إلى القصر .
وبعد قليل ودعت بنات الشمس أمّ الراعي ، واتجهن نحو المرج تحمل تشوكي السلة بيدها وفي عينيها شوق لرؤية راعيها هنا

من يترك نفسه اسير الماضي يفقد المستقبل